بشكل يومي، يقطع الممرض “عوض قطعي”، مسافات طويلة مشيا على الاقدام وصولا الى صحراء وادي الجدين بمديرية المضاربة ورأس العارة بمحافظة لحج لضرب حقنة خاصة بمرض السكري لرجل مسن في منطقة يقطنها البدو الرحل، ويتخذ من شجرة تسمى شجر السمر مسكنا له ولأسرته.
يقول قطعي لـ”منصة ريف اليمن”، إنه يفد كل صباح “من أجل ضرب بعض الحقن لمريض مصاب بداء السكري عاجز عن الحركة، موضحا أن المريض قريب له، أجرى مؤخرا عملية بتر لأصابع قدمه جراء السكري، وصار لزاما تناول هذه المضادات الحيوية يوميا حتى لا تسوء حالته”.
مواضيع مقترحة
-
عزيز المعافري.. ريشة فنان تُحاكي حياة الريف
-
الوعورة تهدد حياة الريفيين والطريق يقهرها
-
حليب الأبقار.. طوق نجاة الأسر الريفية في الحديدة
محرومون من كل الخدمات
ويؤكد أن البدو الرحل محرومون من كل الخدمات، على رأسها الخدمات الصحية، إذ لا يوجد أي مرفق صحي قريب، ويكلف الانتقال الى مخيم خرز الصحي أكثر من خمسين الف ريال يمني (30 دولارا)، وهي بعيدة المنال عن سكان هذه المناطق الذين يقاسون الحياة، وتمر عليهم بعض الوجبات دون غذاء.
في تلك القفار الموحشة تمضي حياة العشرات من البدو الرحل الذي يتخذون من عراء تلك الصحراء مساكنهم في حياة تكاد تخلو من أبسط مقومات العيش، وتنعدم فيها مقومات الحياة والحركة، غير شجرة وقش يقون تحت ظلاله البعض من حرارة لافحة أوقدت أجسامهم النحيفة والمرهقة من الترحال، والبحث اليومي عن الكلأ والماء.

عشرات الاسر يقطنون في تلك الصحاري، لكن لن تهتدي لمساكنهم بسهولة، بسبب عدم تقارب تجمعاتهم السكنية؛ فما بين المسكن والآخر مسافة تفوق 500 متر وكيلومتر أحيانا. يقطن البعض منهم في قش تحيطه العيدان، وآخرون تحت الأشجار ينامون في العراء، ويقضون نهارهم بالانتقال سيرا للرعي والبحث عن الماء على ظهور الحمير.
يصف “محمد عبد القوي هداس” حياتهم بقوله: “اعتدنا على قسوة الصحراء منذ الصغر، لكن السنوات الأخيرة كانت أشد قسوة بسبب الجفاف، للحصول على الماء نمشي أكثر من ساعتين يوميا”.
ويتابع حديثه لمنصة ريف اليمن: “لا تقتصر معاناتنا في هذه الصحراء على المياه فقط، حيث نظل طيلة الليل نحرس مواشينا وأطفالنا من هجوم الضباع في هذه البراري، وفي النهار نجتهد من أجل توفير العيش لأطفالنا”.
أطفال بلا تعليم
المعاناة لا تتوقف عند الماء والغذاء، بل تمتد إلى حرمان الأطفال من التعليم، يقول هداس: “أطفالنا لا يعرفون المدارس، والنساء والأطفال يواجهون المخاطر يوميًا أثناء جلب المياه، بينما أي مرض بسيط قد يتحول إلى مأساة لعدم قدرتنا على شراء الدواء أو الوصول إلى المستشفيات في لحج وعدن”.
وناشد الجهات المختصة والمنظمات بعمل حلول ممكنة؛ كبناء مساكن بسيطة في مكان واحد، لتجميع كل الأسر، وبناء مدرسة ومرفق صحي، لافتا إلى أن الترحال والفقر المدقع للبدو الرحل يؤثر على استقرار الحياة بشكل عام. ويعتمد البدو الرحل في معيشتهم على رعي الأغنام والأبقار والإبل، كما يقوم بعض الشباب منهم بأعمال بناء في المناطق القريبة منهم.

على تخوم باب المندب، وعلى بعد 5 كيلومترات تقريبا، يتوزع العشرات من البدو الرحل بمنطقة الماجلية بمديرية المضاربة وراس العارة بلحج، في حياة تشبه حياة أقرانهم من البدو الرحل في صحراء وادي الجدين من حيث السكن وانعدام المياه، والحياة القاحلة في تلك الصحراء.
يؤكد الشيخ “راشد بن راشد”، أحد وجهاء المنطقة، أن المنطقة يقطنها قرابة 80 أسرة من البدو الرحل، البعض منهم تحت الأشجار وآخرون تحت القش، لافتا إلى أن الجهود مستمرة لتجميعهم في نطاق واحد، وتوفير مشروع مياه، إضافة إلى تجربة إنشاء فصل دراسي بسيط في صندقة خشبية.
مبادرة مجتمعية
ويضيف لمنصة ريف اليمن: “استطعنا في الآونة الأخيرة تجميع أطفال البدو الرحل في صندقة خشبية من أجل التعليم، الذي كان يتعثر أحياناً جراء ظروف الأهالي الصعبة؛ حيث تم التعاقد مع معلمَين اثنين من خارج المنطقة من مديرية ذباب لتعليم أربعة صفوف دراسية”.

ويردف: “رغم نجاحنا في العام الدراسي الماضي والانتهاء منه بنجاح، نواجه تحديدات كبيرة أبرزها المبنى الخشبي الذي أصبح مهدداً بالانهيار بفعل الرياح، ونأمل بناء مدرسة حقيقية، فالأطفال هنا أذكياء بالفطرة، لكنهم محرومون من أبسط الحقوق”.
وأوضح أنهم يبذلون جهودا متواصلة للتنسيق مع مكتب التربية والتعليم في المضاربة وراس العارة والخلية الانسانية من أجل تأسيس مبنى مدرسي يضم جميع أطفال البدو الرحل، وإخراجهم من أتون الجهل إلى نور العلم.
لا توجد أرقام دقيقة لعدد البدو الرحل في اليمن، لكن الملاحظ أن حركتهم تراجعت في السنوات الأخيرة خلافا للفترة السابقة، فالحرب أدت إلى تضررهم بنفس القدر الذي تضرر به النازحون الآخرون، وفاقمت تأثيرات المناخ -مثل شح الأمطار- معاناتهم، وقلبت موازين حياتهم التقليدية.