تواجه إمدادات الغذاء العالمية تحديات كبيرة، خصوصاً في الدول التي تعاني من الحرب مثل اليمن؛ حيث تُعد الأوضاع الزراعية المتدهورة، الناتجة عن الجفاف المستمر وارتفاع درجات الحرارة عاملًا رئيسيًا في تدهور الأمن الغذائي وسبل العيش لسكان البلاد.
يؤكد تقرير حديث لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تأثر جميع السلع الأساسية -بما في ذلك القمح ولحوم الأبقار والبن- بنقص الأمطار؛ مما يدفع الأسعار إلى مستويات قياسية في بعض الحالات.
وبحسب التقرير فإن النزاعات الدائرة في غزة واليمن وأوكرانيا قد فاقمت من هذا الوضع؛ إذ أدت إلى تعطيل سلاسل إمدادات الغذاء، ورفع تكاليف الشحن بشكل ملحوظ.
مواضيع ذات صلة
اليمن تواجه موجة جفاف تفاقم تحديات الأمن الغذائي
الجفاف يهدد ينابيع المياه: نقص الأمطار يفاقم معاناة اليمنيين
مأرب.. نضوب مياه وادي حريب يهدد معيشة المزارعين
الجفاف يهدد الأمن الغذائي
حذرت الأمم المتحدة في اليمن من تدهور واسع في الأوضاع الزراعية نتيجة استمرار الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة. فوفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ينذر هذا الوضع بتداعيات خطيرة على الأمن الغذائي وسبل العيش الزراعية في البلاد.
يأتي هذا في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة فوق المعدل خلال الشهر الماضي؛ حيث تجاوزت 42 درجة مئوية في المناطق الشرقية والساحلية. وقد أدت هذه الظروف إلى زيادة معدلات التبخر والنتح، وانخفاض رطوبة التربة، وإجهاد المحاصيل، حتى في مناطق المرتفعات التي تتميز عادةً بدرجات حرارة أكثر برودة.
وحذرت الفاو من أن “تأخر الزراعة في المناطق المطرية، وانخفاض توافر الأعلاف للمواشي، إلى جانب ارتفاع تكاليف المدخلات، عوامل تزيد من هشاشة سبل العيش، وتُعمّق من مخاطر أزمة غذائية في الأرياف”.
تجدر الإشارة إلى أن القمح -بجميع أشكاله- يعتبر من أكثر الحبوب استهلاكًا في العالم بعد الأرز مباشرة، مما يجعله من أكثر المحاصيل التي تحظى باهتمام بالغ في عصر التقلبات الجوية القاسية.
وغالبًا ما يخضع القمح لحراسة مشددة؛ ففي الهند -على سبيل المثال، وبسبب موجة حر شديدة عام 2022- حظرت الحكومة الهندية تصدير القمح بهدف تخزينه محليًا. ورغم توقع الهند هذا العام إنتاج كمية قياسية من القمح، إلا أنها لا تخطط لرفع حظر التصدير، بسبب المخاوف من التقلبات العالمية في أسعاره.
كما تواجه روسيا وأوكرانيا، وهما من أهم منتجي القمح في العالم، جفافًا، ومن المتوقع أن تشهدا انخفاضًا في إنتاجيتهما، وفقًا لرصد الزراعة العالمي التابع لوزارة الزراعة الأمريكية. وقد أعلنت مقاطعة فوستوك، أهم مقاطعة منتجة للحبوب في روسيا، حالة طوارئ زراعية في بعض مناطقها.
وقال جون ديفيس، خبير الأرصاد الجوية في شركة “إيفرستريم أناليتكس”، التي تتابع سلاسل توريد السلع الأساسية، إن ميزة القمح تكمن في عدم تركيزه في عدد قليل من الدول، كما هو الحال مع البن.
وأضاف: “بالنسبة لموسم الزراعة الحالي، هناك مناطق نراقبها عن كثب، مثل أوروبا”. فقد شهدت عدة أجزاء من شمال أوروبا ربيعًا جافًا بشكل استثنائي، مما قد يؤثر على موسم الزراعة الصيفي.
وفي الصين، يعاني حوض النهر الأصفر -إحدى أهم مناطق إنتاج القمح في البلاد- من الجفاف الشديد نتيجة ظروف حارة وجافة غير معتادة. وشهدت ألمانيا أشد جفاف في الربيع منذ عام 1931، برغم أن الأمطار التي هطلت في الأسابيع الأخيرة هدّأت المخاوف بشأن محاصيل القمح والشعير. كما تواجه أوكرانيا وروسيا، المتصارعتان على جبهات القتال، خطر الجفاف الذي يهدد محاصيلهما من القمح.
ويُعد كلا البلدين مصدرًا أساسيًا للغذاء لملايين البشر في أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، يعتمد المغرب -الذي يمر الآن بعامه السادس من الجفاف- بشكل متزايد على واردات القمح من روسيا.

تركيز إنتاج البن يُفاقم المخاطر
على عكس القمح، يُعتبر البن محصولًا أكثر حساسية للتقلبات المناخية، ويتسم إنتاجه بتركيز كبير في عدد قليل من الدول. ففي اليمن تُقدر وزارة الزراعة والري اليمنية ارتفاع إنتاج اليمن من البن في عام 2023 من 17 ألف طن إلى 41 ألف طن، مع توقعات بوصوله إلى 50 ألف طن خلال العامين المقبلين. كما سجلت صادرات البن اليمني ارتفاعًا ملحوظًا، حيث يُتوقع أن تصل قيمتها إلى ملياري دولار في عام 2027.
ومع ذلك، تلعب البرازيل دورًا محوريًا في زراعة البن عالميًا، حيث تُمثل 40% من الإنتاج العالمي. على الرغم من أن هذا التركيز يُتيح زراعة كميات كبيرة من أنواع معينة من البن، إلا أنه يُضخم مخاطر التأثر بتغير المناخ.
وقال أندريا إيلي، الرئيس التنفيذي لشركة إيلي العالمية للبن ،لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: “عندما تضرب الاضطرابات المناخية، مثل الجفاف أو الأمطار الغزيرة، هذه المناطق، فإن سلسلة التوريد العالمية تشعر بالتأثيرات المتتالية”.
وقال السيد إيلي إن شركته تسعى للحصول على أنواع مختلفة من البن من مزارعين في مناطق مختلفة. لكن البن نباتٌ صعب الإرضاء. فحتى ارتفاع طفيف في الحرارة وقلة هطول الأمطار قد يكونان مدمرين.
وشهدت البرازيل أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود. وفي العام الماضي، ضرب طقس حار وجاف فيتنام، ثاني أكبر منتج للبن في العالم؛ ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار البن العالمية.
أثّر جفاف مزارع البن في البرازيل على أسعار لاتيه – مشروب القهوة الشهير -في كل مكان ،بحسب تقرير النيويورك تايمز. وفي الغرب الأوسط الأمريكي، دفعت سنوات من شحّ الأمطار مربي الماشية إلى ذبح قطعان الماشية؛ مما رفع أسعار لحوم البقر إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
المخاطر المجتمعية للجفاف
تحظى المخاطر المجتمعية الأوسع نطاقًا الناجمة عن الجفاف باهتمام متزايد؛ فقد قدّر البنك المركزي الأوروبي في دراسة نُشرت أواخر مايو أن الجفاف يهدد بتدمير ما يقرب من 15% من الناتج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، مع تركيز الخطر الأكبر على الزراعة في جنوب أوروبا.
هذه ليست مجرد مخاطر مستقبلية؛ فلقد عانت بساتين الزيتون في إسبانيا من جفاف شديد خلال العامين الماضيين؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار زيت الزيتون، قبل أن تُخفف الأمطار من وطأة الأزمة في عام 2024. وقد كتب مؤلفو الدراسة أن “أي ضغط على موارد المياه يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات متتالية عبر أنشطة اقتصادية متعددة”.
يشير تقرير نيويورك تايمز إلى أن الجفاف غالبًا ما يُفاقم المشاكل الكامنة في النظام الغذائي العالمي الحديث، ففي جميع أنحاء العالم، يحصل معظم الناس على سعراتهم الحرارية من ثلاث حبوب أساسية: الأرز والقمح والذرة. وهذا يعني أن مخاطر الطقس في مناطق إنتاجها قد تُلْحِق أضرارًا بالغة بالأمن الغذائي العالمي.