في محافظة لحج جنوبي اليمن، أخذت الزراعة المنزلية تحظى باهتمام متزايد من الأهالي، الذين حوّلوا المساحات الصغيرة بجوار منازلهم وأسقفها إلى مساحات منتجة، كحل عملي لمواجهة أعباء المعيشة التي أثقلت كاهلهم بفعل الحرب المستمرة منذ عشر سنوات.
وباتت الزراعة المنزلية تمثل ملاذا اقتصاديا للكثير من الأسر؛ لما توفره من محاصيل طازجة تساهم في تقليل الإنفاق الغذائي، إلى جانب فوائدها الصحية والبيئية، ويمكن لأي فرد ممارستها؛ سواء في حديقة صغيرة، أو على سطح المنزل، أو حتى داخل شرفة باستخدام أحواض الزراعة البسيطة.
وسيلة للعيش
“صالح محمد (40 عاما)” تمكن من تحويل حوش منزله في قرية المجحفة بالمحافظة إلى مساحة خضراء، بعد أن استهوته طبيعة القرية وما تتميز به من شهرة في المجال الزراعي وخصوبة التربة، هذا الانجذاب دفعه للاستقرار فيها، وشراء منزل بعد سنوات من التنقل بين محافظتي أبين ولحج.
مواضيع مقترحة
-
قصة ملهمة.. مشروع زراعي بكادر نسائي في سقطرى
-
10 أخطاء شائعة في زراعة النباتات
-
تيسير السنحاني: المزارعون بحاجة حلول للتكيف المناخي
استغل صالح المساحة المتوفرة في فناء منزله، التي تقدر بنحو 22×18 مترا، وبدأ في زراعتها منذ عام 2016 بأربع شجرات من الليمون الحامض، لتأمين احتياجات أسرته من هذه الفاكهة، ولم يتوقف اهتمامه عند الجانب الغذائي، بل سعى أيضا إلى إضفاء الطابع الجمالي على المكان بزراعة أنواع مختلفة من الورود، ما حول منزله إلى مشهد نابض بالحياة.

وبروح مشابهة، يخوض “جميل الحاج (45 عامًا)” من قرية الحاسكي في ريف لحج تجربة ناجحة في زراعة البابايا داخل حديقته المنزلية التي تبلغ مساحتها 10×10 أمتار، وقد استخلص بذور البابايا محليا، وتمكن من زراعة 23 شجرة، كلها باتت مثمرة. ويقول الحاج إن إنتاجه اليومي يتراوح بين سلة ونصف إلى سلتين من الثمار الطازجة.
باتت الزراعة المنزلية تمثل ملاذا اقتصاديا للكثير من الأسر؛ لما توفره من محاصيل طازجة تساهم في تقليل الإنفاق الغذائي، إلى جانب فوائدها الصحية والبيئية
تجربة أخرى لافتة برزت في مديرية المسيمير بذات المحافظة، حيث بادر “بسام الطميري” إلى زراعة العنب في فناء منزله في سبتمبر 2023. ويروي لمنصة “ريف اليمن” أنه ابتكر طريقة خاصة بنقع بذور العنب في سائل الصبار لحمايتها من الآفات، ثم اعتنى بها على مدار عام مستخدما الظلال الاصطناعية (الشتري) لمواجهة حرارة الشمس، كما لجأ إلى تسميد التربة بماء مخمّر مستخلص من مخلفات الأغنام.
تجارب ناجحة
ورغم التحديات المناخية وأضرار الطيور، استطاع الطميري تحقيق نتائج مشجعة، ويخطط في الموسم القادم لاستخدام وسائل حماية أكثر فاعلية، إلى جانب التوسع بزراعة البرتقال. ويقول في حديثه: “رغم نجاح هذه التجارب الفردية، لا تزال هناك تحديات مثل الآفات وتقلبات الطقس، نأمل أن تعمم هذه المبادرات على باقي أصحاب الحدائق المنزلية، ومنها إلى المزارع الكبرى”.
ويضيف الطميري: “ندعو المنظمات والمشاريع الزراعية، بالإضافة إلى مكتب الزراعة في لحج ومديريات الحوطة وتبن والمسيمير، إلى دعم وتشجيع هذه المبادرات من خلال توفير المستلزمات الزراعية والتوعية المناسبة للمزارعين”.

ويروي الشاب العشريني “ياسين ماطر” شغفه بالزراعة، مؤكدا أن أسرته حرصت على زراعة الورد وأشجار الديمن وشجرة البيذان في محيط منزلهم الواقع في وادي سفيان. ويقول ياسين: “قمنا بتطويق المنزل بهذه النباتات حبا في الزراعة، ولما لها من فوائد جمالية وصحية في آن واحد”.
وتعد الزراعة المنزلية ظاهرة متنامية لاسيما في السنوات الأخيرة، حيث وجد العديد من السكان فيها وسيلة لتوفير بعض الغذاء الذاتي، وتجميل محيطهم، وحتى تحسين دخلهم في بعض الحالات، فالزراعة في المساحات الصغيرة؛ سواء في الفناء أو على الأسطح لم تعد مجرد هواية؛ بل أصبحت مشروعا عائليا يوفر بديلا جزئيا في ظل التحديات المعيشية والغلاء المتزايد، وتساهم هذه الزراعة أيضا في تعزيز ثقافة الاستدامة البيئية، والاكتفاء الذاتي بين السكان.
معايير وشروط
يؤكد الدكتور “نجيب سلام”، أستاذ وقاية النبات بجامعة لحج، أن الزراعة المنزلية تُعد نشاطًا مفيدًا وممتعًا يمكن لأي شخص ممارسته، لما لها من فوائد متعددة تشمل تقليل النفقات، وتحسين الصحة النفسية عبر التفاعل مع النباتات، إلى جانب تعليم الأطفال مهارات زراعية وبيئية، والمساهمة في تحسين جودة الهواء، وإعادة تدوير النفايات المنزلية لاستخدامها كسماد عضوي.
ولضمان نجاح واستدامة هذا النوع من الزراعة، لخص الدكتور سلام لمنصة “ريف اليمن” أبرز الشروط الضرورية، وأهمها اختيار الموقع المناسب الذي يوفّر قدراً كافياً من أشعة الشمس (من 8 إلى 10 ساعات يوميًا بحسب نوع النبات)، مع ضرورة حمايته من الرياح الشديدة.
العناية اليومية بالنباتات والمراقبة المستمرة واختيار الأنواع المناسبة والتعلم من التجربة تُعد من العوامل الأساسية التي تضمن نجاح واستمرارية أي مشروع زراعي منزلي
كما شدد على أهمية استخدام تربة خفيفة وغنية بالمواد العضوية، وتوفير ري منتظم دون إفراط لتجنّب تعفّن الجذور. ويُعد اختيار النباتات التي تتحمل الظروف المناخية المحلية من العوامل الحاسمة لنجاح الزراعة المنزلية.

ومن أجل استمرارية وتوسيع هذه المشاريع، شدد الدكتور سلام على أهمية تحويل الزراعة المنزلية من نشاط موسمي إلى سلوك يومي، وذلك من خلال تدوير المحاصيل، وتنويع الإنتاج الزراعي، إلى جانب إشراك أفراد الأسرة لجعل التجربة أكثر متعة واستدامة. وأشار إلى ضرورة التدرج في التوسع، بدءًا بكميات صغيرة ثم زيادتها تدريجيًا بحسب الإمكانيات، مع الاستفادة من المصادر التعليمية المتاحة والخبرات المحلية.
وأكد أن العناية اليومية بالنباتات، والمراقبة المستمرة، واختيار الأنواع المناسبة حسب الموسم والمناخ، والتعلم من التجربة أو عبر الإنترنت، بالإضافة إلى الاستفادة من النفايات المنزلية -مثل استخدام الأواني المعاد تدويرها- تُعد من العوامل الأساسية التي تضمن نجاح واستمرارية أي مشروع زراعي منزلي.
وتكتسب الزراعة المنزلية أهمية متزايدة في اليمن، لا سيما في ظل تنامي مخاوف المواطنين من انتشار الأمراض السرطانية، ويعتقد أن هذه الأمراض قد تكون مرتبطة بالاستخدام المفرط وغير المنظم للمبيدات الحشرية في الزراعة التقليدية، كما توفر الزراعة المنزلية بيئة صحية أكثر أمانا للأسر، وتعزز من جودة الغذاء المستهلك، في خطوة نحو بناء مجتمعات أكثر صحة واكتفاء ذاتيا.