في الوقت الذي تشهد فيه المدن اليمنية حملات رقابية مكثفة على الأسواق انعكست نسبيًا على أسعار بعض السلع الأساسية، يظل المواطن الريفي الحلقة الأضعف أمام جشع بعض التجار وغياب الدور الفاعل للجهات المختصة في المديريات، لتتسع الفجوة بين أسعار المدينة والريف بشكل يرهق دخل الأسر المحدود، ويضاعف معاناتها اليومية.
ويواجه سكان الأرياف زيادات سعرية غير مبررة تنهك مصادر دخلهم المحدودة، وتضاعف معاناتهم اليومية. ويؤكد مواطنون من أرياف تعز أن الفارق السعري لا يبرره سوى غياب الرقابة؛ إذ يباع كيس الدقيق في المدينة بسعر أقل يصل إلى ثمانية أو عشرة آلاف ريال مقارنة بنفس الكيس في الريف، بحسب مقارنة أجراها مراسل منصة ريف اليمن.
الفارق السعري ليس مقتصرا على الدقيق، وإنما ينعكس على كافة المواد الأساسية، من السكر والزيت إلى أبسط المستلزمات مثل الصابون وأدوات النظافة، وهي زيادة لا تبدو منطقية خاصة في ظل محدودية دخل الأسر الريفية، واعتمادها على الزراعة أو الأعمال اليدوية البسيطة.
مواضيع مقترحة
-
الثروة الحيوانية.. مصدر الأسر الريفية لمواجهة تحديات المعيشة
-
الزواج في ريف اليمن: تعقيدات تتضاعف ومهور عالية
-
الاقتصاد الريفي: كفاح مستمر من أجل البقاء
تقول “أم صالح” ربة منزل من جبل حبشي، لـ”منصة ريف اليمن”: “أحيانًا أشتري نصف الكمية فقط، ما عاد نقدر نلحق بالأسعار، جيراننا يرسلون احتياجاتهم من المدينة لأنها أرخص بسبب الحملات الرقابية هناك، أما هنا فالتاجر يبيع مثلما يريد”.
فجوة كبيرة
ويشير “عبد الحكيم أنعم”، وهو أحد مواطني مديرية المعافر في ريف تعز، إلى أن هذه الفجوة أصبحت عبئًا مضاعفًا عليهم، حيث إنها لا تتناسب مع الظروف الاقتصادية المتدهورة لديهم مع قلة فرص العمل. ويرى أنعم أن السبب يعود لغياب رقابة ميدانية فاعلة في المديريات، مقابل تشديدها في المدن، ما يجعل الريف الحلقة الأضعف التي يدفع ثمنها المواطن الفقير.
نساء الأرياف يتحملن العبء الأكبر مع موجة الغلاء؛ إذ يقعن في مواجهة مباشرة مع احتياجات الأسرة اليومية. تقول “أم عبد الرحمن”، من المواسط وزوجة أحد المغتربين: “كنت أشتري كل احتياجات البيت بـ600 ريال سعودي، واليوم يرسل 800 ريال ومع ذلك لم تعد تكفي لشراء نصف ما كنا نشتريه، فأسعار الصرف نزلت وأسعار المواد الغذائية كما هي ولم نشعر بأي انخفاض”.

أم عبدالرحمن ليست وحدها من تعاني جشع بعض تجار الأرياف، بل نموذج للكثير من الأمهات وربات البيوت، وبحسب شهادات متعددة جمعها مراسل منصة ريف اليمن”، أصبحت نساء الأرياف يتحملن ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا، إذ يواجهن يوميًا أسئلة الأطفال عن الطعام والحلوى التي لم يعد بالإمكان توفيرها. “حتى الخبز أصبحنا نحسبه بالعدد”، تقول إحدى الأمهات.
في المقابل ، يبرر التجار في الأرياف ارتفاع الأسعار بتكاليف النقل والتحميل، ويقول “سليمان الحميد”، تاجر من المواسط: “الفارق من مركز المديرية إلى المحلات لا يتجاوز ألف ريال للسلعة، لكن إيجار السيارة وحده يصل إلى 35 ألف ريال”، مضيفًا أن وعورة الطرق وغلاء الوقود تزيد من الأعباء.
مبررات
هذه المبررات، وإن بدت منطقية في ظاهرها، إلا أن المواطنين يرون أنها تحولت إلى ذريعة ثابتة لفرض أسعار مبالغ فيها؛ إذ لا يمكن أن يبرر فارق النقل زيادة تتجاوز آلاف الريالات على كل سلعة، خصوصًا مع ارتفاع معدلات الفقر.
من جهة اخرى، قال عدد من التجار إن هناك مبالغة في الأسعار، لكنهم يبررون الأمر بضعف الرقابة على تجار الجملة في مركز المديرية، حيث ما زالوا يبيعون بالأسعار القديمة، مشيرين إلى إن تجار الجملة يعرضون قوائم الاسعار الرسمية على أبواب محلاتهم، ويبيعون بأسعار مخالفة، ما يجعل البيئة الريفية مساحة مفتوحة لأي تسعيرة دون حسيب.
تساؤلات كثيرة يطرحها الأهالي، من خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المجالس العامة التي يجتمع بها سكان القرية، حول جدوى وجود مكاتب الصناعة في المديريات إذا لم تقم بدورها في حماية المستهلك، وبينما تبدو الحملات مركزة في المدن يظل الريف محرومًا من أي رقابة فعلية، وكأنه خارج نطاق الاهتمام.
تجار الجملة يعرضون قوائم الاسعار الرسمية على أبواب محلاتهم، ويبيعون بأسعار مخالفة، ما يجعل البيئة الريفية مساحة مفتوحة لأي تسعيرة دون حسيب
مدير عام مكتب الصناعة والتجارة في محافظة تعز، “عبد الرحمن القليعة”، أوضح لـ “منصة ريف اليمن”، أن دور فروع المكتب في المديريات هو نفس دور الإدارة العامة وبذات الصلاحيات القانونية لمراقبة السوق، لكنه أقر ضمنيًا بأن فاعلية تلك الرقابة تعتمد على مستوى الدعم من السلطات المحلية.
أما “محمد الشيباني” ناشط مجتمعي من أبناء مديرية الشمايتين، يقول إن هذا الغياب جعل المواطن يفقد ثقته في المؤسسات المعنية، ويتعامل مباشرة مع التاجر باعتباره صاحب الكلمة العليا، ولعل ذلك ما شجع كثيرًا من التجار على التمادي في فرض أسعار تفوق قدرتهم الشرائية.
إرادة غائبة
الخبير الاقتصادي “نجم الدين السيد”، يرى أن معالجة الفجوة بين أسعار المدينة والريف ليست أمرًا معقدًا، لكنها تحتاج إلى إرادة حقيقية من السلطات المحلية، فالمسألة تتعلق بتكلفة النقل والتوزيع التي يمكن تنظيمها عبر آليات رقابية وتشريعات تمنع الاستغلال.
يضيف نجم ، في تصريح لـ”منصة ريف اليمن”: ” يمكن تفعيل دور الجمعيات التعاونية في الأرياف لشراء السلع مباشرة من المدينة وتوزيعها بسعر مناسب، بدلاً من أن يُترك المواطن رهينة التاجر الفرد”.
ولفت إلى أن “غياب البيانات الرسمية حول الأسعار في الأرياف يعقد المشكلة أكثر مما هي عليه، إذ لا توجد مقارنات واضحة تسهل عملية الرقابة، بينما في المدن تُرصد الأسعار بشكل يومي تقريبًا”. ويؤكد أن الريف بحاجة ماسة إلى تدخل عاجل يعيد التوازن، ويحمي المستهلك البسيط من جشع بعض التجار، ويضمن أن لا يتحول حقه في الغذاء إلى معركة يومية لا تنتهي”.