إغلاق مراكز محو الأمية يبدد أحلام نساء معافر تعز بالتعلم

تم إغلاق 62 مركزا من أصل 70 بحسب مدير فرع محو الأمية بالمديرية

إغلاق مراكز محو الأمية يبدد أحلام نساء معافر تعز بالتعلم

تم إغلاق 62 مركزا من أصل 70 بحسب مدير فرع محو الأمية بالمديرية

شكل إغلاق عشرات مراكز محو الأمية في مديرية المعافر، جنوب محافظة تعز، خيبة أمل عميقة لدى نساء المديرية، اللاتي كن قد وجدن في تلك المراكز نافذة أمل حقيقية لكسر قيود الجهل، والانخراط في مسار التعليم، وفرصة نادرة لمتابعة دروسهن وتعلم القراءة والكتابة.

كانت المعافر من أبرز المديريات التي احتضنت مراكز محو الأمية قبل الحرب؛ إذ بلغ عددها 70 مركزا، استوعبت أكثر من ألف دارسة، بحسب مدير فرع محو الأمية بالمديرية، “فيصل الفضلي”، لكنها تلاشت تدريجيا، ولم يتبق منها سوى 8 مراكز، ومعه عادت الكثير من النساء إلى دائرة شبح الأمية، وسط غياب الدعم الحكومي، وتراجع الاهتمام المجتمعي.


مواضيع مقترحة


أسباب الإغلاق

يقول الفضلي لـ”منصة ريف اليمن”: “بدأت أعداد المراكز تتراجع وتقل نسبة الملتحِقات، حتى وصلت العام الماضي إلى 8 مراكز، و407 دارسات فقط”، ويعزو الفضلي هذا التراجع إلى عدة أسباب، أبرزها القصور الحكومي في اعتماد ميزانية تشغيلية مناسبة تمكّن المراكز من أداء مهامها، إلى جانب غياب المناهج الدراسية، فضلًا عن قلة عدد العقود الممنوحة للمعلمات”.

كما أن قلة المبالغ التي تتقاضها المعلمات المتعاقدات يُعد سبباً آخر، حيث يوضح الفضلي أن راتب المعلمات المتعاقدات 29 ألف (17دولارا)، وهذا المبلغ الزهيد – كما وصفه – لا يلبي احتياجات المعلمات؛ مما أدى إلى تركهن للمراكز.

ويشير إلى أن عدد المعلمات ما بين العام 2015 و2019م كان 34 معلمة متعاقدة ومتطوعة، إلا أن العام المنصرم تناقص عددهم ليصل إلى 18 معلمة، منهن 10 متطوعات بدون مقابل مادي.

وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء؛ فإن عدد الأميين ضمن الفئة العمرية من 10 سنوات وأكثر، بلغ 6.3 مليون أمي وأمية، أي ما يمثل 29.2% من إجمالي عدد سكان اليمن المقدر عددهم بـ30 مليون نسمة.

أحد مراكز محو الأمية التي أغلقت في مديرية المعافر جنوب محافظة تعز (ريف اليمن)

ولفت التقرير إلى أن نسبة الأمية في أوساط النساء تزيد عن 60% في بعض المحافظات، مشيراً إلى أن الحديدة تعد الأعلى، حيث وصل أعداد الأميين والأميات فيها إلى أكثر من 1,2 مليون، 62% منها من الإناث.

المعلمة المتعاقدة “ابتهال قائد” قالت لـ “منصة ريف اليمن”، إن ضعف الرواتب أفقد الكثير من المعلمات الحافز للاستمرار، ودفع بعضهن إلى البحث عن أعمال بديلة توفر دخلًا أفضل، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وانعكست على الأسر.

وتشير ابتهال إلى أن هذا التراجع ساهم في انتشار الجهل واتساع رقعة الفقر، نظرا لغياب فرص العمل والتعليم، فيما ترى “بشارة الصنوي”، مديرة إدارة تنمية المرأة بالمعافر، إلى أن الأمية تعيق التنمية الاقتصادية والمجتمعية، وتضعف مشاركة النساء في البرامج التنموية.

انعكاسات خطيرة

وتضيف الصنوي خلال حديثها لـ “منصة ريف اليمن”: “الشخص غير القادر على القراءة والكتابة لا يستطيع التأثير أو المشاركة في البرامج التي تستهدف منطقته ومجتمعه، على سبيل المثال، الأم المتعلمة التي تنقل طفلها إلى المستشفى تمتلك وعيًا بحقوقها في المرافق الصحية، بينما الأمية تبقى عاجزة عن الاستفادة من تلك الموارد بسبب جهلها بحقوقها”.

الخبير التربوي في مكتب التربية والتعليم بالمعافر، “عبدالحكيم المشولي”، قال إن غياب التوعية المجتمعية يعد من الأسباب الجوهرية في ضعف الإقبال على هذه المراكز، مؤكدًا أن التوعية تلعب دورًا فعالًا في تعزيز حضور المرأة في مراكز محو الأمية.

وأكد المشولي خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، على أهمية إشراك جميع الشرائح المجتمعية والجهات ذات العلاقة والداعمين لدعم إدارة محو الأمية بالمديرية وتفعيل جميع المراكز.

 

أحد فصول محو الأمية في مديرية الحوطة بمحافظة لحج جنوب اليمن (UNDP Yemen)

التداعيات – كما يصفها المشولي – عميقة الأثر على المجتمع، فالأمية عدو للإنسان، وغياب فرص التعليم يعني عودة أعداد كبيرة من النساء إلى دائرة الجهل. ويرى أن المرأة التي التحقت بمراكز محو الأمية أكثر وعيًا بحقوقها وأكثر قدرة على رعاية أسرتها مقارنة بالمرأة الأمية.

أما الفضلي فيؤكد أن تراجع دور المراكز أدى إلى ارتفاع معدلات الأمية في قرى وعزل المعافر؛ ما انعكس سلبًا على النساء اللواتي حرمن من ممارسة حقهن في التعليم الأساسي والثانوي، وأفقدهن نافذة الأمل التي كنّ يجدنها في تلك المراكز.

البحث عن حلول

لمواجهة هذا التراجع، يقترح الفضلي جملة من الحلول، في مقدمتها بناء قدرات الكادر الإداري لإدارة محو الأمية عبر توفير ميزانية تشغيلية تسمح بمتابعة المراكز وتقييم أدائها بانتظام، إضافة إلى توفير المناهج الدراسية سواء عبر جهاز محو الأمية وتعليم الكبار في عدن أو من خلال طباعة خاصة في المديرية. كما يشدد على ضرورة زيادة عدد العقود الممنوحة للمعلمات بما يغطي الاحتياجات كافة، ورفع المستحقات المالية لتحفيزهن على الاستمرار.

فيما تقترح الصنوي التشبيك مع منظمات محلية ودولية لتعليم النساء الأميات وتدريب المعلمات، إلى جانب تفعيل مراكز تدريب وتأهيل النساء في المديريات، بحيث يجمع البرنامج بين محو الأمية والتعليم المهني، ما يمنح النساء فرصة لاكتساب حرفة أو مهنة إلى جانب تعلم القراءة والكتابة.

وتشير إلى أن خطة إدارة تنمية المرأة لعام 2026م تتضمن تدريب المدرسات في مراكز محو الأمية، وترميم أحد مراكز التدريب النسوي المتوقفة بسبب الحرب، وفتح فروع جديدة في القرى المجاورة لتحفيز النساء على الالتحاق بالتعلم.

ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تقف مراكز محو الأمية في اليمن على شفا الانهيار، رغم أنها تعتبر حيوية لتزويد المجتمعات بفرصة ثانية للتعليم وتحسين سبل عيشهم، وإذا ظلت هذه التحديات دون معالجة، فلن تتعرض آفاق التعافي التعليمي للخطر الشديد فحسب، بل ستظل التنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل للمجتمعات بعيدة المنال، بحسب البرنامج.

*صور الغلاف: أحد مراكز محو الأمية التي لا تزال مفتوحة في مديرية المعافر(ريف اليمن)

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: