بداجة صبر.. قرية البن التي تصارع الجفاف وتتمسك بالجذور

يقدر عدد أشجار البن في وادي بداجة بأكثر من ألف شجرة

بداجة صبر.. قرية البن التي تصارع الجفاف وتتمسك بالجذور

يقدر عدد أشجار البن في وادي بداجة بأكثر من ألف شجرة

على سفوح جبل صبر بمحافظة تعز، تقع قرية “بداجة” التابعة لمديرية المسراخ، كواحدة من القرى التي ما تزال تحافظ على تقاليد زراعة البن اليمني، واشتهرت لقرون طويلة، بإنتاج أجود أنواعه، رغم ما تواجهه من تحديات مناخية وتنموية واقتصادية تهدد استمرار هذا الإرث الزراعي العريق.

ويقدر عدد أشجار البن في وادي بداجة بأكثر من ألف شجرة، غير أن الجفاف ونقص مياه الري أديا إلى تلف أعداد كبيرة منها، وسط عجز المزارعين عن إعادة زراعتها أو تعويضها، وفق ما يقول “عبد الله عبد الواحد (59 عامًا)”، أحد وجهاء المنطقة ومن أبرز مزارعي البن في القرية.

ويضيف عبد الواحد لمنصة ريف اليمن: “نحن بحاجة إلى وسائل ري حديثة لإنقاذ ما تبقى، لكن لا يوجد دعم أو التفات من الجهات المعنية”، لافتا إلى أن “شجرة البن موجودة في بداجة منذ آلاف السنين، فقد كانت تغطي وديان القرية بالكامل، وتوارثنا زراعتها أبًا عن جد”.


مواضيع ذات صلة

القهوة اليمنية: إرث عريق ونكهة فريدة تتحدى الزمن
المرأة اليمنية.. دور بارز في إنتاج وتسويق البن
البن اليمني يقدم لقائمة التراث الثقافي العالمي


مياه عذبة و نكهة فريدة

وتتميّز قرية بداجة بتضاريسها الجبلية وسلسلة المرتفعات التي تحيط بها من كل جانب، حيث تسكن بين عزلتي حصبان العليا والسفلى وعزلة ذي البرح، ويغذيها “غيل العقيرة” بمياهه العذبة، ما يمنح البن نكهةً فريدة لا تشبه سواه.

ورغم الزحف الواسع لشجرة القات في مناطق زراعة البن، يُصرّ أهالي بداجة على مواصلة التمسك بشجرة البن، كجزء من ثقافتهم وهويتهم المحلية. يقول عبد الواحد: “القات يزحف، لكننا نرفض أن نبدّل تراثنا بمال زائل”.

بدوره، قال المزارع “أحمد البناء (50 عامًا)”: “تربينا على حب هذه الشجرة وزراعتها، وارتبطنا بها منذ الصغر، مياه الغيول الصافية هي سرّ طعم البن المميز هنا، لكنها بدأت تجفّ، ومعها بدأت أشجارنا تموت ببطء”.

ويضيف لمنصة ريف اليمن: “أشجار البن تقع في مدرجات جبلية وتتغذي على مياه الغيول، وهو ما جعلها تمتاز بنكهة خاصة وطعم لذيذ، لكن للأسف لا يوجد اهتمام من الجهات الرسمية وتقديم الدعم الكامل للاستمرار في زراعتها”.

ليست زراعة البن حكرًا على الرجال في قرية بذاجة، فالسيدة “انتخاب الصبري (28 عامًا)”، من أبناء المنطقة، تحرص على تناول البن البلدي من بداجة يوميًا، وتقول: “منذ طفولتي وجدّي يعود من بداجة محمّلًا بأكياس البن البلدي، ونحن نعد منه قهوتنا كل صباح، نكهته لا تشبه شيئًا آخر، لأنه يتغذى من ماء الغيل النقي”.

وتضيف لمنصة ريف اليمن: “العناية بشجرة البن تبدأ من حرث الأرض إلى الاهتمام اليدوي الدقيق بالأغصان؛ ما يجعلها شجرة مدارية بامتياز”.


يقدر عدد أشجار البن في وادي بداجة بأكثر من ألف شجرة، غير أن الجفاف ونقص مياه الري أديا إلى تلف أعداد كبيرة منها، وسط عجز المزارعين عن إعادة زراعتها أو تعويضها


تاريخ أصيل

وتعود زراعة البن في اليمن إلى قرون طويلة، حيث تشير مصادر تأريخية إلى أن اليمنيين أول من قام بزراعة البن وتصديره، ويرتبط اسمه عالميًا بميناء المخا (موكا) الذي كان المرفأ الأول لتصدير البن اليمني إلى كل العالم منذ القرن الخامس عشر، وأصبح الميناء الأشهر الذي استمد منه البن اسمه العالمي “موكا كافيه”.

وتشير الباحثة اليمنية “أروى الخطابي”، في كتابها “تجارة البُن اليمني” إلى أن العثمانيين عندما تمكنوا من طرد البرتغاليين من سواحل البحر الأحمر بشكل كامل في عام 1538، بدأوا عهداً جديداً من التجارة، عبر موانئ البحر الأحمر، وبالتحديد انطلاقاً من ميناء المخا. وهو الاسم الذي تحوَّل إلى ماركة عالمية: (MOCKA COFFEE)، وقد ظهر هذا الاسم للمرة الأولى في اللغة الإنجليزية في عام 1598، وهو يعني “بُن المخا”.

وبحسب كتاب “عمدة الصفوة في حل القهوة”، فإن جمال الدين الذبحاني المتوفي سنة 1470 هو أول من زرع القهوة في اليمن، وينقسم أنواع البن اليمني إلى مسميات كالحمَّادي، والحرازي، واليافعي، والآنسي، والحرازي، والحيمي، والخولاني، والبرعي، والريمي، والحواري، وغيرها، وكلها تتسم بالجودة العالية الصادرة عن الطبيعة اليمنية البكر.

الخبير الزراعي “عبد الجليل محمد يحيى”، يقول: “لدينا تراث زراعي غني، لكن مع مرور السنوات بدأنا نخسره تدريجيًا؛ بسبب قلة المياه وانخفاض مستوى الغيول والآبار في جبل صبر، وهو ما يُهدد المحاصيل الزراعية”، لافتا إلى أن جبل صبر يمتاز بتربة خصبة وأجواء ملائمة لزراعة محاصيل زراعية كالزيتون، المشمش، الموز.

تحديات مضاعفة

ويؤكد على ضرورة توعية جيل الشباب بقيمة البن اليمني، وأهمية زراعته ليس فقط كمصدر دخل، بل كتراث وطني يجب الحفاظ عليه من الانقراض، داعيا وزارة الزراعة والمجالس المحلية إلى دعم ذلك، وجعل جبل صبر منطقة زراعية تحظى بالاهتمام، ومثله كل المناطق الزراعية في اليمن.

وبالإضافة للجفاف، يواجه مزارعو بداجة تحديات مضاعفة بسبب وعورة الطريق التي تربطهم بمركز المديرية والعزل المجاورة، ويقول “صلاح عبد الغني (26 عامًا)” إن “الطريق شُقّت قبل أكثر من عشر سنوات بجهود ذاتية، لكنها لم تحظَ بأي دعم حكومي أو منظمات، ما جعل نقل البن صعبًا ومكلفًا، وقلل من فرص التسويق والإنتاج”.


تتميّز قرية بداجة بتضاريسها الجبلية وسلسلة المرتفعات التي تحيط بها من كل جانب ويغذيها “غيل العقيرة” بمياهه العذبة ما يمنح البن التي تنتجه نكهةً فريدة لا تشبه سواه


ويُضيف عبد الغني لمنصة ريف اليمن، أن كثيرًا من المزارعين تخلّوا عن زراعة البن لصالح القات، نتيجة للربح السريع، في ظل غياب الوعي والدعم الرسمي، ما يُهدد بمحو تاريخ زراعي عريق من الوجود.

وتُقدّر المساحة الزراعية المخصصة لزراعة البن بنحو 34 ألفاً و497 هكتارًا، ويعمل في هذا القطاع ما يقارب المليون شخص، وبفضل الجهود المبذولة من قبل النساء والرجال على حد سواء، يواصل البن اليمني الحفاظ على مكانته الفريدة محليًا وعالميًا، كأحد أجود أنواع القهوة في العالم.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: