في ظاهرة مقلقة تهدد التنوع الحيوي، وتعرض البيئة المحلية لاختلال خطير، تشهد مديرية كعيدنة بمحافظة حجة عمليات صيد جائر للطيور البرية بشكل شبه يومي، حيث تحولت هذه الممارسة إلى نشاط واسع النطاق يمارسه العشرات من شباب المنطقة.
لم يعد الأمر مجرد هواية فردية كما كان في السابق، بل أصبح سلوكا جماعيا يتنامى بصورة غير مسبوقة، مدفوعا بغياب الوعي البيئي من جهة، وانعدام الرقابة والإجراءات الرادعة من جهة أخرى، ما ينذر بخسائر فادحة في التوازن الطبيعي، ويضع مستقبل الحياة البرية في المنطقة على المحك.
غياب الوعي البيئي
“عامر فقيه (29 عامًا)”، أحد سكان قرية المواهبة، أكد أن رحلات الصيد أصبحت تُنظَّم بشكل يومي. حيث تنطلق مجموعات من الشباب على متن دراجاتهم النارية باتجاه العزل المجاورة بحثًا عن الطرائد.
وأوضح “لمنصة ريف اليمن”، أنهم يصطادون ما بين 12 إلى 20 طيرًا في اليوم الواحد، وغالبًا ما تكون من النوع نفسه. وأضاف: “هذا هو السبب الذي جعل الأودية القريبة من قريتنا شبه خالية من الطيور”. مشيرًا إلى أن الصيادين المتمرسين يعرفون جيدًا أماكن تجمع الطيور المتبقية في الأودية البعيدة.
مواضيع مقترحة
-
محميات الطيور في عدن: إرث بيئي بمواجهة الخطر
-
المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
-
ماهي الكائنات المهددة بالانقراض في اليمن؟
ويستخدم الصيادون في تلك القرى وسائل تقليدية مثل بندقية الصيد الصغيرة، والمنبال الخشبي، إضافة إلى الفخاخ التي تُنصب قرب مصادر المياه وتُخفى بعناية لاصطياد الطيور التي تظن أنها في مأمن.
وعن أنواع الطيور التي تتعرض للاصطياد يوضح الصيادون أنها: العُقب والحجل. ومؤخرا انقرض ونادرا ما تجده بفعل الصيد، بالإضافة للهُجف والدَغل و(المكاوعة)، بالنسبة للأصغر والسامل والقلاقل وغيرها من الطيور.
وتقع محافظة حجة شمال غرب صنعاء، وتبعد عنها مسافة 127 كيلومتر، ويقع جزء كبير منها في نطاق سهل تهامة، وتتسم تضاريسها بالتنوع، حيث تشمل سلاسل مرتفعات جبلية وسهولًا ساحلية واسعة وسلسلة من الهضاب المتصلة بهضاب حجور، بالإضافة إلى المناطق السهلية في ميدي، وحرض، وعبس.

تسلية على حساب الطبيعة
أما “بدر ماهوب”، وهو في العقد الثالث من عمره وأحد سكان مديرية كعيدنة، قال إن هذه الطيور لا تحتوي على لحم يؤكل أو مائدة دسمة، فأكبرها حجمًا لا يزن ربع كيلو.
وأوضح لـ”منصة ريف اليمن” أن متعة الصيد ليست في أكل الطيور، بل في لحظة إسقاطها، واصفًا إياه بالشعور بالنصر. واستدرك قائلًا: “بعد الصيد، يوزع الطيور على من يحبها، وإنه لا يأكلها إطلاقًا”. يكشف حديث ماهوب جانبًا من الظاهرة أكثر تعقيدًا من مجرد سد جوع أو تأمين وجبة، فهي متعة وربما إدمان أو عادة تجمع بين التحدي والترفيه، لكنها تنتهي دائمًا بخسارة للطبيعة.
الطيور الصغيرة تُشكل جزءًا حيويًا في دورة الحياة البيئية، فهي تساهم في الحد من انتشار الحشرات، وتعمل على نشر البذور في التربة، وتُغذي الطيور الجارحة
الحاج “علي جهيني”، أحد المزارعين القريبين من وادي “المدبش” في المديرية ذاتها، قال إن “قتل الطيور الصغيرة تعرية للطبيعة، لا تقل خطورة عن قطع الأشجار أو تشطيب الجبال”.
بحسرة يروي جهيني لـ”منصة ريف اليمن”، كيف أن صيادين من قرى أخرى بدأوا يتوافدون إلى واديهم بعد أن استنزفوا وديان قراهم، مؤكدا أنه أصبح يدخل في مشادات مع الصيادين لحماية الطيور، خاصة عندما يكون حارسًا في الوادي، لكنه غالبًا ما يجد نفسه وحيدًا بلا دعم فعلي من الجهات المعنية.
وتابع: “رفعت شكاوى إلى عاقل القرية وشخصيات اجتماعية كثيرة، لكن لا فائدة، ما يحدث أمام الجميع”، يقولها بحزم. وعن دور الجهات الرسمية، أضاف: “لم أجربهم، لكن الكارثة تحصل في وضح النهار، فلا عذر لهم إن كانوا يرون ولا يتحركون”.
اختلال التوازن
ويؤكد الخبير البيئي والناشط في قضايا التنوع الحيوي، المهندس الزراعي “جهاد طلان”، أن هذا النوع من الصيد العشوائي يسبب اختلالًا خطيرًا في التوازن الطبيعي للمنطقة.
ويضيف في حديث لـ”منصة ريف اليمن”: “الطيور الصغيرة تُشكل جزءًا حيويًا في دورة الحياة البيئية، فهي تساهم في الحد من انتشار الحشرات، وتعمل على نشر البذور في التربة، وتُغذي الطيور الجارحة”.
جهاد طلان: الحل ليس في المنع القسري، بل في تقديم بدائل ثقافية وتوعوية، فالمجتمع بحاجة إلى ثقافة جديدة تحترم الحياة الفطرية وتراها جزءًا من هوية الأرض
ويحذر طلان من أن استمرار هذه الظاهرة بهذا الشكل قد يؤدي إلى فقدان بيئي تدريجي يصعب تعويضه في المستقبل القريب، خصوصًا في بيئة تعاني أصلًا من التصحر وتراجع التنوع البيولوجي بفعل تغير المناخ.
ويرى الأستاذ “علي زيدي”، وهو شخصية اجتماعية معروفة من أبناء كعيدنة، أن الحل ليس في المنع القسري، بل في تقديم بدائل ثقافية وتوعوية. وأضاف في حديثه لـ”منصة ريف اليمن”: “الشباب يبحثون عن الترفيه والانتصار، وعلينا أن نوفر لهم وسائل ترفيه أخرى تُشبع غرائز التحدي وتُبعدهم عن الطبيعة”، مضيفاً أن المجتمع بحاجة إلى ثقافة جديدة تحترم الحياة الفطرية، وتراها جزءًا من هوية الأرض.
وتتمتع اليمن بتنوع حيوي فريد من النباتات والطيور والموارد البحرية والساحلية والجزر، وبحسب وزارة الزراعة، تشكل مناطق الغابات الطبيعية 1.04% من مساحة الأراضي في اليمن، إضافة إلى ما تزخر به من الأسماك والمنتجات البحرية والساحلية والشعاب المرجانية والطيور والأراضي الرطبة، وهي بحاجة إلى وضع خطة عمل وطنية.