شحة المياه تهدد المجتمعات الريفية في الدول العربية

حذرت معهد إيطالي للدرسات من تداعيات مناخية خطيرة وموجات جفاف غير مسبوقة

شحة المياه تهدد المجتمعات الريفية في الدول العربية

حذرت معهد إيطالي للدرسات من تداعيات مناخية خطيرة وموجات جفاف غير مسبوقة

تواجه الدول العربية التي تعاني من عدم الاستقرار والصراعات، خطر التأثير المتزايد لظاهرة التغيرات المناخية المتطرفة، من أبرزها موجات الجفاف الشديد التي بدورها تنعكس سلباً على المجتمعات الريفية.

في تقرير حديث، حذر المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية من تداعيات مناخية خطيرة وموجات جفاف غير مسبوقة خصوصاً على المجتمعات الريفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في بعض الحالات، لا يكون الجفاف مجرد نتيجة للإهمال أو سوء التخطيط، بل هو نتيجة مُدبرة، لكن ما يثير القلق أن ارتفاع درجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار قد زاد بسرعة من الطلب على الطاقة والمياه ، مما زاد من التوترات على المستويين المحلي والإقليمي.


       مواضيع ذات صلة

المجتمعات الريفية وشحة المياه

على الصعيد الداخلي، يُهدد شح المياه الناجم عن تفاقم تغير المناخ سبل عيش المجتمعات الريفية، كما هو الحال في جنوب العراق، التي تعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية، مما يُسرّع من وتيرة الهجرة إلى المراكز الحضرية الكبرى.

لعلّ الأمر الأكثر دراماتيكية هو أن شمال سوريا، الذي يمرّ بالفعل بمرحلة انتقالية سياسية واجتماعية دقيقة بعد الحرب، يشهد أسوأ موجة جفاف منذ عقود، مما يزيد الضغط على القطاع الزراعي المنهك أصلًا ويُعيق الأمن الغذائي .

ولم تسلم دول شمال إفريقيا أيضًا، حيث عانت المغرب من جفاف دام سبع سنوات، مما أدى إلى انخفاض حاد في المحاصيل وقطعان الماشية، مما زاد الضغط على إنتاج الغذاء.

تتصاعد التوترات بين الدول التي تتشارك في أحواض المياه نفسها، حيث لا يزال العراق يتلقى مياهًا غير كافية من السدود التركية على نهري دجلة والفرات. من جانبها، لا تزال دول الخليج تعتمد على محطات تحلية المياه، حيث تتناقص إمداداتها من المياه المتجددة منذ فترة طويلة.


 الكثير من الدول العربية غير قادرة على تنفيذ سياسات فعالة للتكيف مع أزمة المناخ والتخفيف من مشكلة نقص المياه


انعدام الأمن المائي

بحسب خبراء تُقوّض تخفيضات المساعدات الإنمائية الدولية بشكل خطير قدرة قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية على تلبية الاحتياجات المائية الأساسية للفئات السكانية الضعيفة في جميع أنحاء بلاد الشام، وخاصةً مجموعات اللاجئين والمجتمعات الريفية الفقيرة.

وتظل المنطقة، التي تعاني أصلاً من شحّ موارد المياه العذبة، وتدهور البنية التحتية، وتزايد الطلب على المياه، معرضةً لخطر ندرة المياه المستمر. وقد أدّت الصراعات المستمرة والماضية، من سوريا إلى غزة، إلى نزوح أعداد لا تُحصى من الناس وإلحاق الضرر بشبكات المياه الأساسية، مما جعل الكثيرين يعتمدون على الدعم الخارجي.

ومع تراجع المساعدات، تُقلّص حتماً الجهود المبذولة لتوفير المياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية، مما يُعرّض هذه الفئات لمخاطر صحية وسلامة متزايدة. وتُنذر هذه التخفيضات بعكس مسار سنوات من التقدم الهش، مما يُفاقم تحديات المياه القائمة، ويُعمّق عدم الاستقرار في منطقة يُمثّل فيها انعدام الأمن المائي أزمة إنسانية وجيوسياسية.


المعهد الإيطالي: تخفيضات المساعدات الإنمائية الدولية تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن المائي في الشرق الأوسط


ندرة المياه في  الخليج والعراق

لا تزال ندرة المياه تُمثل أحد أهم التحديات التي تواجه المنطقة، وتُوفر الجهود السابقة، مثل مشروع ربط شبكات المياه بين دول مجلس التعاون الخليجي، أساسًا لتجديد التعاون. حيث ينبغي على دول المجلس إعادة النظر في قضية التعاون الإقليمي القائمة في مجال المياه منذ فترة طويلة.

ويُعدّ العراق من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تأثرًا بتغير المناخ، حيث ترتفع درجات الحرارة بمعدل أسرع بسبع مرات من المتوسط العالمي، وازدادت حدة الجفاف الشديد وتواترًا في السنوات الأخيرة.

يواجه العراق أزمة مياه متفاقمة، إذ انخفضت منسوب مياه نهري دجلة والفرات بنسبة 30% إلى 40% خلال الأربعين عامًا الماضية .  ويعود هذا الانخفاض إلى تغير المناخ، وعدم كفاءة الري، وبناء السدود عند المنبع، لا سيما في تركيا، ولكن أيضًا في إيران وسوريا، اللتين تتحكمان في روافد رئيسية في نظام النهر المشترك.

وقد أثّرت هذه الظروف بشكل كبير على سبل عيش العديد من المجتمعات، وخاصةً المجتمعات الزراعية، مما أدى إلى نزوح ما يصل إلى 23,364 أسرة حتى 15 مارس/آذار 2024. وقد اتخذت الحكومة العراقية بعض الخطوات لمواجهة هذه التحديات.

ففي عام 2025، أطلقت مشروعًا ممولًا من صندوق المناخ الأخضر (GCF) باستثمار إجمالي قدره 39 مليون دولار لدعم الأسر الريفية في محافظات كربلاء والنجف والمثنى. ومع ذلك، لا تزال هذه الجهود محدودة بالنظر إلى حجم الأزمة، مما يقلل من كمية ونوعية المياه المتاحة للمجتمعات الزراعية المحلية.

شح المياه في سوريا

أدى الصراع في سوريا إلى تدمير البنية التحتية وتأثر قطاع المياه بشكل خاص، مع تدمير واسع النطاق لشبكات المياه، وتلوث مصادر المياه الرئيسية، وانهيار مؤسسات إدارة المياه، حيث أدت الحرب إلى تفكيك الخدمات العامة الهشة أصلاً في سوريا، مما أثر على القدرات المؤسسية على المستويين الوطني والمحلي، كما تفاقم التغيرات المناخية حدة التحديات.

أدى ارتفاع درجات الحرارة وتزايد وتيرة الجفاف وطول أمده إلى تدهور جودة وكمية المياه المتاحة. ولهذا التدهور البيئي عواقب فورية وطويلة الأجل على الصحة العامة، وإنتاج الغذاء، وانهيار سبل العيش الريفية بسبب ندرة المياه، مما يؤدي إلى النزوح الداخلي وزيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية، مع إضعاف آليات الصمود المحلية في سوريا.

وفي حين تدق كل هذه الأزمات ناقوس الخطر في جميع أنحاء المنطقة، والوقت ينفد في مواجهة التحديات المتزايدة التي تفرضها التغيرات المناخية. يبقى السؤال المُلِحّ: كيف تستجيب دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: