حضرموت: زراعة الحناء تواجه شح المياه وتحديات الإنتاج

في "غيل باوزير" تراجعت المساحة المزروعة إلى 50 فدانا وكانت قبل 38 عاماً 250 فداناً

حضرموت: زراعة الحناء تواجه شح المياه وتحديات الإنتاج

في "غيل باوزير" تراجعت المساحة المزروعة إلى 50 فدانا وكانت قبل 38 عاماً 250 فداناً

تشتهر منطقة غيل باوزير في محافظة حضرموت شرقي اليمن بزراعة الحناء، وهي من الزراعات التقليدية المتجذرة في الموروث الزراعي والاجتماعي للمنطقة، وتُعد مصدر دخل رئيسي للكثير من سكانها، وتتميز الحناء الحضرمي بجودتها العالية، ما يجعلها مطلوبة في الأسواق المحلية والخليجية، خاصة في مجال النقش والتجميل.

تقع مديرية غيل باوزير شمال شرقي مدينة المكلا وتبعد عنها حوالي 43 كيلومترًا، وتُقدّر مساحتها بأكثر من 2,4 ألف كلم، وتتميز بخصوبة أراضيها، وذلك لوجود العديد من الآبار وينابيع المياه، ويعد الحناء من أبرز المحاصيل التقليدية التي اشتهرت بها عبر الأجيال.

ورغم ما تحمله هذه الزراعة من قيمة اقتصادية وثقافية، إلا أن زراعتها تمرّ بتحديات كبيرة، وتتنوع بين تراجع منسوب المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج؛ مما أثر على المساحات المزروعة، ومستوى الإنتاج بشكل عام خلال السنوات الماضية.


     مواضيع مقترحة

زراعة الحناء

“صلاح فرج” مزارع حناء ورث هذه المهنة عن والده، ويزرع بمساحة نصف فدان، يقول إن زراعة الحناء تمثل مصدر دخل جيد، خاصة عند توفر مساحات أكبر؛ إذ تمنح محصولاً مجزياً، ويعد مصدر دخل رئيسي للمزارعين.

المزراع صالح فرج يتفقد مزرعة الحناء في مديرية غيل باوزير في حضرموت (ريف اليمن)

وتحدث لمنصة “ريف اليمن”، عن مراحل زراعة الحناء، موضحاً أن الزراعة تبدأ بتحضير الأرض، وتتم بطريقتين: الأولى عن طريق الجذور، حيث نأخذ جزءاً من جذر شتلة حنّاء ونغرسه في الأرض، والثانية عن طريق الفسائل، حيث يتم شراؤها من المشتل بسعر 350 ريالاً للفسيلة، ثم تُغرس وتُروى وتُعتنى بها لمدة 6 أشهر تقريباً”.

ويتم حصاد أوراق الحنا مرتين، وقال فرج “يتم الحش (حصاد وراق الحنا) للمرة الأولى بعد 6 أشهر من زراعتها، والمرة الثانية بعد حوالي 3 أشهر من الحصاد الأول، ثم نقوم بتجفيف محصول الحناء في الشمس لمدة يومين، ثم يُضرب بالعصا لاستخراج الأوراق، وبعدها يُعبأ ويُباع على أصحاب طواحين الحنّاء بمقياس “المنّ”، حسب السوق.


يبيع المزارعون أوراق الحنا بوحدة “المن” (12,5 كيلوجرام) ويتراوح سعره ما بين 20 إلى 25 ألف ريال، وتختلف الأسعار على حسب الجودة


عملية طحن الحناء

وبعد انتهاء مرحلة الزراعة تبدأ مراحل الحصول على “الحنا” من قبل العاملين في هذا القطاع، ويتم شراء الأوراق الخضراء من المزارعين، ثم طحنها وتصفيتها، وصولاً إلى توزيعها للبيع في السوق المحلية.

“ياسر الخلاقي” مالك طاحونة حناء، يقول إن عملية تجهيز الحناء تبدأ من” شراء الحناء من المزارعين، حيث يباع بوحدة “المّن” (12,5 كيلوجرام) ويتراوح سعره ما بين 20 إلى 25 ألف ريال، حسب جودة الحناء، فكلما كانت أوراق الحناء خضراء ونظيفة ارتفع السعر.

ويضيف، أن الطحن يتم على مراحل: بعد الشراء من المزارعين، تخضع أوراق الحناء لعملية التصفية، حيث يتم تجفيفها من خلال تعريضها للشمس، وبعدها تطحن الطحنة الأولى بطريقة تقليدية وهي الرحى (طاحون حجري) ثم تُغربل إذا لزم الأمر، وتليها طحنات أخرى حتى يصبح ناعماً.

يتم تجفيف أوراق شجرة الحنا ومن ثم طحنها عدة مرات حتى تكون ناعمة (ريف اليمن)

ويُخصص جزء من الإنتاج لتحضير الحناء الجاهزة للنقش، والتي يتم تجهيزها إما يدوياً أو باستخدام مكائن خاصة، ويشير الخلاقي، إلى أن “الحناء الحضرمي مطلوبة في دول الخليج، وتُصدّر بشكل خاص إلى السعودية وعُمان”.

لكن رغم السمعة الجيدة، تواجه عملية التصنيع والتصدير تحديات كبيرة، أبرزها -بحسب الخلاقي- “انقطاع الكهرباء الذي يعطل العمل، ونقص وسائل النقل الفعالة كالمطارات والموانئ، مما يجعلنا نعتمد على الطرق البرية المكلفة”.

أما عن أنواع الحناء المتداولة، فيذكر أن هناك نوعين رئيسيين: البلدي (الأرضي) والهندي، ويضيف: “يُفضل الحناء البلدي بشكل خاص للنقش، بينما الهندي أكثر إنتاجاً”، لافتاً إلى أن “أصول استخدام الحناء تعود إلى العصر الفرعوني، حيث كانت تُستخدم كزينة وديكور، ولتصفيف وتلوين وتلميع الشعر، وكذلك لتجميل الأيدي في المناسبات والأعراس”.

تحديات كبيرة

شهدت زراعة الحناء انخفاضاً كبيراً في المساحات المزروعة خلال السنوات الماضية، وهو ما انعكس على الإنتاج الذي يواجه تحديات كبيرة، وأبرزها تدهور الموارد المائية، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي الذي كان نتيجة للصراع المسلح في البلاد.

وقال الدكتور “أمجد باقويقو”، مدير عام فرع هيئة البحوث والإرشاد الزراعي إن “المساحات المزروعة لم تتجاوز 50 فداناً؛ مما انعكس على كمية الإنتاج التي أصبحت لا تتجاوز 30 إلى 40 طناً فقط في الموسم”.

تراجعت زراعة الحنا في مديرية “غيل باوزر” بسبب نقص المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج خلال السنوات الماضية (ريف اليمن)

ويعزو الدكتور باقويقو هذا التراجع الحاد إلى عدة أسباب، في مقدمتها مشكلة المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج، موضحاً أن “الماء أصبح غاليًا جدًا على المزارع، فبعد الجفاف الذي سببه تشغيل مشروع مياه المكلا الكبرى، اضطر المزارعون لاستخدام مكائن ديزل لاستخراج المياه؛ ما رفع كلفة الري إلى 12 ألف ريال للساعة الواحدة، وهذا أجبرهم على تقليص المساحات المزروعة بالحناء بشكل كبير”.

وأدى ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، خصوصاً الأسمدة، إلى زيادة معاناة المزارعين، وقال باقويقو “إن كيس سماد اليوريا كان سعره 7 آلاف ريال، واليوم وصل إلى 80 ألفاً، وأحياناً يرتفع إلى 120 ألف ريال؛ ما جعل المزارع يعزف عن التسميد أو يقلله إلى أدنى حد، وهذا أدى إلى تدهور كبير في الإنتاجية”.


في مديرية “غيل باوزير” كانت المساحة المزروعة في التسعينات أكثر من 250 فداناً، والآن لا تتجاوز 50 فداناً وبالتوازي مع ذلك تناقص الإنتاج، وتعد شح الموارد المائية من أبرز الأسباب


ويلفت إلى أن هذه الظروف أدت إلى تراجع الإنتاجية، حيث يقول: “في أحسن الأحوال، الإنتاج اليومي لا يتجاوز 400 إلى 500 كيلو للفدان، أي نصف طن فقط، مقارنة بـ 1200 كيلو في السابق، وهذه أرقام لورق الحناء الجاف”.

ورغم تدخلات بعض المنظمات الدولية لإنعاش القطاع الزراعي في إعادة تأهيل قنوات الماء الزراعية، إلا أن مدير البحوث الزراعية باقويقو يؤكد أن “مشكلة المياه تظل قائمة”، مشيراً إلى أن المحصول في كل “حشة” (فترة حصاد تستمر حوالي 3 أشهر) يحتاج من 4 إلى 5 عمليات ري، أما اليوم فبالكاد يتم توفيرها للمزارع.

كيف تدهورت زراعة الحنا؟

رغم أصالة زراعة الحناء في مديرية غيل باوزير، إلا أنها شهدت تحولات هائلة في المساحات المزروعة والإنتاجية عبر العقود، وفي استعراض للمراحل التي مرت بها هذه الزراعة منذ منتصف القرن الماضي وحتى التراجع الملحوظ في السنوات الأخيرة، تراجعت المساحة المزروعة إلى 50 فدانا وكانت قبل 38 عاماً 250 فداناً.

يقول الدكتور باقويقو إن “محصول الحناء من المحاصيل النقدية الرئيسية في حضرموت، إلى جانب التبغ، حيث كان المزارعون يركزون على زراعة هذين المحصولين”.

وأضاف أن “المساحات المزروعة بالحناء بدأت بشكل محدود، ثم توسعت تدريجياً، فوصلت إلى أكثر من 250 فداناً في التسعينات مقارنة بـ 30 فداناً أواخر الستينات، وهذا يدل على اهتمام المزارع بزراعة الحنا كمحصول رئيسي في التركيبة المحصولية لمديرية غيل باوزير”.

وأوضح باقويقو أنه “في عام 1968، كانت المساحة المزروعة لا تتجاوز 30 فداناً بإنتاج بلغ 36 طناً، ثم ارتفعت في عام 1977 إلى 80 فداناً بإنتاج 96 طنًا، واستمرت بالتصاعد حتى بلغت ذروتها في عام 1988 بمساحة 250 فداناً، وإنتاجية وصلت إلى 276 طناً”.

وتُعد زراعة الحناء في اليمن من أقدم الأنشطة الزراعية التي توارثها الأهالي عبر الأجيال، وارتبطت بالنسيج الثقافي والاجتماعي، خصوصاً في الأعياد والمناسبات مثل الأعراس، ويتميز الحناء اليمني بجودته العالية واحتوائه على مواد طبيعية ملونة دون إضافات صناعية؛ ما يجعله مرغوباً ومطلوبا للتصدير إلى الخارج.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: