التعليم في لحج.. تحذيرات من تفشي الأمية

منذ اندلاع الصراع تراجعت العملية التعليمية ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن

التعليم في لحج.. تحذيرات من تفشي الأمية

منذ اندلاع الصراع تراجعت العملية التعليمية ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن

يواجه طلاب القرى الريفية في محافظة لحج، جنوبي اليمن، صعوبات وتحديات كبيرة في الحصول على حقهم في التعليم، حيث حُرم الكثيرون منهم من تحقيق أحلامهم المستقبلية، في ظل مخاوف من مستقبل مجهول يشاركهم فيه ملايين الأطفال في اليمن.

ومع بداية العام الدراسي الجديد الذي انطلق في 31 أغسطس الماضي، يستقبل الطلاب والطالبات في ريف لحج عامهم بظروف قاسية، حيث يشكو أولياء الأمور من صعوبة توفير المستلزمات الدراسية، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، يبذل الآباء جهوداً كبيرة لإبقاء أبنائهم في المدارس.

خلال السنوات الماضية، أجبرت الظروف المعيشية القاسية المئات من الطلاب اليمنيين، خصوصاً في المناطق الريفية النائية، إلى الابتعاد عن التعليم، إذ يعيش الأهالي والسكان ظروفاً معيشية قاسية، انعكست سلباً على مختلف مجالات حياتهم، وتسببت بحرمان أبنائهم من مواصلة تعليمهم المدرسي والجامعي.


       مواضيع ذات صلة

الفقر وغلاء المعيشة

يكافح الآباء في ريف لحج، من أجل تعليم أطفالهم؛ إذ يؤكد “سالم ناصر( 45 عامًا)”، أنه اضطر إلى التقشف وخفض الإنفاق الأسري لتوفير مستلزمات تعليم أبنائه الذين يواصلون تعليمهم المدرسي.

يعمل ناصر بالأجر اليومي ويكابد مشقة مضاعفة، ويقول لـ “منصة ريف اليمن”: “المشقة والجهد والتعب في العمل تحت أشعة الشمس الحارقة يهون علينا، لكن حرمان أطفالي من حقهم في التعليم لا يهون أبدًا”.

وأضاف: “لو وصل الأمر إلى الاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم، سأفعل ذلك، سأبذل قصارى جهدي وأكافح ليل نهار في سبيل الحفاظ على تعليم أطفالي”.

بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ساهمت حالة عدم الاستقرار المستمرة في زيادة معدلات الفقر والنزوح القسري؛ مما فاقم الأزمة في التعليم؛ إذ اضطر العديد من الطلاب إلى ترك مقاعد الدراسة، إما للانخراط في سوق العمل لإعالة أسرهم، أو نتيجة التجنيد للانخراط في الصراع المستمر.

تقول انتصار وهي المديرة العامة لمكتب محو الأمية وتعليم الكبار في محافظة لحج: “الكثيرون حُرموا من أبسط حقوقهم في التعلم، خصوصًا في المناطق الريفية، حيث البنية التحتية الرديئة، وبعد المسافات، وغياب الأماكن الآمنة، كلها عوامل عمّقت من انتشار الأمية”.

صعوبات متداخلة

أدت سنوات الصراع في اليمن إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد المجتمعات، وتعطيل تقديم الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التعليم. ونتيجة لذلك، أصبح الوصول إلى التعليم، لا سيما للفتيات والنساء، أكثر صعوبة، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

أما من بقوا في المدارس، فيواجهون تحديات كبيرة تتمثل في الاكتظاظ داخل الفصول، وسوء تجهيز المرافق، والنقص الحاد في الكوادر التعليمية المؤهلة، وقد أدت هذه الظروف مجتمعة إلى تدهور جودة التعليم وتراجع فرص التعلم في جميع أنحاء البلاد، بينما تتحمّل النساء والفتيات العبء الأكبر، في ظل ارتفاع معدلات الأمية والتهميش والإقصاء الاجتماعي طويل الأمد.

ويعيش قطاع التعليم باليمن أسوأ مراحله، ولا سيما بالأرياف، نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد، وعلى رأسها انقطاع مرتبات المعلمين الذين أُجبروا على ممارسة أعمال أخرى لتغطية تكاليف الحياة.

وبحسب الصليب الأحمر فإن 3 ملايين طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة، بينهم 1.8 مليون بحاجة إلى مساعدة تعليمية عاجلة.

الجهل وتفشي الأمية

بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن نحو 1.5 مليون فتاة في اليمن حُرمن من التعليم خلال العقد الماضي، وسط تصاعد العنف والفقر وانعدام الأمن وتراجع الخدمات الاجتماعية؛ مما زاد من تعرضهن لمخاطر الزواج المبكر والحمل في سن صغيرة، مع ما يصاحبه من مضاعفات صحية خطيرة قد تفضي إلى الوفاة.

طوال أكثر من 40 عامًا، كرّست انتصار حياتها للنهوض بالتعليم، وخاصةً تعليم النساء. وشهدت عن قرب كيف أن ضعف المرافق، وانعدام المياه النظيفة، وسوء الصرف الصحي، والانقطاعات المتكررة للكهرباء، كلها عقبات عطّلت عمل مراكز محو الأمية، التي تعاني أصلًا من نقص في التمويل والكوادر المدربة.

وتقول انتصار: “لقد دفعت الأزمة الاقتصادية والنزوح النساء والفتيات إلى هامش الحياة، وأصبحن مستبعدات من سوق العمل والمجتمع، لغياب التعليم والمهارات”.

ومنذ اندلاع الحرب في اليمن تراجعت العملية التعليمية، ووصلت إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن، خاصةً عقب توقف صرف الرواتب الحكومية أواخر عام 2016 ووفقاً لمؤشر دافوس الخاص بترتيب الدول العربية في جودة التعليم بها لعام 2021، كان اليمن خارج التصنيف نتيجة تدهور العملية التعليمية خلال سنوات الحرب.

تقول انتصار: “هدفنا ليس فقط تقليل نسبة الأمية، بل تمكين النساء، ودعم مشاركتهن في المجتمع، وتحسين سبل عيشهن، والمساهمة في بناء مستقبل أفضل”.

التعليم في لحج.. تحذيرات من تفشي الأمية
“انتصار” المديرة العامة لمكتب محو الأمية وتعليم الكبار ومركز تعليم النساء في لحج، تعمل في التعليم منذ 40 عاماً (UNDP)

التعليم والمستقبل

تُؤكد انتصار أن معالجة أزمة التعليم في اليمن تتطلب إصلاحات جذرية، تشمل تدريب المعلمين، وتخصيص ميزانيات واضحة، وربط التعليم بسوق العمل.

وأضافت في حديث لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: “إعادة تأهيل المدارس، وتوفير أدوات تعليمية ملائمة، وسد فجوات التوظيف، وتحسين رواتب المعلمين، كلها خطوات لا غنى عنها”.

وتشدد على أن “دمج تعليم القراءة والكتابة مع المهارات المهنية يفتح أبواب المشاركة للنساء في الحياة العامة وسوق العمل”.

وأوضحت أن الأمية لا تزال تهديدًا حقيقيًا، خاصةً للنساء والشباب والأطفال، “فهي تؤدي إلى التسرب من المدارس، وتراجع التفاعل الاجتماعي، وتزيد من ظواهر الجريمة، وتعاطي المخدرات، والاستغلال، والبطالة”.

وأضافت أن “التعليم هو أساس التنمية، فهو يمنح الفرد القدرة على التفكير النقدي واتخاذ قرارات مستنيرة، كما يعزز الحوار والتفاهم والمواطنة الفعالة، مما يؤدي إلى مشاركة أوسع في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين مستويات المعيشة، وتقليل الفقر، وبناء أجيال متعلمة وسلمية”.

وختمت حديثها قائلةً: “أحلم أن يأتي اليوم الذي نعلن فيه أن محافظة لحج خالية تمامًا من الأمية، سواء كانت أساسية أو مهنية. وأن تكون آمنة ومستقرة، وتوفر فرص تعليم متساوية للنساء والشباب والفتيات. أرجو أن يصبح كل فرد في لحج متعلمًا، قادرًا على بناء مستقبل أفضل لنفسه ولمجتمعه”.

ويواجه ملايين الأطفال الحرمان من التعليم في اليمن ،إذ تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن نحو 3.7 ملايين طفل يمني في سن الدراسة هم الآن خارج الفصول الدراسية.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: