جزيرة سقطرى تحت وطأة البشر وعواصف المناخ

الإنتهاكات المتكررة للبيئة أصبحت تهدد الجزيرة بالخروج من قائمة التراث العالمي

جزيرة سقطرى تحت وطأة البشر وعواصف المناخ

الإنتهاكات المتكررة للبيئة أصبحت تهدد الجزيرة بالخروج من قائمة التراث العالمي

تواجه البيئة الفريدة في جزيرة سقطرى مخاطر وتهديدات، بعضها انتهاكات تمارس، وأخرى متعلقة بتأثيرات التغير المناخي، ويحذر خبراء من أن ملايين السنين من التطوّر البيولوجي في سقطرى باتت “مهددة بشكل خطير”.

وقد أطلق بعض الخبراء، من بينهم عالم البيئة كاي فان دام -الذي عمل في سقطرى لأكثر من 20 عاماً- على هذه الجزيرة اسم “جزر غالاباغوس المحيط الهندي” لكنه إلى جانب مختصين آخرين، يُحذّر من أن ملايين السنين من التطوّر البيولوجي في سقطرى باتت “مهددة بشكل خطير” وفق ما نقلت شبكة إن بي سي «NBC NEWS».

وتقع جزيرة سقطرى قبالة مدينة المكلا وشرق خليج عدن جنوبي اليمن، وساهم موقعها النائي في نشوء نظام بيئي فريد، يزخر بأنواع نادرة من الطيور والحيوانات، فضلاً عن الشعاب المرجانية الغنية بالحياة البحرية الملوّنة. وفقا لليونسكو فإن ثلث النباتات البالغ عددها 825 نوعاً في الجزيرة لا توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض.


      مواضيع مقترحة

وظلت جزيرة سقطرى اليمنية بعيدة عن الأنظار لقرون، لا يزورها إلا القليل من التجار الباحثين عن اللبان العطري، ونبتة الصبّار العلاجية، والعصارة القرمزية لشجرة دم الأخوين، التي تُستخدم في صناعة الأصباغ.

سقطرى المهددة من البشر والمناخ..
أشجار دم الأخوين الشهيرة في سقطرى جنوب اليمن (أ ب)

شجرة دم الأخوين والأعاصير

شجرة دم الأخوين أو ما تسمى أيضاً في الصحافة الغربية “دم التنين” تلك الشجرة وصفها تقرير وكالة أسوشيتد برس «AP» بأنها “أكثر من مجرد تحفة نباتية، بل هي ركيزة أساسية في النظام البيئي لسقطرى” حيث تلتقط مظلاتها الشبيهة بالمظلات الضباب والمطر، وتنقلهما إلى التربة تحتها، مما يسمح للنباتات المجاورة بالازدهار في المناخ الجاف.

وعبر امتداد هضبة “فيرميحن” الوعرة في سقطرى، تتكشف أكبر غابة متبقية من غابات أشجار دم الأخوين على خلفية جبال وعرة، آلاف من المظلات العريضة تتوازن فوق جذوع نحيلة.

ووفقا لدراسة أجريت عام 2017 في مجلة Nature Climate Change، فقد زادت وتيرة الأعاصير الشديدة بشكل كبير في جميع أنحاء بحر العرب في العقود الأخيرة، وتدفع أشجار دم الأخوين في سقطرى الثمن.

في عام ٢٠١٥، ضربت عاصفة مدمرة مزدوجة الجزيرة، كانت غير مسبوقة في شدتها، واقتلعت آلاف الأشجار التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، بعضها يزيد عمرها عن ٥٠٠ عام، والتي صمدت أمام عواصف سابقة لا تُحصى، واستمر الدمار في عام ٢٠١٨ مع إعصار آخر.

ومع استمرار ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ستزداد شدة العواصف، وحذر “هيرويوكي موراكامي” عالم المناخ المهتم بالمحيطات والمؤلف الرئيسي للدراسة من أن “نماذج المناخ في جميع أنحاء العالم تشير بوضوح إلى ظروف أكثر ملاءمة للأعاصير المدارية”.

سكان محليون يتجولون في أحد شواطئ سقطرى الرملية البيضاء مع مجموعة من السياح إبريل/ نيسان 2025 (إن بي سي)

التغير المناخي

تفاقمت الأضرار البيئية التي لحقت بجزيرة سقطرى نتيجة الأعاصير المدمّرة التي ضربتها في عامي 2015 و2018؛ بسبب موجات الجفاف الطويلة الناجمة عن تغيّر المناخ، حيث أدّت هذه الظواهر المتطرفة إلى تدمير الشعاب المرجانية، وتآكل التربة، واقتلاع نباتات نادرة.

وقال فان دام لشبكة إن بي سي: “التغيّر المناخي هو بلا شك التهديد الأكبر لتنوّع سقطرى البيولوجي. إنها جزيرة صغيرة نسبياً، ذات مناخ جاف في معظمه، وأي تأثير إضافي حتى لو كان طفيفاً قد يُحدث أثراً كبيراً، ويزيد من الضغط على أنظمتها البيئية الهشّة”.


خمسة أصناف من اللبان السقطري مهددة بالانقراض من أصل 11 نوعاً، وفق تصنيف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة


كما أصبحت أشجار اللبان المتوطنة معرضة للخطر، والتي تعد أحد أبرز رموز الحياة في الجزيرة، وقد صنّف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في مارس خمسة من أصل 11 نوعًا معروفًا في الجزيرة على أنها مهددة بالانقراض بشدة، وهذا مؤشر يعكس التدهور الواسع الذي تشهده النُظم البيئية البرية في الجزيرة.

وقال فان دام “إن الرعي الجائر، وخصوصًا من قبل الماعز، يمثل تحديًا كبيرًا يؤدي إلى تدهور المواطن الطبيعية”، مضيفًا أن “هذا التدهور يُخلّف أشجارًا معمّرة دون وجود ما يكفي من الأشجار الصغيرة لتعويضها”.

الرعي الجائر والسياحة العشوائية

ليست العواصف التهديد الوحيد، فعلى عكس أشجار الصنوبر أو البلوط، التي تنمو بمعدل 60 إلى 90 سنتيمترًا (25 إلى 35 بوصة) سنويًا، تنمو أشجار دم التنين بمعدل 2 إلى 3 سنتيمترات فقط (حوالي بوصة واحدة) سنويًا. ومع نموها يكون الكثير منها قد استسلم لخطر الرعي الجائر.

وتلتهم الماعز الشتلات الصغيرة قبل أن تتاح لها فرصة للنمو، وباستثناء المنحدرات الوعرة التي يصعب الوصول إليها، ولا يمكن لأشجار دم الأخوين الصغيرة البقاء على قيد الحياة إلا داخل المشاتل المحمية.

سقطرى المهددة من البشر والمناخ..
تتحرك الماعز وسط أشجار دم الأخوين في جزيرة سقطرى سبتمبر/ أيلوك 2024 (أ ب)

ويقول “آلان فورست”، عالم التنوع الحيوي في مركز النباتات الشرق أوسطية إدنبرة، إن معظم الغابات التي خضعت للمسح تُعد “فائقة النضج” إذ لا وجود للأشجار الصغيرة أو الشتلات، ويضيف: “الأشجار المعمرة تنهار وتموت ولا يحدث التجديد الطبيعي”.

وتجذب جزيرة سقطرى السياح الذين يعشقون شواطئها البكر، ومياهها الفيروزية، ونباتاتها الغريبة، لكنهم في ذات الوقت يمارسون ضغوطا متزايدة على النظام البيئي الهش في الجزيرة.

وفي حين أن هناك عدداً قليلاً من الفنادق، معظمها في مركز الجزيرة حديبو، فإن عددا متزايدا من منظمي الرحلات السياحية يقدمون التخييم الفاخر ورحلات السيارات ذات الدفع الرباعي حول الجزيرة، وبعضها يتم تقديمه باعتباره سياحة بيئية.

وقال “علي يحيى”، وهو ناشط محلي في مجال الحفاظ على البيئة ومنظم رحلات سياحية، إن السلطات وافقت على الحد من عدد السياح إلى حوالي 4500 سائح سنويا، مضيفا أنه عندما يتعلق الأمر “بالمناطق الحساسة للغاية من حيث النظم البيئية والتنوع البيولوجي والتراث الثقافي، فإنه لا يُسمح بشكل صارم ببناء أي مبان كبيرة أو فنادق واسعة النطاق”.


“الكائنات المهددة بالانقراض تُقتل فقط من أجل التقاط صورة شخصية، ويتم اصطياد أنواع نادرة حتى يتمكن السياح من التقاط الصور معها”
كاي فان دام- عالم بيئة


وعن انتهاكات السياح للبيئة، قال المرشد المحلي عبد الرؤوف الجمحي: “يُشعل بعض السياح النيران تحت أشجار دم الأخوين، وينقشون نقوشًا على أشجار نادرة، ويتركون النفايات خلفهم، ويُخيفون الطيور بطائراتهم المسيرة”.

وفي تكرار لمخاوفه، قال “فان دام” أيضًا إن الأنواع المهددة بالانقراض “تُقتل فقط من أجل التقاط صورة شخصية”، مع اصطياد أنواع نادرة مثل الحرباء حتى يتمكن السياح من التقاط الصور معها.

ويتوقع ارتفاع عدد السياح مع اكتشاف المزيد من الأشخاص لهذا الموقع الفريد، وهذا من شأنه أن يضع الكثير من الضغط على البيئة، وسيكون تحديًا كبيرًا، وفق ما قال المرشد السياحي الجمحي.

تهديد جزيرة سقطرى

وعلى الرغم من تصنيف سقطرى ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي والذي يتطلب الحفاظ عليه بموجب الاتفاقيات الدولية، لكن الانتهاكات التي تقع بشكل متكرر للبيئة جعلها مؤخرا مهددة بوضعها في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر.

وفي مايو/ آيار الماضي زار سقطرى فريق دولي مشترك من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” و “الاتحاد الدولي لصون الطبيعة” في مهمة رسمية لتفقد الأحوال البيئية في الجزيرة، وهدفها حسم استمرارية تصنيف الجزيرة كموقع تراث عالمي، والذي حازته عام 2008.

إحدى أعضاء الفريق الدولي المشترك التابع لليونسكو تلتقط صورا في جزيرة سقطرى، مايو/ آيار 2025 (ريف اليمن)

وقال مندوب اليمن لدى منظمة اليونسكو “محمد جميح” إن “البعثة الدولية مؤخراً التي زارت أرخبيل سقطرى مهمتها للاطلاع على حجم الانتهاكات في الجزيرة، ووضع معالجات، وسترفع تقريرها لمركز التراث ولجنة التراث العالمي”.

وأضاف في منشور على فيسبوك “المؤمل ألا توصي اللجنة بوضع الأرخبيل على قائمة التراث المعرض للخطر، وفي حال لم توص اللجنة بذلك فلا شك أنها ستوصي بالقيام بإجراءات للحد من الانتهاكات الجارية”.

سقطرى قد تكون “غالاباغوس” جديدة

ورغم أن مقارنة أرخبيل سقطرى، بجزر غالاباغوس تُستخدم في كثير من الأحيان للاحتفاء بالتنوع البيولوجي فإنها قد تكون بمثابة تحذير أيضاً، وفقاً لفان دام، الذي شارك في تأليف دراسة أجريت عام 2011 حول التأثيرات البشرية على الجزيرة.

ومنذ القرن التاسع عشر فقدت جزر غالاباغوس -الواقعة على بُعد 600 ميل من سواحل الإكوادور، والتي اشتهرت بتنوّعها البيولوجي الفريد- عدداً كبيراً من نباتاتها وحيواناتها الفريدة المتوطنة، بسبب التعدّي على المواطن الطبيعية، والضغوط السياحية المفرطة، وانتشار الأنواع الدخيلة.

صياد يمني يسحب سمكة قرش كبيرة في أحد شواطئ جزيرة سقطرى (أ ب)

كتب فان دام آنذاك: “يمكن اعتبار النظم البيئية في سقطرى الآن في حالة صحية مماثلة على الأقل لتلك الموجودة في جزر غالاباغوس عندما أدرجت كموقع للتراث العالمي قبل 30 عامًا”. وأضاف أن “سقطرى مُعرّضة لمصير مماثل إذا لم تُبذل جهود وتتخذ إجراءات للحفاظ عليها في الوقت المناسب”.

وأضافت الورقة البحثية: “إذا نظرنا إلى الوضع الحالي في جزر غالاباغوس، فقد نتمكن من إلقاء نظرة خاطفة على مستقبل سقطرى، أو بالأحرى ما قد يحدث إذا استمرت التهديدات والاتجاهات الحالية على النحو ذاته”.

ووصف كاي فان دام -في تصريح لقناة إن بي سي- هذا التقييم بأنه “كان دقيقاً للغاية”، خاصة من حيث توقّعاته المرتبطة بتغيّر المناخ. وقال: “إن سقطرى بحاجة إلى تنفيذ حماية مماثلة قبل أن تصبح الأضرار غير قابل للإصلاح”.

وتستضيف جزر غالاباغوس حالياً أكثر من 250 ألف زائر سنويًا، تحت ضوابط صارمة بما في ذلك تحديد عدد الزوار، والمرشدين الإلزاميين، والمسارات المخصصة، ورسوم السياحة الكبيرة، التي تمول الحفاظ على البيئة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: