الرمل الأبيض: مصدر دخل مئات الأسر الريفية في المحويت

الرمل مادة ملساء يتم استخراجها في وادي سردد ويستخدم في البناء

الرمل الأبيض: مصدر دخل مئات الأسر الريفية في المحويت

الرمل مادة ملساء يتم استخراجها في وادي سردد ويستخدم في البناء

تحت أشعة الشمس الحارقة يعمل الشاب العشريني “أبو بكر الفتح”، في تجميع مادة الرمل الأبيض في مديرية بني سعد بمحافظة المحويت من أجل تأمين الغذاء لأفراد عائلته في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء تداعيات الحرب في اليمن.

الفتح واحد من بين العشرات الذين يعملون في استخراج وتجميع الرمل في المديرية، حيث اتجه كثير من أرباب الأسر إلى استخراجه من أعماق وادي سردد باستخدام معدات يدوية بسيطة، وتجميعه إلى جانب الوادي على شكل أكوام؛ بغرض بيعه لمقاولي البناء والطرقات وغيرهم.

والرمل الأبيض هو مادة ملساء يتم استخراجها من أعماق وادي سردد، تشكَّلت عبر آلاف السنين بفعل التحولات الجيولوجية واستمرار جريان المياه وتدفق السيول من أعالي الجبال إلى قاع الوادي ليحولها الأهالي في محافظة المحويت، إلى ركيزة أساسية في البناء والمعيشة.


      مواضيع مقترحة

شريان حياة

يبذل العاملون في تجميع الرمل الأبيض بمحافظة المحويت جهوداً شاقة تحت أشعة الشمس الحارقة؛ إذ يستمرون في العمل لساعات طويلة، فهو مصدر دخلهم الوحيد الذي يعتمدون عليه في تأمين الغذاء نتيجة انعدام فرص العمل واشتداد الظروف القاسية التي أجبرتهم على اختيار هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر.

يصف أبوبكر الفتح معاناته قائلاً لـ “منصة ريف اليمن”: “أنحني بظهري لساعات طويلة فوق مياه الوادي العميقة ممسكًا بـ(الكَرِيك) وذات يوم أثناء سحب قطعة كبيرة لم أتمالك نفسي جيدًا، فانزلق أحد أطرافها ليخترق قدمي، حتى نزفت الدماء، وكان الألم شديدًا في الماء، لكنني لم أتوقف؛ فكل سلة من الرمل تمثل قوت يومي لأسرتي، وكل لحظة توقف قد تعني فقدان رزق يوم”.

ويضيف: “استمريت رغم الجرح في جمع الرمل، أوازن بين الألم وضغط المياه المتواصل مع كل دفعة أُخرجها من أعماق الوادي، كل قطعة تحمل قصة صبر وعناء، وكل قطرة دم تروي حكاية الإنسان الذي يواجه الطبيعة من أجل البقاء في وادي سردد”.

وأشار إلى أن الرمل ليس مجرد مادة تُجمع، بل هو شهادة على الصبر والإصرار على مواجهة الألم يوميًا لتحصيل الرزق، وعلى قدرة الإنسان على مقارعة المخاطر حتى في أعمق المياه.

النيس الأبيض: مصدر دخل لمئات الأسر الريفية في المحويت
يبذل العاملون في تجميع الرمل الأبيض بمحافظة المحويت جهوداً شاقة تحت أشعة الشمس الحارقة (ريف اليمن)

“أحمد سعيد( 60عاماً)”، هو الآخر أجبرته الظروف المعيشية على العمل في تجميع الرمل الأبيض. ويوضح: “أعمل في استخراجه وتجميعه وتكويمه أنا وأولادي، ونبذل جهوداً شاقة منذ الصباح الباكر حتى وقت الظهيرة”.

يقول سعيد لـ “منصة ريف اليمن”: “نضطر أحيانًا إلى العمل حتى ساعات متأخرة من الليل، ونضطر للعمل على ضوء الكشافات، غير مكترثين بالمخاطر من وحوش البراري أو تدفق سيل مفاجئ، خاصة في موسم الأمطار الموسمية صيفاً، لكن يبقى هذا الخيار الأمثل لتحصيل رزقنا”.

وتابع: “يُشرق الصباح على أصوات السيارات (الشاص والقلاَّبات) التي تمزج صوتها مع خرير المياه، فنواصل الجهد ونحمّل الأكوام بالغَرْف باستخدام الكريك من أجل أن نحصل على الأموال، حيث تبلغ حمولة القلاَّب 10 آلاف ريال، والسيارة 5 آلاف، وأحياناً 4 آلاف ريال، وهي مبالغ لا تكفي لتغطية احتياجات الحياة اليومية، الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد آخر”.

عمل متوارث

يقول “عمران ثابت (26 عاماً)”، أحد سكان مديرية بني سعد: “تعتمد عملية جمع الرمل على خبرة الأهالي الطويلة، حيث يُستخرج من قاع الوادي كما هو، بما يتناسب مع احتياجات البناء والتزيين، ويتم نقله يدوياً أو باستخدام وسائل بسيطة”.

وأوضح ثابت لـ” منصة ريف اليمن” أن “هذه المهارة تنتقل من جيل إلى جيل، ورغم بساطتها، فهي تتطلب معرفة دقيقة بأماكن تواجد الرمل ومراقبة مستويات المياه، خاصة في مواسم الأمطار حيث يكون الوادي غزير الجريان”.

النيس الأبيض: مصدر دخل لمئات الأسر الريفية في المحويت
الرمل الأبيض مادة ملساء يتم استخراجها من أعماق وادي سردد، تشكَّلت عبر آلاف السنين بفعل التحولات الجيولوجية (ريف اليمن)

يوضح المهندس المدني وخبير مواد البناء “ياسين العديني”: “الرمل الأبيض مادة طبيعية غنية بالسيليكا، تُستخدم في البناء لإنتاج الأسمنت والخرسانة، حيث تعمل على تعزيز الصلابة والمتانة وتزيد من مقاومة الضغط والرطوبة”.

وأضاف العديني لـ “منصة ريف اليمن”: “يُستخدم الرمل في العديد من مجالات العمارة والبناء، حيث يدخل في صناعة البلاط والسيراميك والخزف، ويُعد مادة اقتصادية متوفرة محليًا، مقارنة بمواد البناء المستوردة”.

“كما أنه فريد من نوعه؛ إذ يساعد بشكل كبير على جريان المياه في الوديان، ويكشف عن الطبقات المتحولة بصورة طبيعية، وقد يصبح متاحًا كصفائح صالحة للاستخدام المباشر في البناء، تتراوح ألوان النيس بين الأبيض المائل للرمادي والفاتح، مع خطوط داكنة طبيعية، ما يجعله مادة جمالية، ونتيجة لذلك بدأ الأهالي بالمحافظة في استخدام الرمل الأبيض في المشاريع العمرانية الحديثة مثل واجهات الأبنية والفنادق وغيرها من المباني السكنية”، يضيف العديني.

هوية عمرانية

وؤكد “أحمد النغاشي”، مقاول طرقات، بأنه استخدم الرمل المستخرج من وادي سردد في بناء حواجز الطريق. وأشار إلى أن هذا الاستخدام جعل الرمل جزءًا لا يتجزأ من الهوية العمرانية لطرقات المحويت، ووفّر عليه تكاليف استخدام خرسانة الكسارة الباهظة.

النيس الأبيض: مصدر دخل لمئات الأسر الريفية في المحويت
يُستخدم الرمل في العديد من مجالات العمارة والبناء، حيث يدخل في صناعة البلاط والسيراميك والخزف (ريف اليمن)

وأوضح النغاشي لمنصة ريف اليمن أن معظم سكان المنطقة يعتمدون على الرمل كمصدر دخل لأسرهم خاصة عند كثرة الطلبات في بناء السدود والمدارس والمباني العامة والجسور الصغيرة وبناء الأساسات المتينة للمنازل. معظم السكان الريفيين يخلطونه مع الأسمنت ويستخدمونه في تزيين واجهات البيوت الداخلية والخارجية وفي صناعة الأدراج والأرضيات الصلبة المقاومة للرطوبة وتبليط الأفنية والبلاط الخارجي للمنازل.

مؤخراً بدأ بعض التجار المحليين بنقله إلى المدن مثل صنعاء وذمار، حيث أصبح ثروة حقيقية، لكنهم يفتقرون إلى الدعم ووسائل النقل المناسبة والطرق المعبدة والمعدات البسيطة التي قد تمكنهم من توسيع النشاط، وخلق فرص عمل للشباب، وإذا تم تنظيم الاستخراج بطريقة مستدامة يمكن أن يتحول إلى مادة تصديرية صديقة للبيئة.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: