الجفاف وتغير المناخ يهددان زراعة البن اليمني

نحو 30% من الأشجار انتهت خاصة في المناطق المعتمدة على الأمطار

الجفاف وتغير المناخ يهددان زراعة البن اليمني

نحو 30% من الأشجار انتهت خاصة في المناطق المعتمدة على الأمطار

تسببت موجة الجفاف التي اجتاحت اليمن خلال الأشهر الماضية في تضرر أشجار البن بمناطق يافع لحج وأبين، وبرع في الحديدة، وريمة، وغيرها من المناطق الزراعية، وقلبت دورة نمو البن رأسا على عقب، تاركة المزارعين في حيرة أمام شجرة تمثل بعدا اقتصاديا واجتماعيا عميقا، إذ إن فقدان محصولها يعني خسارة مصدر دخل أساسي لآلاف الأسر.

يصف المزارع عبد الرقيب الأهدل المشهد بأنه الأسوأ منذ عقود، ويقول: “هذه أول مرة يطول فيها الجفاف بهذا الشكل، وتضررت الأشجار بشكل غير مسبوق. نحو 30% من الأشجار انتهت تمامًا، خاصة في المناطق التي تعتمد على الأمطار كمصدر وحيد للمياه.

خلال حديثه لـ “منصة ريف اليمن”، أكد الأهدل أن استمرار الجفاف قد يعني فقدان ما تبقى من الأشجار، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لمصدر رزق المزارعين وحياتهم الاقتصادية، ففي هذه المناطق، لا توجد شبكات ري، ويعتمد الإنتاج كليًا على الأمطار الموسمية التي انقطعت هذا العام لفترات طويلة.


    مواضيع مقترحة

في يافع، التي لطالما اشتهرت بخضرتها، تبدلت الحكاية، ولم تعد أشجار البن تصطف كما كانت سابقا، فارتفاع درجات الحرارة، وتغير مواسم الأمطار، وفترات الجفاف الطويلة قضت على المئات من أشجار البن وكبدت المزارعين خسائر كبيرة.

الجفاف وتغير المناخ يهددان زراعة البن اليمني
أشجار البن أصابها الجفاف في منطقة يافع في لحج جنوب اليمن (ريف اليمن)

تأثيرات على الجودة 

المهندس الزراعي عبد القادر السميطي يستعيد بذاكرة موجوعة مشهد الماضي ويقول: “حتى منتصف التسعينيات كان لدينا في يافع نحو ثلاثة ملايين شجرة بن، واليوم لم يتبقَّ سوى 650 ألفًا فقط بسبب الجفاف”.

ويضيف السميطي لـ”منصة ريف اليمن”: “القصة لا تتوقف عند حدود المزارع، فهي تحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية، وفقدان المحصول يعني خسارة مصدر دخل أساسي لآلاف الأسر، وتراجع مكانة اليمن في سوق البن العالمية التي لا تتجاوز حصتها حاليًا 0.04% من الإنتاج العالمي.

يشكل جفاف أشجار البن ضربة إضافية لقطاع كان يمكن أن يكون رافعة تنموية، في بلد يرزح تحت ضغوط اقتصادية قاسية، ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة يافع للتنمية عام 2020، فقد جفّت 844,690 شجرة بن في مديريات يافع بمحافظتي لحج وأبين، لتتجسد خسارة موجعة للمزارعين.

وخلال السنوات الماضية شهد إنتاج البن اليمني تراجعا ملحوظا نتيجة عوامل مناخية متغيرة أثرت على نموه وجودته، وفق ما أوضحه منير المنتصر، مدير إدارة التعاونيات والتنمية الريفية بقطاع تنمية الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة.

ويوضح المنتصر لـ “منصة ريف اليمن”،” أن البن كغيره من المحاصيل الزراعية، يتأثر بشكل مباشر بارتفاع درجات الحرارة ونوبات الجفاف وتغير معدلات الرطوبة الجوية، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج، وهو ما يترك انعكاسات سلبية على واحد من أهم الموارد الاقتصادية في البلاد.

ويضيف أن ارتفاع درجات الحرارة يغيّر أنماط هطول الأمطار، ويرفع معدلات التبخر، مما يسبب جفاف التربة ويعرض أشجار البن للإجهاد الحراري، أما الجفاف، فيقلل كميات المياه المتاحة للنباتات، وهو ما ينعكس على إنتاجيتها وجودة المحصول.

الجفاف وتغير المناخ يهددان زراعة البن اليمني
أزمة الجفاف في بداية الموسم الزارعي في اليمن تسبب بخسائر كبيرة في زراعة البن (ريف اليمن)

غياب أنظمة الري التكميلية

أما المهندس سمير علي العتمي، نائب مدير عام تنمية الإنتاج في المؤسسة العامة لتنمية وتسويق البن، فيقول إن هذا التراجع يعود بالدرجة الأولى إلى قلة المياه وانخفاض معدلات الأمطار، إلى جانب غياب أساليب حصاد مياه الأمطار مثل الخزانات والحواجز المائية والسدود وشبكات الري الحديثة.

