بين التنمُّر والمعتقدات.. ريفيون يدفعون ثمن أسمائهم

القانون اليمني يمنع تسجيل الأسماء التي تُعد مهينة

بين التنمُّر والمعتقدات.. ريفيون يدفعون ثمن أسمائهم

القانون اليمني يمنع تسجيل الأسماء التي تُعد مهينة

“عُدمت الأسماء عند جدك؟ شكل الدبور بعدك بسبب اسمك” بهذه الكلمات واجه موظفُ البيانات في الجامعة الشابَ عادل (28 عاما)، عند قراءة اسمه في بطاقة الهوية أثناء التسجيل. بنبرة حزينة يروي عادل أن مثل هذه المواقف تتكرر معه في كل مرة يستلم فيها حوالة مالية، أو يمر بنقطة أمنية، أو ينجز معاملة رسمية.

يقول عادل لمنصة ريف اليمن: “كلام موظف البيانات أعاد إلى ذهني موقفاً مشابهاً بعد تخرجي من الثانوية العامة، هنأني أحد موظفي الدولة من أبناء منطقتي، ثم قال لي: إذا أردت وظيفة أو منصباً في الدولة، فعليك أن تغيّر اسم والدك، وهذه نصيحة لك”.

بين التنمُّر والمعتقدات

حالة من الإحراج ظلت ترافق عادل باستمرار نتيجة التنمر والسخرية التي يتعرض لها بسبب اسم والده (خادم)، وهو اسم اختير قبل ولادته بـ45 عاماً، تطبيقاً لعادات متوارثة في الريف اليمني، ترتبط بمعتقدات شائعة تقول إن بعض الأسماء تجلب الحظ، وتبعد المرض والموت.

ظل عادل متحفِّظاً بشأن اسم والده، ويتجنب ذكره متى ما سُئل عنه، مفضلاً استخدام الكنية أو اسم الجد، كحيلة للهروب من تنمر الآخرين. ويضيف: “كنت أقول لمن يسأل عن اسمي: عادل حسن، حتى لا يسخر زملائي بالجامعة، أو جيراني في السكن من اسم والدي، كما يفعل كل من يعرف اسمي الكامل”.


      مواضيع مقترحة


“خادم”، “شوعي” و”جرادة” وغيرها من المسميات ما زالت ترافق حياة الكثير من أفراد المجتمع التهامي بالذات، وبعض المناطق الريفية اليمنية، رغم غرابتها وندرتها، وتعرض أصحابها غالبا للتنمر بشكل مستمر، خاصةً عند انتقالهم للعيش في المدن، وخوضهم تجارب حياتية في مجتمعات حضرية.

الناشط طارق جهضم، من أبناء تهامة قال لمنصة ريف اليمن: “لكل اسم من هذه الأسماء قصة معاناة منذ الطفولة، في الغالب يمنح الطفل اسما جميلا أو مميزا”.

ويستدرك: “لكن عند تعرضه لوعكة صحية، تقرر العائلة تغيير اسمه اعتقادا منها بأن الاسم الجديد سيبعد عنه العين والمرض، خاصة إذا كان الاسم الأول يعد كبيرا أو ذا هيبة، حسب وصف كبار السن”.

ويضيف جهضم: “كثير من الناس لا يعرفون حتى معنى أسمائهم، ولا سبب التسمية؛ إذ ينساق الأهل خلف تقاليد ومعتقدات لا يقبلها الانسان، ولا يصدقها العقل، ويطلقون على أبنائهم أسماء غريبة”.


كثير من الناس لا يعرفون حتى معنى أسمائهم، ولا سبب التسمية؛ إذ ينساق الأهل خلف تقاليد ومعتقدات لا يقبلها الانسان، ولا يصدقها العقل


تتمخض حالة عادل من معاناة والده الذي تعرض أيضا للتنمر منذ طفولته؛ حيث يرى الكثير ممن لا يعرف أصل أسرته -ومنهم زملاؤه- مصدرا للشؤم ومدعاة للسخرية، وأن نجاحه محظ صدفة، وسرعان ما سيذوب في أول منعطف في أي وظيفة حكومية.

يعود تاريخ التسمية إلى زمن بعيد، وتحديدا قبل 45 عاما، بينما كان حسن (جد عادل) يمارس زراعة الأرض، جاءه خبر ولادة زوجته، وصل حسن للمنزل وأخذ مولوده البكر بين يديه، وبعد لحظة تأمل سادها الصمت كَبر الأب في إذن ابنه “أسميتك خالد، أسميتك خالد”.

لكن المولود، كغيره من الأطفال ضعيفي المناعة، أُصيب بنوبات متكررة من الإسهال والتقيؤ، وامتنع عن شرب الحليب، وبكى باستمرار، ما دفع والديه إلى اصطحابه إلى المستشفى، والبحث عن اسم بديل يبعد الحسد عنه، في النهاية، قررا تسميته “خادم” ليبعدا عنه الأنظار.

مشكلة مجتمعية متجذرة

يقول خادم لريف اليمن “رغم أنها أسباب عادية يصاب بها الكثير من الأطفال، إلا أن الاعتقاد بأن تغيير الاسم يبعد الأمراض ويؤخر الموت كان قراراً حتمياً عند والدي”.

بهذا يسلط عادل الضوء على مشكلة مجتمعية متجذرة في بعض الأرياف اليمنية، لا سيما في تهامة، حيث يؤمن كثيرون بأن الاسم الغريب أو “المنبوذ” يحمي الطفل من الموت ويجلب له الحظ، في عادة يصفها البعض بـ”الخرافة” إلا أن هناك من يملأ قلبه الاعتقاد الكامن بأن اسم الطفل الغريب يطيل عمره، ويجنبه الأمراض.

لم تختلف معاناة “جرادة” عن “خادم”، فالنساء شقيقات الرجال، وفي تهامة النساء أيضاً يواجهن نفس المصير، ولم يسلم “شوعي” من هذا المعتقد، إذ حالت غرابة اسمه بينه وبين السفر، فاضطر لتغييره في الجوازات إلى “شوقي” للتخلص من هذه المعضلة.

بمثل هذا التفكير أرادت “جحرية” تغيير اسمها لـ”فاطمة” تفادياً للتنمر، بعد أن سبَّب لها حرجا مع كل نساء الحارة في المدينة التي تسكنها، أو أثناء دراستها في قسم “محو الأمية”، تقول جحرية: “عندما دخلت المدرسة عانيت من التنمر، الذي كان يظهر على لسان كل من سألني عن اسمي من الزميلات”.


لكل طفل الحق في أن يكون له اسم يميزه عن غيره ولا يقبل الاسم إذا كان منطوياً على تحقير أو مهانة لكرامة الطفل أو منافياً للمعتقدات الدينية”، قانون رقم (45) بشأن حقوق الطفل


يقول أحمد ربيع، أحد الوجاهات الاجتماعية في تهامة، لمنصة ريف اليمن: “هذه التسميات تأتي نتيجة اعتقاد الأسر أن الطفل إذا كان كثير المرض يجب تغيير اسمه، وغالباً ما تُختار أسماء مثل (خادم، شوعي، مجحود) للذكور، و(جرادة، شوعية، جاحدة) للإناث”.

ويضيف: “الكثير من الأسر لا تكترث لحق الطفل في اسم يبعث على الراحة النفسية، رغم أن القانون اليمني يمنع تسجيل الأسماء التي تُعد مهينة، أو تحط من الكرامة، وأتذكر أن السلطات منعت شخصاً يُدعى (خادم) من الترشح لانتخابات المجالس المحلية”.

تفنيد طبي

أما الطبيب محمود، فيؤكد أن الاسم لا علاقة له بالحالة الصحية للمولود، وإنما يحدث المرض بسبب اعتلال أو انحراف في الأسس البيولوجية لتكوين الجسم؛ لنقص في الغذاء، أو العدوى، أو الأساليب الخاطئة التي يمارسها البشر بدون علم، وذهاب الأسر لتغيير الاسم صرفاً للشيطان من باب الشرك.

وينوه بأن الأهل لو اتبعوا سبل الوقاية والعلاج السليم، لما مرض الطفل أصلًا، والاعتقاد أن الشفاء يأتي من تغيير الاسم مجرد خرافة مرفوضة علمياً ودينياً، بل يدخل في باب الشرك .

وتابع: “في لغة العلم يعرف بأن لكل مرض فترة محددة، وينتهي بانتهاء المسبب، وتفكير الأسر بتغيير اسم الطفل يأتي غالبا في فترة حمله للمرض أو قرب التداوي، فيعتقدون أنه من تغيير الاسم، وهذا حرام، ولو عملوا له وقاية لما مرض، ولو داووه بغير الاسم لشفي”.

من جانبه، يرى الدكتور عبد الباسط سراج، أستاذ الفقه والقانون، أنه “لا حرج في تغيير الاسم إذا لم يكن مرتبطاً باعتقاد خرافي/ والنبي كان يغيّر الأسماء إلى الحسنة، لكن إذا اقترن تغيير الاسم بمعتقدات شركية مثل الشفاء أو دفع الموت، فلا يجوز”. ويؤكد أن “الاعتقاد بهذه الأسماء (خادم، شوعي، جرادة) من التشاؤم والطيرة، هي من مظاهر الجاهلية”.

وينص القانون اليمني رقم (45) لسنة 2002 بشأن حقوق الطفل، في المادة (10)، على أن: “لكل طفل الحق في أن يكون له اسم يميزه عن غيره، ويسجل عند الميلاد في سجلات المواليد وفقاً لأحكام قانون الأحوال المدنية والسجل المدني، ولا يقبل الاسم إذا كان منطوياً على تحقير أو مهانة لكرامة الطفل أو منافياً للمعتقدات الدينية”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: