تحوّل مساء مديرية ساه بمحافظة حضرموت (شرقي اليمن) الجمعة 2 مايو/ أيار الجاري، إلى كابوس مؤلم، بعدما اندلع حريق كبير التهم مزارع نخيل اعتنى بها الأهالي لعقود، وخلف خسائر مادية ونفسية فادحة، في واحدة من أسوأ الحرائق التي شهدتها المديرية خلال السنوات الأخيرة.
الحريق الذي اندلع بمنطقة تسمى “البلاد”، ولاتزال أسبابه مجهولة، أدى إلى احتراق نحو 45 نخلة على مساحة تقدر بـ 63 مترا طولا و41 مترا عرضا، متسبباً بخسائر مباشرة لأكثر من سبع أسر تعتمد كليا على زراعة النخيل كمصدر للمعيشة، وهذه الحرائق تؤثر على سبل العيش لدى المزارعين.
فاجعة على المزارعين
“ماجد علي”، مزارع خمسيني وأحد المتضررين، يروي قصته لمنصة ريف اليمن، بنبرة يغالب فيها الدموع قائلا: “كنت جالسا أمام منزلي حين شممت رائحة الدخان فقمت مسرعا، وإذا بي أرى النيران تلتهم نخلي التي كنت أنتظر ثمارها خلال الموسم الحالي”.
ويضف: “شعور لا يحتمل وأنت ترى تعب عمرك كله يحترق أمامك، أفنيت شبابي في زراعة هذه الأرض، كانت لقمة عيش أولادي من هذه النخيل، وكنت أعتني بها باستمرار حتى تنتج ثمرة طيبة، لكنها انتهت. الحمدالله على كل حال”.
مواضيع ذات صلة
أشجار النخيل بحضرموت.. آفات وتوسع عمراني يهدد بقائها
مَزارع نخيل الساحل الغربي: الحرب تحولها إلى أطلال
الزراعة في حضرموت.. تدهور فاقمه تغير المناخ
أما المزارع “فضل عبد الله”، أحد المتضررين أيضا، وصف الحادثة بالفاجعة قائلاً: “شاهدنا تعب سنوات يحترق قدام أعيننا، والنخيل هو مصدر رزقي الوحيد، وأعتمد عليه في إعالة أسرتي”. وخلال حديثه لمنصة ريف اليمن، طالب عبد الله بتوفير وسائل إطفاء قريبة وتعويضهم عن خسائرهم.
الحريق دمر 45 نخلة متسبباً بخسائر مباشرة لأكثر من سبع أسر تعتمد كليا على زراعة النخيل كمصدر للمعيشة
وتتركز زراعة أشجار النخيل في محافظة حضرموت -المحافظة الأكبر من حيث المساحة في اليمن- التي يوجد فيها أكثر من 67% من النخيل المزروعة في البلاد، بحسب كتاب الإحصاء الزراعي لعام 2021م.
“لاتزال أسباب الحريق مجهولة، وهل هي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة أم فعل فاعل، هذا ما ستكشفه لجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة مدير الأمن”، يقول مدير مديرية ساه، “مبارك الجابري” خلال حديثه لمنصة ريف اليمن.

ويضيف الجابري: “اللجنة مشكلة من ممثلين عن الزراعة والأشغال وعقال المنطقة”، لافتا إلى أن النيران التهمت أراضي زراعية تعود ملكيتها لسبعة من أبناء المنطقة تمثل مصدر رزق أساسي لهم.
وعن دور السلطة المحلية والدفاع المدني، أوضح الجابري أن فرق الإطفاء وصلت إلى موقع الحريق عند الساعة 11 مساء، وتمكنت من إخماد الحريق بشكل كامل بحلول الساعة الثالثة فجراً بمشاركة رجال الأمن وشباب منتدى البلاد.
خسائر كبيرة
وأوضح أن الحريق كشف عن تحديات كبيرة في مجال الاستجابة للطوارئ، منها وعورة المنطقة، وغياب قسم للدفاع المدني في المديرية، وعدم توفر سيارات إطفاء، لافتا إلى أن الرياح القوية ساعدت في توسع رقعة الحريق. كاشفا عن خطة مستقبلية لتأسيس وحدة دفاع مدني وتدريب فرق محلية مجهزة للتعامل مع مثل هذه الكوارث.
وعن أصناف النخيل التي تعرضت للاحتراق، قال “حسين عبدين” مدير مكتب الزراعة في المديرية، إنها تنتمي إلى ثلاثة أصناف محلية شائعة “الحمراء، والحاشدي، والسرييع” وتعد من الأشجار ذات الإنتاجية العالية؛ ما يجعل الخسائر الاقتصادية فادحة بالنسبة للأسر المتضررة. وبلغت التقديرات الأولية للخسائر أكثر من 13 مليون ريال يمني، (ما يعادل 5 آلاف دولار أمريكي)، وهو ما يتطلب تدخلاً من قبل السلطات المحلية لتعويض المزارعين.

وأكد عبدين لمنصة ريف اليمن غياب أي نوع من الدعم أو التعويض حتى الآن، محذراً من أن استمرار هذه الظروف دون دعم لوجستي أو تجهيزات وقائية قد يهدد مستقبل الزراعة في المنطقة. مشددا على أهمية قطاع النخيل في دعم الأمن الغذائي وسبل العيش، مؤكداً أن تعويض نخلة واحدة قد يستغرق سنوات طويلة من الرعاية.
مطالبات بالتعويض
من جهته، أوضح الدكتور “أمجد باقويقو”، مدير عام فرع هيئة البحوث والإرشاد الزراعي بالإقليم الشرقي، أن النخلة تُعد رمزًا للثبات والعيش الكريم، وخسارتها لا تقاس فقط بثمارها، بل بالسنوات التي استغرقتها لتنمو وتنتج.
وقال إن “تعويض الأشجار المحترقة ليس سهلاً، فالنخلة تحتاج 5 إلى 7 سنوات حتى تبدأ بالإنتاج الجيد، وبالتالي فإن خسارة بستان نخيل تعني خسارة طويلة الأمد يصعب تجاوزها دون دعم فني ومالي مباشر للمزارعين”.
وعن كيفية تجنب مثل هذه الكوارث مستقبلا أوضح باقويقو أن الأمر يتطلب “اتخاذ إجراءات متعددة؛ أبرزها إنشاء نقاط إطفاء قريبة في المناطق الزراعية، وتدريب المجتمعات المحلية على التصرف السريع عند اندلاع الحرائق، وتوعية المزارعين بعدم إشعال النار في الحقول القريبة من الأشجار”.

ويؤكد المختص الاقتصادي الدكتور “سالم باحكيم” أن حرائق النخيل -مثل الحريق الذي شهدته مديرية ساه- تمثل تهديداً مباشراً للاقتصاد المحلي، لا سيما في المجتمعات التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيس للدخل.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “قطاع النخيل في مناطق مثل حضرموت يعد شرياناً اقتصادياً رئيسياً؛ حيث تعتمد مئات الأسر على إنتاج التمور ومشتقاتها لتأمين معيشتها، فعندما تفقد عشرات الأشجار فجأة لا يخسر الأهالي فقط محصول الموسم بل أيضاً يخسرون أعواماً من الاستثمار والانتظار؛ مما يؤثر سلباً على الدخل المحلي، ويزيد من معدلات الفقر”.
وتعد منطقة ساه من المناطق الزراعية المهمة في حضرموت وتشتهر بزراعة النخيل، بنسبة تصل إلى 80%، وتبلغ إجمالي المساحات الزراعية بالمديرية 650 هكتاراً، منها 350 هكتاراً يتم ريُّها بمياه الآبار والعيون والأنهار، فيما يسقى 200 هكتار المتبقي من مياه الأمطار والسيول، وفقا لإحصائيات مكتب الزراعة.