الحواجز المائية المهملة.. مشاريع تنموية تتحول إلى معاناة

تحولت إلى خطر يهدد الأرض والإنسان بسبب غياب الصيانة

الحواجز المائية المهملة.. مشاريع تنموية تتحول إلى معاناة

تحولت إلى خطر يهدد الأرض والإنسان بسبب غياب الصيانة

خلال موسم الأمطار الغزيرة التي شهدها اليمن في الشهرين الماضيين، لم تكن السيول وحدها مصدر قلق لمزارعي وادي نخلة شمال محافظة تعز، بل الحواجز المائية المهجورة التي تحولت من مشاريع تنموية واعدة إلى خطر دائم يهدد الأرض والإنسان، فغياب الصيانة لسنوات طويلة جعلها تفقد وظيفتها الأساسية في حفظ المياه وتنظيم جريان السيول.

تراكمت كميات ضخمة من الرواسب في قاع تلك الحواجز، حتى انسدت ممراتها وتحولت إلى سدود عشوائية، تدفع السيول نحو المزارع بدلا من احتوائها، مسببة دمارا واسعا في الأراضي الزراعية.


   مواضيع مقترحة


يقول المزارع “محمد سعيد الصوفي”: “تعرضت مزارعي التي تحتوي على أشجار المانجو والموز إلى دمار واسع، خسرت معظم محاصيلي، وغطت الأتربة القادمة من الحواجز المائية التربة الخصبة بطبقات كثيفة”.

 مصدر خطر

ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “كنا نأمل أن يكون الحاجز المائي شريان حياة لمزارعنا، لكنه أصبح اليوم مُهدِّداً مباشراً لأراضينا ومزارعنا، رغم الحذر من الكارثة، لكن لم يكن باليد حيلة”.

وأشار إلى أن الأراضي الزراعية في الوادي تتميز بتربة خصبة، لكن السيول طمرتها بطبقات من الأتربة المتنوعة، وجرفت ما تبقى من محاصيل زراعية، وأصبح السكان بلا مصادر دخل، كون اعتمادهم الرئيسي على تلك المزارع.

من جهته يروي المزارع “عبد العزيز الشرعبي” المأساة المتكررة ويقول: “كل عام نعيش الكارثة ذاتها؛ السيول تجرف محاصيلنا وتغمر أراضينا بالأتربة، والسبب أن الحواجز لم يتم صيانتها منذ أكثر من عقد ونصف”.

ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “أصبحت السيول أقوى، والحواجز أضعف، ونحن الخاسر الأكبر، نطالب الجهات المختصة بالتدخل العاجل لتنظيف الحواجز ورفع الرواسب المتراكمة فيها؛ حتى لا تتكرر المأساة في الموسم المقبل”.

غياب الصيانة

يصف المهندس “عبدالقادر السميطي” المشهد للحواجز قائلاً: “الحواجز المائية التي أنشئت في وادي نخلة قبل نحو سبعة عشر عاما، كانت مشروعا طموحا لاحتجاز مياه السيول وتغذية المزارع، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى خطر قائم”.


صور تظهر الحاجز المائي ممتلئاً بالأتربة والرواسب ما يجعله مصدر تهديد للمزارعين وأراضيهم (ريف اليمن)

ويؤكد السميطي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أنه بسبب غياب الصيانة الدورية والرقابة الفنية، تراكمت الرسوبيات داخل الحواجز حتى فقدت سعتها التخزينية، مضيفا: “بعد 17 عاما دون صيانة دورية، أصبح الحاجز أقرب إلى منشأة منهارة وظيفياً منه إلى منشأة خزنية فعّالة، وتحول لمصدر تهديد للأراضي الزراعية”.

وعن الآثار المباشرة، قال السميطي: “على المدى القريب سيؤدي الوضع إلى فقدان جزء كبير من سعة الحاجز، وزيادة فيضان السيول أثناء الأمطار الغزيرة، وطمر مساحات زراعية كبيرة، وانخفاض انتظام إمدادات الري”، لافتا إلى أن العواقب بعيدة المدى ستشمل تحول الحوض إلى مستنقع رسوبي مغلق يقلل من نفاذية التربة، وفشل منشآت الري، وتقلص الرقعة الزراعية الصالحة، وهجرة بعض المزارعين.

وبيّن أن تراكم الرواسب رغم أنه قد يحمل مواداً عضوية مفيدة مؤقتاً، إلا أن الطمر العميق يدفن الطبقة السطحية الخصبة ويغير بنية التربة؛ مما يقلل التهوية والنفاذية، ويؤدي إلى مشاكل تصريف وزيادة الملوحة، والنتيجة النهائية هي انخفاض غلة المحصول وجودته.

وحذّر السميطي من أن غياب الصيانة قد يحول السدود من أدوات إدارة مياه قيمة إلى أعباء، مؤكداً أن الصيانة الدورية ضرورية لاستمرار فاعليتها، ويرى أن الإجراءات المقترحة يجب أن تكون مرتبة بالأولوية، بدءاً من التقييم الفني الميداني، وإزالة الرواسب، وإعادة تأهيل ممرات التصريف.

تراكم الرواسب

تواجه العديد من الحواجز والسدود في اليمن مشكلة تراكم الرواسب في قاعها، وهي ظاهرة عالمية، لكنها في اليمن تتضاعف بسبب تضاريسنا المتفاوتة، وارتفاع شدة الأمطار، فالجريان السطحي الناتج عن الأمطار الغزيرة يجرف الأتربة من أعالي المرتفعات إلى بطون الأودية والحواجز؛ ما يؤدي إلى تراكم الرواسب عامًا بعد آخر.


السميطي: بعد 17 عاما من عدم الصيانة الدورية، أصبح الحاجز أقرب إلى منشأة منهارة وظيفياً منه إلى منشأة خزنية فعّالة وتحول لمصدر تهديد للأراضي الزراعية.


ويوضح الخبير البيئي “د. أنور الشاذلي” المختص في قضايا البيئة والتغيرات المناخية أن الرواسب في قاع الحواجز المائية والسدود تمثل مشكلة عالمية، إلا أنها في اليمن تشكل معضلة مضاعفة لأسباب عدة، لافتًا إلى أن التضاريس اليمنية متباينة بين عالية المرتفعات ومتوسطة الارتفاع، إضافة إلى وجود المرتفعات القريبة من السهول الواسعة المعروفة بالأودية.

وأضاف الشاذلي لـ “منصة ريف اليمن” أن الشدة المطرية العالية في اليمن، خصوصًا أثناء الهطول الكثيف، تتفاعل مع هذه التضاريس المتفاوتة لتنتج جريانًا سطحيًا قويًا جدًا، حيث تتسارع السيول عبر الممرات الضيقة محدثة ضغطًا عاليًا على الحواجز والسدود.

ولفت إلى أن هذا الأمر يجعل تراب اليمن عرضة لعمليتي الهدم في أعالي المرتفعات والرواسب في بطون الأودية والحواجز، وهي العملية التي صنفت أكثر من 65% من تربته على أنها “تراب أنديزول”، أي ترب حديثة التطور وتراكمية، غير مستقرة، وحساسة لتراكم السيول والأمطار.

وأشار الشاذلي إلى أن الأمطار الغزيرة تجرف الأتربة من أعالي الجبال إلى أسفل، لتصطدم بالحواجز التي جفت منها المياه، ما يزيد من تراكم الرواسب عامًا بعد آخر، موضحًا أن هذا التراكم له آثار كبيرة، أولها حرمان الأراضي الزراعية من المواد الخصيبة التي تحملها هذه الأتربة، والتي تساعد على تحسين الخواص الفيزيائية للتربة وإغنائها بالعناصر الطبيعية والأكاسيد.

ويشير إلى أن استمرار تراكم الرواسب يؤدي إلى انخفاض السعة التخزينية للسدود والحواجز، ويشجع على تكوين الطحالب وانتشار المكونات غير المرغوبة؛ ما يضعف البنية الفنية لهذه المشاريع. كما أن انخفاض السعة التخزينية خلال الفيضانات يزيد من مخاطر تدمير السدود، وسحب الأشجار والمدرجات الزراعية.

تداعيات اقتصادية

وبحسب الشاذلي فإن استمرار الرواسب يحرم الأراضي الزراعية من المخصبات الطبيعية ويؤثر على خصوبة التربة؛ ما يجعلها ضحلة ويعرّي جذور الأشجار المثمرة، مؤكدًا أن ما تعانيه مناطق مثل وادي نخلة لا يختلف عن محافظات أخرى، مثل خولان بصنعاء وعمران والمناطق المنحدرة على السواحل الجنوبية، حيث تشهد تدهورًا مشابهًا في الأراضي الزراعية.


مطالبات للجهات المعنية بسرعة التحرك لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية في المنطقة (ريف اليمن)

ولفت إلى أن هذه الظاهرة ساهمت في فقدان أكثر من 30% من الأراضي الزراعية في بعض المناطق، مؤكداً أن الحلول تتطلب تدخلا عاجلا لإزالة الرواسب المتراكمة، وتأهيل الحواجز والسدود، وتنفيذ برامج صيانة دورية ومراقبة مستمرة؛ لضمان حماية التربة الزراعية، وإعادة تأهيل السعة التخزينية للمياه واستدامة الإنتاج الزراعي.

يؤكد المزارعون أن خسائرهم الزراعية انعكست مباشرة على مستوى المعيشة، إذ تقول المواطنة “فاطمة سعيد العسالي” لـ “منصة ريف اليمن”: “لقد تأثرت جميع جوانب حياتنا، لا زراعة، لا دخل ثابت، والأطفال الآن معرضون للخطر. حتى مع المساعدات، لا يمكن تعويض الخسائر بالكامل”.

وتشير إلى أن هذه الأزمة تزيد من الهجرة الريفية إلى المدن والمناطق الأخرى بحثًا عن فرص عمل؛ ما يهدد النسيج الاجتماعي في وادي نخلة، داعية الجهات المعنية إلى التحرك بشكل عاجل لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية في المنطقة.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: