تسويق المحاصيل في اليمن: لماذا لا يستفيد المزارع؟

عماد السامعي
عماد السامعي

رغم أن الزراعة تمثل شريان حياة الملايين من اليمنيين ولا سيما في الأرياف يحث يمثل سكان الريف 70 في المئة من اليمنيين. ويعتمد أكثر من 50 في المئة من هؤلاء على الأنشطة الزراعية لتحقيق جزء من دخلهم على الأقل، إلا أن المزارع اليمني يظل الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج والتسويق الزراعي.

ففي الوقت الذي تباع فيه المحاصيل الزراعية في الأسواق بأسعار مضاعفة، يجد المزارع نفسه مجبراً على بيع منتجاته بسعر لا يغطي تكاليف الإنتاج وأحياناً بدون تحقيق أرباح تعينه على الاستمرار.

ما هو التسويق الزراعي؟

يشير التسويق الزراعي إلى سلسلة من العمليات تبدأ منذ الحصاد وحتى وصول المنتج إلى المستهلك، وتشمل: الفرز، التعبئة، النقل، التخزين، الترويج، والبيع. ويهدف إلى ضمان حصول المزارع على سعر عادل، وتوفير المنتج للمستهلك بجودة مناسبة، وفي الوقت والمكان المناسبين.

تمر عملية التسويق الزراعي بمراحل:

  1. اختيار المحصول وفقاً لحاجة السوق.
  2. إعداد المحصول بعد الحصاد.
  3. النقل والتخزين الآمن.
  4. الترويج والتسويق والبيع بالسعر المناسب.

أي خلل في هذه المراحل يؤدي إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة على المزارع وعلى الاقتصاد الوطني، وتحتاج كل خطوة لمعرفة وإدارة، وممكن هناك خطوات أخرى تحتاج الزراعة اليمنية العمل بها إذا كانت تسعى لتصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج، حيث تفرض كثير من الدول معايير للاستيراد.

تشويه منظومة التسويق

في العديد من المحافظات اليمنية، يتم إصدار نشرات يومية بأسعار السلع الزراعية، لكنها موجهة غالباً لبائعي التجزئة أو البسطات دون أن تأخذ بالحسبان التكلفة الحقيقية لإنتاج المحاصيل، والتي يحددها المزارع حيث تحتاج إلى تقييم حقيقي.

هذا يعني أن المزارع لا يشارك فعلياً في تحديد السعر، بل تُفرض عليه آليات السوق ومضاربات الوسطاء وهيمنة المحتكرين على السوق الذين يحققون أرباحاً تصل إلى 300% بمعاونة شبكة واسعة من تجار الجملة والتجزئة.

غالباً ما تنتهي رحلة المحاصيل الزراعية في الأسواق المركزية، حيث يكون المزارع مضطراً لبيع منتجاته بسرعة لتجنب الخسائر الناتجة عن التلف أو كلفة النقل أو الإقامة. وفي هذه الأسواق يتحكم الوسطاء وتجار الجملة بالأسعار، ويشترون بأسعار رخيصة من المزارع ثم يعيدون البيع بأسعار مضاعفة دون أي رقابة فاعلة.

ما يفاقم المشكلة هو غياب التنظيم الحكومي في العديد من الأمور منها: الضعف في عملية توزيع الأرباح بين المزارعين وتجار الجملة وتجار التجزئة، وعدم مساعدة المزارع في بيع محصوله بطريقة واضحة وسهلة، وعدم الموازنة بين كمية المحاصيل الموجودة في الأسواق والكميات التي يحتاجها الناس.

ولا توجد جهة مهتمة تجعل المزارع هو الأساس في البيع والشراء، ولا يتم سؤاله عن تكاليف الزراعة والإنتاج ليتم بعد ذلك إصدار نشرات الأسعار، ولا يتم مساعدته في نقل المحصول أو حفظه أو بيعه.

وتعد أحد أسباب تراجع الإنتاج الزراعي يرجع إلى عدم وجود سياسة تسويقية صحيحة تضمن للمزارع تسويق محصوله بأسعار تغطي تكاليف الإنتاج وتحقق له أرباحاً تشجعه على الاستمرار، بالإضافة إلى عدم وجود مراكز تخزين تساعد المزارع على تخزين إنتاجه بدلا من عرض منتوجه بأسعار لا تغطي تكاليف الإنتاج.

كيف دعمت الدول صغار المزارعين؟

الهند، البلد الزراعي الضخم، أطلقت المنصة الوطنية للتسويق الزراعي e-NAM التي تربط المزارعين بالتجار مباشرة في جميع الولايات. تتيح هذه البوابة الرقمية للمزارع عرض منتجه بسعر السوق العادل، دون تدخل وسطاء. تدعم الحكومة المنصة بخدمات الوزن، والفحص، ومراكز جمع محلية، ونقل مبرد، ما أدى إلى رفع دخل المزارعين وخفض التكاليف.

أما في المملكة العربية السعودية، فتقوم وزارة البيئة والمياه والزراعة بتنظيم ومراقبة الأسواق الزراعية المحلية من خلال:

  • تنظيم الأسواق الزراعية المحلية.
  • فرض أنظمة ولوائح تمنع التلاعب بالأسعار أو استغلال المزارعين من قبل التجار.
  • تحسين سلسلة الإمداد من المزرعة إلى المستهلك.
  • الوزارة تسعى لتمكين المزارعين من الوصول المباشر للأسواق وتحقيق أسعار عادلة.
  • تُفعّل مبادرات مثل “التسويق الإلكتروني للمنتجات الزراعية” و”تطبيق مرشدك الزراعي”، الذي يربط المزارعين مباشرة بالمستهلكين.

هل يمكن تطبيق هذه التجارب في اليمن؟

نعم، من الممكن أن تنجح هذه التجربة في اليمن، لكن نجاحها يعتمد على تهيئة مجموعة من العوامل الأساسية وتجاوز بعض التحديات من خلال:

  •  تبنّي دور حكومي تنظيمي واضح: تحتاج الحكومة اليمنية أو الجهات المحلية إلى لعب دور منظم ورقابي للأسواق الزراعية، لمنع استغلال المزارعين والتحكم في الأسعار، وإصدار لوائح تحمي المنتج الزراعي وتدعم وصوله العادل للسوق.
  • دعم الجمعيات التعاونية الزراعية: تفعيل دور الجمعيات التعاونية كوسيط نزيه بين المزارعين والسوق، وتوفير التدريب والدعم الفني والمالي لها، حيث يمكن أن تجمع الإنتاج وتسوّقه بشكل جماعي، ما يعزز القدرة التفاوضية للمزارع اليمني.
  • إنشاء منصات تسويق إلكتروني: تطوير تطبيقات أو مواقع بسيطة، -حتى وإن كانت محلية أو عبر فيسبوك او المنصات المستخدمة في اليمن في البداية- لعرض المنتجات الزراعية وبيعها مباشرة للمستهلك أو التاجر النهائي.
  • الاستفادة من التطبيقات الإرشادية: تبني نموذج شبيه بتطبيق “مرشدك الزراعي”، لتقديم إرشادات زراعية، وتنبيهات طقسية، ونصائح حول التسميد والوقاية من الآفات.

بالإضافة الى وجود عوامل لنجاح التجربة منها، وجود منظمات دولية مهتمة بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي، حيث يمكن البدء في بعض المحافظات الزراعية المستقرة كنقطة انطلاق لهذه التجربة.

يمكن أيضاً الشراكة مع كليات الزراعة في الجامعات اليمنية لتطوير محتوى إرشادي محلي يناسب البيئة اليمنية من خلال تبسيط المفاهيم والخطوات، وتوعية المزارعين بأهمية التسويق الجماعي والرقمي من خلال حملات إعلامية موجهة.

نزيف اقتصادي

عدم تنظيم تسويق المحاصيل لا يُهدد دخل المزارعين فحسب، بل يؤثر سلباً على الأمن الغذائي الوطني. فعندما يعزف الناس عن الزراعة، تُترك الأراضي الزراعية بدون استغلال ويُستبدل الإنتاج المحلي بالاستيراد، ما يزيد الضغط على العملة الوطنية ويُضعف السيادة الغذائية.

وتشير بيانات منظمة مشروع تقييم القدرات «ACAPS» إلى أن اليمن تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية رغم إمكاناتها الزراعية، في الوقت الذي يواجه صعوبات كبيرة في تسويق الإنتاج الزراعي نتيجة تحديات كبيرة وغياب الإستراتيجية الوطنية.

كما أن الخسائر الموسمية الناتجة عن تلف المنتجات الزراعية بسبب نقص سلاسل التبريد أو مراكز الجمع والتخزين، تُكلّف الاقتصاد اليمني مبالغ طائلة سنوياً، فضلاً عن إهدار الجهود البشرية والموارد الطبيعية.

أهمية الإرشاد الزراعي

من العوامل الأساسية في إصلاح التسويق الزراعي هو تفعيل دور الإرشاد الزراعي، حيث يمكن للمهندسين الزراعيين المؤهلين لعب دور محوري في ربط المنتج بالأسواق، وتدريب المزارعين على أساليب التعبئة والتغليف والتسويق، وتقديم الاستشارات حول الجدوى الاقتصادية لكل محصول.

ينبغي أن تبدأ وزارة الزراعة أولاً بحصر عدد المهندسين الزراعيين المؤهلين، ثم توزيعهم على مراكز إنتاجية ضمن خطط واضحة، تشمل أيضاً توعية المستهلك بأهمية دعم الإنتاج المحلي، وتشجيع السوق على إعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية.

  • الحلول المقترحة

لمعالجة أزمة التسويق الزراعي في اليمن، يمكن تبني الحلول التالية:

  1. إنشاء أسواق زراعية مركزية بإشراف حكومي.
  2. إطلاق منصة إلكترونية وطنية لتسويق المنتجات الزراعية
  3.  تفعيل الزراعات التعاقدية.
  4. دعم وسائل النقل المبرد والمستودعات الزراعية.
  5. إعفاء المنتجات الزراعية المحلية من بعض الرسوم.

ختاماً..
الزراعة في اليمن ليست فقط قطاعاً اقتصادياً، بل قضية أمن وطني واجتماعي. تنظيم تسويق المحاصيل الزراعية لا يتطلب تمويلات ضخمة، بل تخطيطاً دقيقاً وإرادة سياسية.

إذا تم الاهتمام والدعم للمزارع وتم تمكينه من أدوات التسويق، يمكن أن تتحول الزراعة إلى أحد العوامل الاقتصادية الكبيرة التي تؤدي إلى تنمية حقيقية، وتُحقق الاكتفاء الذاتي، وتُنعش الريف اليمني الذي أنهكته سنوات الإهمال والنزاعات.

شارك الموضوع عبر:
المقالة السابقة
البيت الريفي: مصنع الاستدامة اليمني

كتابات

حالة الطقس

+20
°
C
H: +22°
L: +14°
صنعاء‎
السبت, 27 كانون الثاني
أنظر إلى التنبؤ لسبعة أيام
الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة
+23° +23° +23° +22° +23° +22°
+14° +14° +14° +14° +14° +14°
شاهد أيضا