توقع علماء المناخ أن يكون هذا العام 2025 أكثر برودة، ولكن يبدو أن الكوكب يتجه نحو عام ثانٍ من ارتفاع درجة الحرارة. ومع دخول فصل الصيف يبرز التساؤل: إلى أي حد يمكن أن تصل درجة الحرارة والتوقعات المستقبلة؟ وماهي مخاطر تصاعد الحرارة عالمياً؟
ويبدأ الصيف في علم الأرصاد مطلع يونيو حتى نهاية أغسطس، وشهد شهر مايو/أيار الفائت ارتفاعاً في درجات الحرارة في اليمن وعدد من الدول في المنطقة العربية، وهذا يؤشر إلى أن الأشهر القادمة -حيث تكون ذروة الحرارة السنوية- ستكون أصعب، وسط تحذيرات عالمية من أنها ستسجل مستويات قياسية مقارنة بالعام الماضي 2024 الذي كان الأعلى حرارة.
وفي اليمن كانت درجات حرارة أعلى من المعدل الطبيعي خلال مايو الماضي، وسجلت الحرارة العظمي 44 درجة مئوية في المناطق الصحراوية الشرقية مثل: حضرموت، المهرة، مأرب، وفي المناطق الساحلية والمنخفضة وصلت 42 درجة (لحج، تعز، عدن، الحديدة). وفق نشرة الفاو.
وفي المناطق الجبلية المرتفعة مثل صنعاء وإب كانت درجات حرارة أكثر اعتدالاً ما بين 31 و34 درجة مئوية بحسب نشرة “الفاو”. ورغم ذلك تحدث السكان عن درجات حرارة غير مسبوقة في صنعاء، وهذه الارتفاع الملحوظ يأتي ضمن تأثيرات الانحباس الحراري.
مواضيع مقترحة
ما علاقة أزمة المناخ وارتفاع الحرارة بالفيضانات الكارثية؟
المناخ والصراع يهددان التنوّع البيولوجي باليمن
كيف تُضاعف التغيرات المناخية معاناة النازحين؟
تسارع الحرارة العالمية
يأتي ذلك في ظل توقعات عالمية بتصاعد الحرارة، حيث أصبح هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إلى ما لا يزيد على 1.5 درجة مئوية بعيد المنال، حيث تكشف أحدث بيانات المناخ أن درجات الحرارة العالمية لا تزال مرتفعة للغاية، وسط توقعات بأن يكون 2025 العام الأكثر سخونة على الإطلاق.
وكان شهر أبريل/ نيسان 2025 ثاني أكبر شهر حرارة على الإطلاق، ولم يتفوق عليه سوى أبريل 2024، وفقًا لبيانات كلٍّ من مركز كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي ومنظمة بيركلي إيرث الأمريكية.
وظل متوسط درجات الحرارة العالمية لشهر مايو الفائت عند 1.51 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الشهر الحادي والعشرون من بين 22 شهرًا الماضية الذي تجاوز هذه العتبة الحرجة، وفقًا لكوبرنيكوس.
وتشير بيانات بيركلي إيرث إلى أن متوسط درجة الحرارة في أبريل 2025 بلغ 1.49 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أي أقل من أبريل 2024 بمقدار 0.07 درجة مئوية فقط.

تشير بيانات جديدة أصدرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن حرارة الأرض ستتخطى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2025 و2026، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، مما يعكس تسارع الاحترار العالمي.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست «Washington Post» فإن هذا التسارع أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل يفوق التوقعات خلال السنوات الأخيرة، ورغم أن انخفاض مستويات تلوث الهواء ساهم في تبريد الأرض بشكل محدود مع نمو الطاقة المتجددة، لكن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تستمر في الارتفاع عالميا.
هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي -بحيث لا يزيد على 1.5 درجة مئوية- أصبح بعيد المنال وتوقعات بأن يكون 2025 العام الأكثر سخونة على الإطلاق
وهذا يعني أن نقاط التحول غير القابلة للعكس في النظام المناخي، مثل ذوبان الصفائح الجليدية في القطب الشمالي أو الانهيار الواسع للشعاب المرجانية، أصبحت أقرب إلى الواقع مما كان يعتقد العلماء سابقاً في توقعاتهم.
وتعرف نقاط التحول غير القابلة للعكس بأنها تغيرات كبيرة ومستمرة تحدث عندما يتجاوز المناخ حدًا معينًا؛ مما يؤدي إلى تأثيرات لا يمكن عكسها حتى لو توقفت الانبعاثات.
وتوقع تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية خمس سنوات أخرى من درجات الحرارة المرتفعة للغاية، وإلى جانب الظروف الأكثر حرارة الناجمة عن نمط الطقس النينيو، وهذا يعني أن الكوكب على وشك أن يسخن رسميا بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) على مدى فترة مستدامة بحلول عام 2027.
من المرجح أن تتجاوز درجات الحرارة في السنوات الخمس المقبلة، في المتوسط درجة ونصف، ومع إضافة العامين الماضيين وارتفاع درجات الحرارة المتوقع بعد عام ٢٠٣٠، وهذا يعني أن عام ٢٠٢٧ سيكون على الأرجح أول عام يتجاوز فيه متوسط درجة الحرارة هذا الحد، وفقًا لما ذكره باحثون.
وعلى الرغم من النمو الهائل الذي شهدته مصادر الطاقة المتجددة خلال العقد الماضي، إلا أنها لا تزال تُشكل أقل من ثلث استهلاك الطاقة العالمي، حيث أنه مع تزايد استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية، زاد استهلاك العالم أيضًا للكهرباءً أكثر من أي وقت مضى.
ماذا عن عالمنا العربي؟
يتوقع الخبراء أن دول الخليج والعراق واليمن، ومنطقة غرب المتوسط مثل الجزائر والمغرب، قد تسجل على الأغلب ارتفاعا طفيفا في الحرارة يتراوح بين درجة ودرجتين فوق المعدل، مع احتمال تسجيل موجات حر قصيرة دون أن يرتقي ذلك إلى مستوى الظواهر المتطرفة.
ولن يحمل الشهر المقبل يوليو/تموز2025، الذي يُعدّ عادة ذروة الصيف في المنطقة العربية، مفاجآت كبرى في عوامل الطقس في كامل المنطقة العربية، وفق الخبير التونسي عامر بحبة. والذي توقع أن تكون درجات الحرارة في يونيو/حزيران ويوليو/تموز أعلى من المعدلات في الجزيرة العربية.

وتقول الخبيرة البيئية ديانا فرانسيس، إن الدول المحيطة بالخليج العربي تسجّل عموماً أعلى درجات الحرارة في العالم خلال فصل الصيف، ولكن “من المتوقّع أن تشهد هذه الدول ارتفاعاً بدرجة إلى درجتين مئويتين فوق المعدّل الموسمي، وبشكل خاص دول مثل إيران والعراق والكويت”، وتشير أن الاحتباس الحراري هو العامل الرئيسي في هذا المسار. وفق ما نقل تقرير بي بي سي.
وتوقع تقرير علمي أن تشهد مناطق في الخليج العربي ارتفاعاً في درجات الحرارة قد يصل إلى تسع درجات مئوية بحلول عام 2100. كما توقعت منظمة الأرصاد الجوية العالمية (WMO) أن تتجاوز درجات الحرارة معدلاتها الطبيعية في العديد من مناطق العالم هذا الصيف، بما في ذلك شمال إفريقيا ومنطقة الخليج العربي.
وذكر تقرير صادر عن مجلة البحوث الجيوفيزيائية (JGR Atmospheres) في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، أن درجات الحرارة في بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ترتفع بوتيرة أسرع بمرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بالمعدلات المسجلة في مناطق أخرى من العالم.
ويقول خبراء أن المنطقة العربية شهدت ارتفاعاً بمعدل 0.52 درجة مئوية منذ عام 1980، ما يجعل وتيرة السخونة فيها أسرع بمرتين من المتوسط العالمي، إذ أن جفاف الينابيع وتراجع كميات الأمطار يساهمان في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
وترتفع درجات الحرارة عادةً في الدول ذات الطبيعة الصحراوية أو شبه صحراوية بوتيرة أسرع من باقي دول العالم، وبالتالي فإن مسار الاحتباس الحراري العالمي يظهر في هذه البلدان قبل غيرها.
عواقب يدفعها أجيال المستقل
يحذر الخبراء من أن عدم تحقيق هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما لا يتعدى درجة مئوية ونصف سيُمثل نهاية مرحلة واعدة في معركة العالم ضد تغير المناخ، وبداية فترة من عدم اليقين بشأن ما سيأتي.
وستواجه البشرية ظواهر مناخية متطرفة متزايدة، بما في ذلك موجات حر قاتلة تتفاقم قوتها مع كل عُشر درجة من ارتفاع درجة الحرارة، ويأتي هذا وسط تحذيرات من أن 100 مليون طفل ولدوا في عام 2020 سيواجهون موجات حر شديدة خلال حياتهم إذا لم يكبح العالم الانبعاثات. وفق دراسة جديدة.
منظمة أنقذوا الأطفال: 100 مليون طفل ولدوا عام 2020 سيواجهون موجات حر شديدة خلال حياتهم إذا لم يكبح العالم الانبعاثات
وأظهرت الدراسة -نشرتها صحيفة الاندبندنت البريطانية- أن الفشل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يحكم على 83% من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم خمس سنوات اليوم بمستويات خطيرة من الحرارة الشديدة في حياتهم.
ويرسم التقرير الذي نشرته منظمة “أنقذوا الأطفال” وجامعة بروكسل الحرة خريطة لتأثير أزمة المناخ على الأطفال من خلال محاكاة نتائج المناخ عبر العديد من الظواهر الجوية المتطرفة. ووفقًا لأحدث السياسات والالتزامات، يسير العالم حاليًا على طريق ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.7 درجة مئوية.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا السيناريو إلى اضطرار 100 مليون طفل من مواليد عام 2020 أي 83% لمواجهة موجات حر شديدة غير مسبوقة طوال حياتهم، مما يُعيق الحصول على الغذاء والمياه النظيفة ويُجبر المدارس على الإغلاق.
وفاجأت موجة الحر المستمرة العلماء، فقد كان عام 2024 العام الأكثر حرارة على الإطلاق، حيث بلغ متوسط درجات الحرارة العالمية 1.55 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وكانت تلك لحظة فارقة فهي المرة الأولى التي يتجاوز فيها متوسط درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية خلال عام تقويمي واحد. بحسب مجلة نيو ساينتست «NewScientist».