في الوقت الذي كانت فيه مشاهد الغزلان والوعول مألوفة في أرياف محافظة شبوة جنوبي اليمن، أصبحت تلك الصور من الماضي، في ظل تصاعد ظاهرة الصيد الجائر التي تهدد ما تبقى من الحياة البرية والتنوع البيولوجي في واحدة من أغنى محافظات اليمن بيئيًا.
يتذكر المواطن “علي سعيد (70 عاما)”، مشاهد الطفولة كيف كانت قطعان الوعول والغزلان تمر بجوار قريتهم بالمحافظة خلال موسم الأمطار، دون أن يجرؤ أحد على صيدها خارج الأوقات المسموح بها.
حاليا، لم تعد رؤية ذلك أمرا شائعا في المحافظة، بل أصبحت نادرة للغاية ويقول سعيد بحسرة: “في زماننا كنا نعتبر الصيد مسؤولية، ما نصيد إلا بقدر، وكبار القبائل كانوا يحرّمون صيد الإناث والصغار، لكن اليوم الصيد صار تجارة عند بعض الناس”.
مواضيع مقترحة
-
المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
-
ماهي الكائنات المهددة بالانقراض في اليمن؟
-
محمية بُرع الطبيعية: التنوع الحيوي والغابات الكثيفة
خطر متزايد
وتواجه العديد من الحيوانات البرية في المحافظة خطرا متزايدا بالانقراض، نتيجة التصاعد المقلق لظاهرة الصيد الجائر من قبل بعض السكان المحليين، في ظاهرة باتت تشكل تحديا حقيقيا يهدد مستقبل التنوع الحيوي في المحافظة.
الناشط البيئي “علي محمد البعسي” يؤكد أن شبوة تعد من أكثر المحافظات تضررا من الصيد الجائر، مشيرا إلى أن العديد من الأنواع النادرة، وفي مقدمتها الوعل العربي، اختفت كليا من بعض المناطق.
ويضيف البعسي في حديثه لمنصة ريف اليمن: “الوعل العربي كان ينتشر في معظم مناطق المحافظة، واليوم لا يشاهد إلا نادرا في المديريات الجنوبية والشرقية”، مؤكدا أن الخطر لا يهدد الوعل فقط، بل يشمل النمر العربي، الذئب، النمس، والغزال التي باتت كلها مهددة بالانقراض.

تعد شبوة موطنا لتنوع بيئي فريد، يشمل أنواعا نادرة من الثدييات البرية، مثل المها العربي، والنمر العربي، والفهود، إلا أن هذا التنوع مهدد بالانقراض نتيجة تراجع الوعي البيئي لدى بعض السكان، وغياب الرقابة من قبل الجهات الرسمية.
الدكتور “طه باكر”، مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة شبوة، حذر من خطورة استمرار هذه الانتهاكات، مؤكدا أن “الوعي المجتمعي هو الخطوة الأولى نحو بيئة مستقرة وآمنة للأجيال القادمة”.
بحسب تقرير صادر عن مركز صنعاء للتنوع البيولوجي، فإن 7 أنواع من أصل 71 نوعًا من الثدييات البرية في اليمن تواجه خطرا شديدا أو انقراضا فعليا، بينها الوعل العربي
وشدد باكر خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، على ضرورة مواجهة التحديات البيئية؛ كالتصحر، والتغيير المناخي، وأن حماية البيئة هي مسؤولية الجميع، مشيرًا إلى أن الهيئة تنفذ حملات توعوية بعدد من المديريات، رغم الإمكانات المحدودة.
انقراض حيوانات نادرة
وبحسب تقرير صادر عن مركز صنعاء للتنوع البيولوجي، فإن 7 أنواع من أصل 71 نوعًا من الثدييات البرية في اليمن تواجه خطرا شديدا أو انقراضا فعليا، بينها الوعل العربي، النمر العربي، الفهود، والظباء، ويؤكد التقرير أن معظم الثدييات الكبيرة تم اصطيادها حتى انقرضت، ويعزو ذلك إلى الصيد غير المنضبط، وتأثير الحرب على جهود الحماية البيئية.
وساهمت الحرب المستمرة في اليمن في تفاقم التحديات البيئية، وخصوصًا في المحميات الطبيعية التي تُهدد تنوعها البيولوجي. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة CEOBS (مرصد النزاع والبيئة)، تعاني النظم البيئية تدهورا حادا، يشمل فقدان أنواع نادرة، وتراجع الغطاء النباتي، ما يزيد من خطورة انقراض الثدييات البرية.
وفي مثال على تدهور الوضع، وثق تحقيق صحفي مقتل نمور عربية نادرة ومصنفة عالميا ضمن الأنواع “حرجة الانقراض”، في محيط محمية حوف أواخر 2022 ومطلع 2023، نتيجة هجومها على ماشية، مما أثار موجة من الغضب والقلق لدى ناشطي البيئة.

من جانبه، أكد “عبدربه هشلة ناصر”، أمين عام المجلس المحلي بمحافظة شبوة، أن السلطة المحلية لم تدخر جهدا في توجيه الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفين، مشددا على أن حماية البيئة مسؤولية جماعية لا تقتصر على جهة بعينها، بل هي مسؤولية مشتركة وتكاملية.
وقال هشلة لمنصة ريف اليمن: “ما ينشر من صور توثق عمليات صيد جائر يمثل انتهاكا صريحا للقوانين البيئية، وعلى رأسها القانون رقم 26 لسنة 1995، الذي يمنح موظفي الهيئة صفة الضبط القضائي لملاحقة المخالفين”.
ورغم محاولات بعض المبادرات الشبابية تنفيذ حملات توعية ورصد، فإن حجم التحديات يتجاوز إمكاناتها المحدودة، ما يتطلب دعما رسميا ومجتمعيا لحماية ما تبقى من التنوع البيئي
لكن هشلة أقر بوجود عقبات في تطبيق القانون، داعيا إلى تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية لحماية البيئة البرية ومنع تدهورها، والإبلاغ عن أي أعمال أو أنشطة تقوم بها جهات رسمية أو شخصية من شأنها الإضرار بالبيئة.
صيد عشوائي
ولفت هشلة إلى أن ما يحدث من صيد جائر لا يؤثر فقط على الحياة البرية، بل ينعكس سلبا على الإنسان والطبيعة بشكل عام، داعيا إلى توحيد الجهود الرسمية والمجتمعية، من أجل حماية الحياة البرية والبيئة الطبيعية بما يكفل حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة ومتوازنة. ورغم هذه الجهود، يرى الناشط البيئي علي البعسي أن الإجراءات الحكومية لا تزال “عاجزة”، في ظل ضعف مؤسسات الدولة، وانعدام الرقابة في المناطق النائية.
ويشير إلى أن بعض الصيادين جرى تحويلهم للنيابة، لكن ضعف الإمكانات يعوق تنفيذ القانون، ويضيف: “الكثير من الناس ينظرون إلى الصيد كعادة توارثوها، دون إدراك الفرق بين الصيد المنضبط القديم، والممارسات العشوائية الحالية.” ويتابع: “الكثير من الناس ينظرون للصيد باعتباره عادة متوارثة عن الأجداد، دون أن يدركوا أن الأجداد أنفسهم كانوا يلتزمون بضوابط صارمة”.

ويستشهد البعسي بوثيقة تاريخية لقبائل بن عبيد، كانت تحرّم صيد الإناث والصغار، وتحظر الصيد في مواسم التزاوج، معتبرا أن وعي المجتمعات سابقا كان أكثر احتراما للطبيعة من الواقع الحالي؛ مما يؤكد الحاجة الملحة لإعادة إحياء هذه الممارسات المستدامة.
ويرى أن الحل يكمن في إعلان المناطق الغنية بالتنوع البيولوجي كمحميات طبيعية رسمية، بدعم حكومي ودولي، مع تطوير البنى التحتية والتشريعات، وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية.
ورغم محاولات بعض المبادرات الشبابية تنفيذ حملات توعية ورصد، فإن حجم التحديات يتجاوز إمكاناتها المحدودة، ما يتطلب دعما رسميا ومجتمعيا عاجلا لحماية ما تبقى من التنوع البيئي، وسط تحذيرات من أن استمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى زوال الكائنات النادرة التي طالما شكلت جزءا من هوية اليمن البيئية والثقافية.