وأضاف لـ “منصة ريف اليمن”، أن ارتفاع درجات الحرارة في الآونة الأخيرة أسهم في زيادة حدة المشكلة، فضلًا عن ظهور آفات وأمراض جديدة تهدد المحصول، مشيرا إلى أن محدودية الأراضي الزراعية المخصصة للبن تمثل تحديا آخر، إذ يُزرع البن غالبا في الوديان والمدرجات الزراعية، وهي مساحات محدودة بطبيعتها.

ويلفت أن هذه الظاهرة تفاقمت مؤخرا مع تعرض معظم مزارع البن للجفاف الذي استمر أكثر من ثمانية أشهر متواصلة، ما أدى إلى جفاف مساحات واسعة من الأراضي، تقدر نسبتها بنحو 20% أو أكثر.

وأكد أن استمرار هذه الظروف قد ينعكس على مستقبل زراعة البن في اليمن، ليس فقط من حيث الإنتاجية، بل أيضًا من حيث جودة البن الذي لطالما ارتبط اسمه بالسمعة العالمية المميزة.

وكانت الندوة الوطنية لمكافحة التصحر قد أكدت أن اليمن “إحدى أكثر المناطق جفافًا وشبه جافة في العالم”، حيث تستنزف الزراعة 90% من المياه الجوفية مما أدى إلى ظهور مؤشرات واضحة لمشكلة التصحر. تعتبر هذه المشكلة تهديدًا كبيرًا للقطاع الزراعي وبالتالي لحياة الناس في اليمن”.

أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فأشار في تقريره حول النزاع على المياه إلى أن التغير المناخي سيعيد رسم دورة المياه في اليمن، ما سيؤثر بالضرورة على الإنتاج الزراعي، علمًا أن القطاع الزراعي يستهلك بين 80 – 90% من الموارد المائية.

الجفاف وتغير المناخ يهددان زراعة البن اليمني

تحول بيئي

مدير عام الغابات بوزارة الزراعة المهندس عبده مدار، يرى أن ما يحدث الآن ليس مجرد أزمة عابرة، بل تحول بيئي، ويوضح أن قلة المياه تستدعي البحث عن بدائل لتعويض النقص، لافتا أن ارتفاع درجات الحرارة المتواصل يدفع المحاصيل إلى ما يُعرف بـ”الإزاحة النباتية”، أي الانتقال إلى مناطق جديدة أكثر ملاءمة مناخيًا، كما ظهرت آفات وأمراض لم تكن موجودة من قبل.”

ويلفت خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن ظهور الأمراض الزراعية المرتبطة بتغير المناخ يحتاج إلى وقت لاكتشاف أنواعها الجديدة والتعرف على سلوكها، مؤكدًا أن هناك العديد من القصص عن آفات وأمراض لم تكن موجودة في السابق وظهرت مؤخرًا مع التغيرات المناخية.

وأشار إلى أن الجفاف الحالي يعود بدرجة كبيرة إلى تغير مواسم الأمطار، خاصة في المناطق التي تعتمد على الأمطار الموسمية كمصدر وحيد للمياه، دون وجود أنظمة ري تكميلي، ما جعل أشجار البن لا تحصل على حاجتها المائية الكافية.

وأدت التغيرات المناخية وشح الأمطار إلى تراجع محصول البن اليمني وجودته خلال السنوات الأخيرة، في ظل تحديات هيكلية ومعوقات كبيرة تعيق قدرته على المنافسة وزيادة حصته في السوق العالمية حسب ماصرح به أحمد عبد الملك، مدير المركز الوطني للبن بعدن لـ “منصة ريف اليمن”.

البن اليمني - برع الحديدة
تفاوت إنتاج البن اليمني خلال السنوات الماضية حيث تواجه زراعته تحديات كبيرة (عبد الله حسن)

تفاوت الانتاج

وفي تقرير صادر عن المركز الوطني للبن بوزارة الزراعة، فإن تاريخ زراعة البن في اليمن شهد تفاوتًا كبيرًا في مستويات الإنتاج، فقد بلغت أعلى الكميات التصديرية عام 1720 نحو 60 ألف طن، وهو ما يعني أن الإنتاج حينها تجاوز 1.8 مليون طن. أما أدنى مستويات الإنتاج، فسُجلت بين الأعوام 2015 و2018 بمتوسط سنوي قدره: 19,257 طن (2015)، 18,945 طن (2016)، 18,767 طن (2017)، و18,642 طن (2018).

وأوضح التقرير، نقلاً عن كتاب الإحصاء السنوي المعد بتمويل من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، أن إنتاج البن في عام 2023 بلغ 24,640 طنًا من مساحة قدرها 36,829 هكتارًا، بمتوسط إنتاجية للمحصول بلغ 669 كجم لكل هكتار.

وتشير إحصاءات وزارة الزراعة إلى أن المساحة الزراعية المخصصة للبن حاليًا في أنحاء اليمن تقدر بـ 26,033 هكتارًا، حيث يُزرع في الوديان ذات المناخ الدافئ الرطب وفي السفوح والمدرجات الجبلية على ارتفاعات تتباين من 700-2400 متر فوق سطح البحر

وفي مارس الماضي، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، أن أسعار البن العالمية وصلت إلى أعلى مستوى لها في سنوات عدة في عام 2024، بزيادة قدرها 38.8 في المائة عن متوسط ​​العام السابق، مدفوعة في الغالب بالطقس القاسي الذي يؤثر على البلدان المنتجة الرئيسية.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: