تدخين أطفال الريف: سحابة قاتمة تهدد المستقبل

تدني التعليم وغياب الرقابة الأسرية أسباب رئيسية لتفشي الظاهرة

تدخين أطفال الريف: سحابة قاتمة تهدد المستقبل

تدني التعليم وغياب الرقابة الأسرية أسباب رئيسية لتفشي الظاهرة

على طريقة الكبار بدأ الطفل أمجد (15 عامًا) التدخين مع أصدقائه في قريته الريفية بمحافظة إب وسط اليمن، كنوع من التسلية، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى إدمان، وأصبح أمجد غير قادر على الإقلاع عنه.

وتفاقمت ظاهرة التدخين بين الأطفال والمراهقين خلال السنوات الماضية، خاصة في المناطق الريفية، وتحولت إلى ممارسة علنية تثير المخاوف من تفشي الأمراض والأوبئة، في ظل غياب التوعية من قبل الأسر والجهات المعنية.

وبالرغم من انتشار الظاهرة على نطاق واسع في صفوف الأطفال، إلا أن معرفة عدد المدخنين تظل صعبة بسبب تداعيات الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، وما خلفته من تحديات اقتصادية واجتماعية.


     مواضيع مقترحة


يقول الدكتور “محمد القشه”، مدير البرنامج الوطني لمكافحة التدخين بوزارة الصحة في عدن: “لا توجد إحصائيات رسمية حول عدد متعاطي التبغ في اليمن، كما أن تنفيذ مسح ميداني يتطلب موازنة ضخمة لا تستطيع الحكومة الحالية توفيرها”.

آثار الحرب وتدني التعليم

يضيف القشه في تصريح لمنصة ريف اليمن: “انتشار التدخين بين الأطفال يعود إلى الآثار السلبية للحرب، التي أثرت على الوضع الاقتصادي والنفسي للأسر، إلى جانب تدني مستوى التعليم، وتسرُّب الطلاب من المدارس”.

يقر أمجد قائلا: “حاولت كثيرًا ترك التدخين بعدما اكتشفت والدتي الأمر، لكن ماهي إلا فترة وعدت إليه بشكل أكبر، لا مفر، فالجميع هنا يدخن”. ويبرر فعلته بالقول :”أين نذهب؟ الكل يدخن ويشجع على التدخين، حتى عندما تذهب إلى العمل  تجد أصحاب العمل يقدمون السجائر مجانًا”.

ويرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، “ياسر الصلوي”، أن غياب الرقابة الأسرية، وعدم مراقبة سلوك الأطفال وتصرفاتهم، من الأسباب الرئيسية وراء تفشي الظاهرة بين الأطفال، فضلا عن تقليد الأطفال لآبائهم المدخنين وأصدقائهم.

ويضيف الصلوي لمنصة ريف اليمن: “رغم انتشار التدخين بين الشباب، إلا أن المجتمع اليمني لا يزال يرفض أن يدخن الأطفال، وهو ما يدفع الكثير منهم لممارسة التدخين سرًا بعيدًا عن أعين أسرهم”.

ويشير إلى أن الصراع الأسري، وضعف شخصية الأب، وغربته عن أبنائه، وغياب التوعية بمخاطر التدخين، من العوامل التي تدفع الأطفال نحو هذه العادة الخطيرة.

آثار تدخين أطفال الريف

ويؤكد الصلوي أن التدخين يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي، وقد يدفع الأطفال إلى ترك الدراسة، إضافة إلى آثاره الصحية الخطيرة؛ كالإصابة بالسرطان وأمراض القلب وتصلب الشرايين.

ويضيف: “التدخين قد يدفع الأطفال إلى ارتكاب سلوكيات خاطئة؛ مثل السرقة لتوفير ثمن السجائر، كما يعيق نموهم الجسدي والعقلي، ويحرمهم ممارسة الحياة الطبيعية، ويحولهم إلى عبء على الدولة والمجتمع”.

ويبرر الكثير من الأطفال بأنهم يتعاطون السجائر بسبب الوضع وفراغ الوقت، لكن أستاذ علم النفس بجامعة إب “يوسف الشجاع” أكد أن “ضعف الرقابة الأسرية، وغياب المبادئ والقيم، وسهولة حصول الأطفال على المال، كل ذلك جعلهم فريسة للرفقة السيئة التي تدفعهم إلى التدخين، وتعاطي القات منذ سن مبكرة”.

وأضاف لمنصة ريف اليمن: “غالباً نجد الأطفال المخزنين يتعاطون السجائر في سن مبكر، قد تسلب الرفقة السيئة الطفل عن الأسرة فيخرج من البيت ولا يعود إلا في ساعات متأخر من الليل، ويغيب عن الأسرة في أكثر الأوقات، وهذا بلا شك سيؤدي إلى التدخين، وتعاطي القات والسجائر في سن مبكر”.

وتابع: “تعاطي التدخين يخلق لدى الطفل نوع من الإدمان، فيبدأ بالدخول في عزلة واكتئاب، فيتجنب الجلوس والانخراط مع الأسرة، ويصبح معزولاً؛ فتنشأ لديه عقدة ذنب بعد الإدمان لوجود صراع داخلي بين القيم والمبادئ وسلوك التدخين، يشعر الطفل أنه غير قادر على العودة إلى ممارسة حياته الطبيعية”.

مدخلًا لتعاطي المخدرات

يشير مدير البرنامج الوطني لمكافحة التدخين بوزارة الصحة الدكتور القشه إلى أن التدخين يسبب أكثر من 15 نوعًا من أنواع السرطان، بالإضافة إلى دوره في زيادة معدلات الوفيات؛ ففي عام 2019، توفي نحو 20 ألف يمني نتيجة تعاطي التبغ.

ويحذر من أن التدخين قد يكون مدخلًا لتعاطي المخدرات، ويعرض الأطفال للاستغلال والانحراف السلوكي، فضلًا عن تسربهم من التعليم؛ ما يجعل هناك جيلاً جاهلاً مهيأ للجريمة والعنف.

وعن دور البرنامج الوطني لمكافحة التدخين، يوضح القشه أن البرنامج -رغم محدودية الإمكانيات- ينفذ أنشطة توعوية ورياضية وثقافية، ويعمل بالتعاون مع الجهات المعنية على رفع الضرائب على السجائر. لافتا إلى أن البرنامج بصدد الإعداد للإستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ، والتي قد تضع خطة وطنية عملية منبثقة من الاستراتيجية لمكافحة التبغ.

يواجه الكثير من أولياء الأمور صعوبة في التعامل مع أطفالهم المتعاطين للسجائر، وتحمِّل الاستشارية الأسرية “أسماء الصلاحي” جزءًا كبيرًا من المسؤولية للأسر التي تمارس التدخين أمام أطفالها، مشيرة إلى أن الطفل قد يرث “جين الإدمان” من عائلته، وتأتي العوامل البيئة المحيطة بالطفل والمجتمع لتعزيز هذا الجين.

وتقول الصلاحي لمنصة ريف اليمن: “وسائل الإعلام تلعب دورًا سلبيًا عبر تصوير التدخين كسلوك مرتبط بالنجاح أو السعادة؛ ما يغرس صورة مغلوطة في ذهن الطفل، وتعزز مفهوم التدخين بينهم”.

وتدعو الصلاحي الأسر إلى التعامل مع الطفل المدخن بهدوء وصبر، والتدرج في طريقة العلاج عبر احتوائه وتعزيز ثقته بنفسه، خصوصًا مع الطفل الذي أصبح مدمنا، بدلًا من نهره أو معاقبته، مع توفير بدائل مفيدة لشغل وقت فراغه فيما يعود عليه وعلى العائلة بالفائدة.

ويعود القشة ويشدد على ضرورة إصدار قوانين تمنع بيع السجائر بالقرب من المدارس، وتحظر بيعها لمن هم دون سن 18 عامًا، مع تكثيف التوعية عبر المنابر الإعلامية والمدارس والأسر ووسائل الإعلام لمحاربة هذه الظاهرة. مؤكدا أن مكافحة التدخين مسؤولية جماعية، يجب أن تتكاتف فيها جميع الجهات الرسمية والمجتمعية، وليس فقط وزارة الصحة لحماية أجيالنا القادمة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: