على طول الطريق الأسفلتي الذي يشق قلب جبل صبر جنوب مدينة تعز، يلاحظ المار زيادة الهياكل الخرسانية التي تنذر بولادة مشاريع جديدة، بعد أن عجزت المتنزهات والاستراحات المتوفرة على احتواء أفواج السياح المطردة أعدادهم في الزيادة سنويا، والذين يقصدون قمم ومرتفعات الجبل للتنزه والاستمتاع بالمناظر الطبيعية، خصوصا خلال أيام العطل والأعياد الموسمية.
وتعد الأرياف اليمنية متنزهات طبيعية متعددة الجمال والفائدة، فإلى جانب امتلاكها المناظر الخلابة، والمدرجات الزراعية، والمياه الوفيرة، توفر المشاريع السياحية فيها فرص عمل دائمة وموسمية للشباب، وتخفف من مشكلة البطالة المتفاقمة في الريف اليمني.
تعرف السياحة الريفية، بأنها شكل من أشكال السياحة التي تحدث في المناطق الريفية، وينبني عليها استغلال الموارد ذات المنشأ الريفي، سواء أكانت طبيعية أم بشرية، وتحقق فوائد اقتصادية واجتماعية للمجتمعات المحلية.
مواضيع مقترحة
-
السياحة في شبوة: سواحل ووديان لها تاريخ ومعالم عتيقة
-
أرخبيل سقطرى: الجوهرة الطبيعة وثروة اليمن الخفية
-
الاقتصاد الريفي: كفاح مستمر من أجل البقاء
خلق فرص عمل
منتزه زايد، أحد النماذج الريفية التي وفرت مصادر دخل للشباب الريفي، حيث يؤكد سكان المنطقة القريبة من المنتزه أن إعادة تشغيله أعاد الحياة إلى المنطقة بعد سنوات من الركود، بحيث كان عاملًا اقتصاديًا مهمًا، سواء من خلال فرص العمل المباشرة التي يقدمها، أو من خلال رواج مشاريعم الصغيرة المقامة في المنطقة.
يقول مدير المنتزه “محمد الرامسي”، إن “إعادة تأهيل المنتزه بعد استئجاره من الجهات المختصة لم تكن مجازفة، فاحتمالية نجاح المشروع كانت كبيرة، نظرًا للموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به، وتاريخه السياحي الغني”.
ويضيف الرامسي لـ”منصة ريف اليمن” أن إعادة التشغيل ساهم بتوفير فرص عمل كثيرة، خاصة في أيام المواسم والأعياد، وساهم في التخفيف من الأعباء الاقتصادية على الشباب، كما شجع التدفق الكبير للزوار أصحاب المنطقة على افتتاح مشاريع صغيرة، ورواجها”.
تعد الأرياف اليمنية متنزهات طبيعية متعددة الجمال والفائدة، فإلى جانب امتلاكها المناظر الخلابة، والمدرجات الزراعية، توفر المشاريع السياحية فيها فرص عمل دائمة وموسمية.
في السياق ذاته، يقول “غازي عبد العزيز”، وهو شاب من سكان المنطقة المجاورة لمنتزه جبل صبر، إن إعادة العمل في المنتزه، خلق مصدر دخل له وللكثير من الشباب في المنطقة، فهو يعمل حاليًا في المنتزه.
ويضيف لـ”منصة ريف اليمن”: “ساعدني العمل في المنتزه على تغطية مصاريفي الشخصية، والقضاء على مشكلة الفراغ واكتئاب ما بعد التخرج، بالإضافة إلى زيادة علاقاتي الاجتماعية”.
يشار إلى أن منتزه الشيخ زايد بن سلطان بني في ثمانينيات القرن الماضي، على إحدى قمم جبل صبر، وعلى مدى سنوات، ظل قبلة للسائحين من داخل اليمن وخارجها، لكنه تعرض للقصف الجوي في العام 2015، وتعرض لتدمير جزئي، وتضررت بعض أجزائه بشكل كلي، ومازالت مدمرة. وتعود ملكية المنتزه للدولة.

إنعاش اقتصادي
ويؤكد المختص في الشأن الاقتصادي، الدكتور “هشام الصرمي”، أن المشاريع السياحية المقامة في الريف اليمني تساهم في انخفاض مستوى البطالة، وزيادة مستوى دخل الفرد؛ مما يساهم في ارتفاع مستوى الناتج المحلي في السلع والخدمات، وبالتالي ينعكس على مستوى الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بحيث يزيد ذلك من فرص تنمية الريف الذي يمثل ما لا يقل عن 70% من المجتمع اليمني.
ويضيف خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”: “ساعدت المشاريع السياحية الكبيرة في الريف -مثل منتزه زايد- على خلق حالة من شبه الاستقرار الاقتصادي للشباب الريفي، وخلقت بيئة مشجعة على الاستثمار، مقارنة بفشل الكثير من المشاريع الصغيرة المدعومة من بعض منظمات المجتمع المدني وبنوك التمويل الأصغر، في مناطق ريفية أخرى”.
وحول كيفية تحويل السياحة الريفية من موسمية إلى دائمة يرى الصرمي أن توفر البنية التحتية السياحية مكتملة الأركان، إلى جانب منظومة خدمات شاملة، سوف يساهم في استمرار السياحة الداخلية بشكل دائم.
“الريف مناطق سياحية هامة نظرًا للطبيعة الخلابة والهدوء والاستجمام، ويحتاج إلى خطط وبرامج لإنعاش السياحة الريفية، وإيجاد الخدمات الأساسية لجذب السياح”.
ويستدرك: “اليمن بلد متنوع الثقافات، وتتعدد فيه المواسم الاحتفالية، التي تشجع الناس على ممارسة النشاطات السياحية، في حال توفرت البنى التحتية والخدمية، والفعاليات الترفيهية، بحيث يخلق ذلك فرص عمل للمشتغلين في القطاع السياحي على مدار العام”.
استقرار اجتماعي
“حمزة الصامت”، أحد سكان جبل صبر، يقول لـ”منصة ريف اليمن”: “بدأت مشروعي (بقالة)، بعد فشل مشرعين سابقين نظرًا لعدم الإقبال، كما أني اغتربت في المملكة العربية السعودية لمدة عامين، لكن ذلك خلق لدي الكثير من المشكلات الأسرية، ومع عودة السياحة الداخلية إلى مناطق الجبل، وزيادة المتنزهات والاستراحات، قررت العودة وبدء مشروع جديد”.
من جانبه، يرى الدكتور “محمود البكاري”، رئيس قسم علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة تعز، أن الشباب هم أساس التنمية بمفهومها الشامل، وأهمية دورهم تزداد في عملية إحداث التنمية الريفية؛ لما يؤدي ذلك إلى تمدين الريف وتوفير الخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان في المناطق الريفية، وهذا يقود إلى استقرار الشباب في الريف، وتوفير فرص عمل مناسبة تحقق لهم الاستقرار الاقتصادي، والذي بدوره ينعكس إيجابًا على استقرارهم الاجتماعي.
ويضيف لـ”منصة ريف اليمن”: “يعد الريف منطقة جذب سياحي هام في كثير من البلدان؛ نظرًا للطبيعة الخلابة وتوفر الهدوء والاستجمام، إضافة إلى وجود مناطق أثرية هامة، وهذا يحتاج إلى وجود خطط وبرامج لإنعاش السياحة الريفية، وإيجاد الخدمات الأساسية التي تسهم في جذب السياح”.
ويؤكد أن توفر مصادر داخل نتيجة السياحة الريفية، يعطي السكان المحليين سببًا وجيهًا للبقاء، بدلًا من الاغتراب، أو الانتقال إلى المدن، كما أن الأجواء الريفية الأصيلة تعد فرصة للتميز، وفي حال استغلالها وتطويرها بإمكانها أن تقدم منتجا مختلفا للسياح الذين يبحثون عن تجارب فريدة ومختلفة.