على ارتفاع يتجاوز ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر، يمتد طريق جبل صبر بمحافظة تعز كأفعى ملتوية بين المنحدرات الشاهقة، رابطًا بين العديد من القرى الريفية بالمدينة لكنه، بدلاً من أن يكون شريان حياة، تحول إلى مصدر رعب دائم بسبب الانهيارات الصخرية.
خلال موسم الأمطار تزداد الانهيارات الصخرية في جبل صبر، وتهدد حياة المئات من السائقين والمزارعين والسكان الذين لا يملكون خيارًا آخر غير العبور اليومي عبر هذا الطريق.
مواضيع مقترحة
- قرى الخَلل جنوب تعز: مساكن تحت تهديد الصخور
- سُكان المنازل القديمة.. معاناة صامتة بسبب الأمطار
- السيول والانهيارات تقتل المواطنين في المناطق الجبلية
بيوت تحت الخطر
يصف سكان القرى الواقعة أسفل جبل صبر حياتهم بأنها تحت مؤشرات خطر دائم، ويقول الحاج “سعيد الصامت” من قرية القفعة لـ “منصة ريف اليمن”: “نعيش خوفًا مستمرًا، مع كل مطر غزير نسمع الصخور تتحرك فوقنا، لا نملك خيارًا آخر للوصول إلى المدينة، وكل شيء يعتمد على هذا الطريق. أطفالنا يذهبون إلى مدارسهم على هذه الطريق، ونحن نراقبهم بخوف دائم”.
المزارعون في المناطق الغربية من تعز يواجهون مخاطر مضاعفة بسبب الانهيارات والصخور المتساقطة على أراضيهم، فالمزارع “عبدالله سعيد” يقول لـ”منصة ريف اليمن” إن “الأمطار الغزيرة هذه السنة جعلت الأرض تتشقق والصخور تنهار، خسائرنا تتضاعف مع كل موسم، ولا نجد أي دعم من السلطات لإقامة حواجز أو حماية الطريق”.
ويضيف: “الأرض التي نزرعها اليوم قد تُحرمنا من محاصيلنا غدا، الصخور والانزلاقات أصبحت تهدد حياتنا، ونعيش دائمًا في حالة ترقب وخوف”.
في سياق متصل حول مخاطر الانهيارات المتكررة في طريق صبر، يقول “عدنان بشر”: “يعد طريق جبل صبر شريان حياة يربط القرى بالمدينة، والحفاظ عليه أصبح ضرورة ملحة.
ويضيف بشر الذي يملك استراحة لـ”منصة ريف اليمن”: “الانهيارات الصخرية تزداد في موسم الأمطار، وقد تؤدي إلى كوارث عديدة، فقد تسد الصخور المنهارة مجاري السيول وتؤدي إلى انحراف المياه نحو المنازل والأراضي الزراعية؛ ما يزيد المخاطر على السكان والمزارعين”.
ويتابع: “من أجل حماية الطريق، أصبح من الضروري تكاتف الجميع وبناء جدران ساندة، خاصة في ظل غياب الدولة وعدم قيامها بترميم وإصلاح الطرق، وقد بادر بعض الأهالي والمبادرات المحلية بمساهمات محدودة لإزالة الصخور المهددة والأحجار المتساقطة، إلا أن هذه الجهود تبقى ترقيعية ولا تحد من الخطر على المدى الطويل”.

وعود بلا حلول
المهندس “محمد العقيبي”، مدير فرع الأشغال العامة والطرقات بمحافظة تعز، قال إن “الانهيارات في صبر الموادم ليست أمرًا طارئًا، بل تعود إلى طبيعة المنطقة الجيولوجية، فالصخور في مناطق مثل قراضة والمرزوح مفككة ومليئة بالشروخ، وهذه الشقوق تتسع مع مواسم الأمطار بفعل السيول؛ ما يؤدي إلى تفكك الكتل الصخرية وانهيارها بشكل متكرر”.
ويضيف لـ”منصة ريف اليمن” أن “بعض الممارسات البشرية، مثل تكسير الجبال في منطقة العارضة العليا لبيع الأحجار، ساهمت في مضاعفة المشكلة دون إدراك لمخاطر العبث بالكتل المتراكبة”.
وأوضح العقيبي أنه “في العام 2023 نفذنا بالتعاون مع مبادرة (خذ بيدي) الشبابية، أعمال تكسير وتهذيب للأحجار المهددة في منطقة المراغة بعد اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل بناء جدران سائدة أسفل الكتل الكبيرة، كما أجرينا دراسات ميدانية مع إعداد كلفة تقديرية لمعالجات مماثلة في مناطق أخرى بالمديرية، وشجعنا المبادرات المجتمعية التي بادر بها بعض النشطاء”.
لكن على الرغم من هذه الجهود، يقر العقيبي أن الحلول لا تزال محدودة ومرتبطة بالإمكانيات، بينما تبقى الحاجة ملحة إلى مشاريع استراتيجية كبرى للحد من الخطر الذي يتهدد السكان يوميًا، غير أن السكان يرون في هذا الاعتراف تبريرًا للفشل، مؤكدين أن استمرار تجاهل الكارثة قد يحوّلها إلى مأساة إنسانية.

الخطر من منظور علمي
في هذا السياق، يوضح الخبير “عبدالعليم القاضي”، دكتور في قسم الجيولوجيا بجامعة تعز لمنصة “ريف اليمن” أن “الصخور المتصدعة تعني تكسر الصخور بقوة الشد أو الضغط في القشرة الأرضية، فيما الصدع هو شق حدثت فيه إزاحة على أحد جانبيه بالنسبة للجانب الآخر، وقد يكون صغيرًا أو يمتد لمئات الكيلومترات”.
ويضيف القاضي: “صخور جبل صبر الجرانيتية توجد على شكل كتل مختلفة الأحجام ومتأثرة بالتصدع والتشقق الذي يأخذ اتجاهات مختلفة؛ ما يؤثر على درجة استقرار تلك الكتل، ويجعلها أكثر عرضة للانهيارات، خاصة على المنحدرات التي تزيد زاويتها على ستين درجة”.

ويشير الخبير الجيولوجي إلى أن تسرب المياه إلى داخل الشقوق يزيد من نشاط التجوية الكيميائية، ويضعف بنية الصخور؛ ما يجعل الكتل خطراً فعلياً على سكان المنازل والقرى الواقعة على جوانب المنحدرات وأقدامها، خصوصًا إذا صاحب تلك العوامل نشاط بشري مثل عمل المحاجر أو إنشاء المباني أو حفر برك الصرف الصحي.
ويشرح القاضي أن جبل صبر يتكون بشكل رئيسي من كتل صخرية ضخمة، مفصولة بفواصل وشقوق، وبعضها مليء بالتربة أو مواد معدنية، وأغلب الكتل مدورة وحوافها سهلة الدحرجة، ما يزيد من خطر الانهيار أو الانزلاق عند أي تحرك.
ويضيف: “قد تكون الصخور مستقرة اليوم أو في وضع الاتزان الحرج، لكنها يمكن أن تصبح غدًا غير مستقرة إذا تغيرت الظروف الطبيعية أو البشرية”.
عوامل الانهيار
ويلفت الخبير إلى أن الانهيارات ناتجة عن تفاعل عدة عوامل، منها جيولوجية كالتصدعات والشقوق، وميل الطبقات نحو المنحدر، ووجود الصخور فوق تربة ضعيفة، ومنها مناخية متمثلة بالأمطار الغزيرة، والرياح القوية، وزيادة الرطوبة؛ مما يضعف تماسك الصخور ويضاعف احتمالية الانزلاق، بالإضافة إلى عوامل بشرية مثل الحفر والمحاجر، وإقامة المباني على المنحدرات، وإزالة الغطاء النباتي، كلها عوامل تزيد من خطر الانهيار.
ويشير القاضي إلى أن التغيرات المناخية المتسارعة وزيادة الأمطار الموسمية ستضاعف من رقعة الانهيارات في المستقبل، خصوصًا مع التوسع العمراني غير المنظم على منحدرات جبل صبر.

حلول وقائية وعلمية
القاضي أكد أن أبرز التدخلات تتمثل في المسح الميداني، والاستشعار عن بعد لتحديد المناطق المعرضة للانهيار، النمذجة الجيولوجية، وإقامة الجدران الساندة، وتصريف مياه الأمطار، وتثبيت أو إزالة الصخور المتشققة، وتدعيم المنحدر بالجابيون، وإعادة تشكيل المنحدر، وتركيب أنظمة إنذار مبكر.
ويشير إلى أن زراعة الأشجار والنباتات الجبلية لها تأثير محدود ومحدد بحسب طبيعة المنحدر، كما أن الجامعات ومراكز الأبحاث يمكن أن تسهم بدراسات علمية، رغم محدودية الإمكانيات المادية.
ويختتم القاضي حديثه بالنصيحة اليومية للسكان: “يجب الحذر والانتباه التام، خصوصًا لأولئك المقيمين أسفل المنحدرات التي تحتوي على كتل ضخمة من صخور الجرانيت، ومراقبة أي تحرك للصخور خلال الأمطار والانهيارات لتجنب وقوع الكارثة”.