هذا ليس سؤالاً افتراضياً، بل هو سيناريو كابوسي يقترب من الواقع في اليمن يوماً بعد يوم. مع انخفاض منسوب المياه الجوفية إلى مستويات خطيرة، لم يعد التحدي الذي يواجه كل مزارع مجرد كيفية ري أرضه، بل كيف يفعل ذلك قبل أن يتحول آخر بئر إلى كومة من التراب والغبار. في خضم هذه الأزمة، يصبح تغيير طريقة استخدامنا للمياه مسألة بقاء، وليس خياراً.
وفي دراسة سابقة قامت بها الأمم المتحدة في اليمن في 23 مارس 2023، ذُكر أن “اليمن من أكثر دول العالم ندرة في المياه، حيث يتجاوز سحب المياه الجوفية الحالي معدل إعادة التغذية السنوية. ويهدد تناقص موارد المياه الجوفية الإنتاج الزراعي بشكل مباشر، إذ يستحوذ القطاع الزراعي على 90% من سحب المياه”.
أمام هذا المشهد القاتم، يبرز مفهوم ترشيد المياه ليس كخيار ثانوي أو ترفٍ زراعي، بل كطوق نجاة لمستقبل بلد كامل. إن ترشيد المياه يعني إطالة عمر الآبار، وحماية الزراعة، وتأمين الغذاء، وتجنب الانهيار المائي القادم.
ترشيد المياه
ترشيد المياه هو استخدام أقل كمية من المياه في ري المحاصيل الزراعية مع عدم الإسراف في مياه الري. علماً أن النباتات المزروعة تأخذ حاجتها فقط من الماء، بينما الباقي يتسرب في التربة أو قد يكون مضراً للنباتات في حالة عدم التصريف الجيد، ويمكن أن يتم ترشيد المياه من خلال وسائل حديثة:
- الري بالتنقيط: يُوضع الماء نقطةً نقطة عند جذور النبات؛ حيث تصل نسبة توفير مياه الري في هذه التقنية إلى حوالي 90 في المائة.
- الري بالرش: يشبه المطر الصناعي؛ يوفر نحو 70‑85 في المائة من مياه الري.
- الري السطحي (غمر أو قنوات): قد يحقق توفيرا مائيا يصل الى حوالي 30‑6٠ في المائة.
- الري تحت السطح: يُوصّل الماء تحت الأرض لقرب الجذور، وقد تصل نسبة توفير المياه الى حوالي 95‑98 في المائة.
- الزراعة المائية: الزراعة في الماء فقط بدون تربة، ويعيد استخدام الماء داخل النظام؛ قد تقلل استهلاك مياه الري بنسبة تصل إلى 90 في المائة مقارنة بطرق الري التقليدية.
رغم أن الزراعة في اليمن تمثل حوالي 5–10% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها تستهلك 90% من المياه التي يتم سحبها، مقابل متوسط عالمي يبلغ 70%. يذهب جزء كبير، حوالي 30%، من كميات المياه الهائلة هذه التي يتم سحبها في زراعة القات، بحسب دراسة سابقة لمنظمة الفاو بتاريخ 16 أكتوبر 2023.
مشكلة المياه في اليمن
اليمن يُعد من أكثر الدول ندرةً للمياه في العالم، حيث يحصل الفرد اليمني على أقل من 100 متر مكعب من المياه سنويًا، مقارنة بمتوسط الفرد في الشرق الأوسط البالغ 631 م³.
ويتم السحب من المخزون الجوفي للمياه كمية أكبر بمرتين تقريبًا من الكمية التي تتجدد كل سنة بفعل الأمطار والسيول المتسربة إلى باطن الأرض، وهذا يؤدي إلى تناقص مستمر في المخزون المائي، حتى يصل للخطر بسبب استخدام موارد المياه الجوفية بشكل عشوائي في اليمن، ورأت منظمة الفاو أنه “إذا استمر استخراج المياه الجوفية بالمعدل الحالي، فإنه وبحلول عام 2030، سيتم استنفاد أحواض المياه”.
نماذج وبيانات مقارنة في حوض صنعاء، نجحت منظمة الفاو بتقليص كمية المياه المستخدمة للري بنسبة 19% (من 72.6 إلى 58.56 م³/هكتار سنويًّا)، باستخدام أساليب مثل “الري الحديث” والبنى التحتية المحسَّنة وزراعة الأشجار الدائمة.
وفي حضرموت – مشروع SIERY، أدى استخدام الأنظمة الحديثة للري (مثل التنقيط والرش) إلى خفض استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 40% إلى 80% حسب نوع المحصول (40–50% للحناء، 50‑60% للنخيل، 70‑80% للقرى).
بشكل عام، في اليمن، فعالية الري السطحي أقل من 45%، بينما باستخدام أنظمة الري بالتنقيط أو المرشات يمكن رفعها لأكثر من 80%.
يُساعد حصاد المياه على مكافحة الجفاف ودعم الأمن الغذائي؛ على سبيل المثال: أنشأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) خزانات حصاد مياه بسعة 250–350 متر³ في محافظة حجة، ما ساعد المزارعين على زراعة أراضٍ كانت جرداء سابقًا.
وفي بحث منشور في المجلة العلمية لجامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية (المجلد 17، العدد 2، 2012)، قدّر أن حصاد المياه من أسطح المباني يمكن أن يقلل الاعتماد على المياه الجوفية بنسبة 22% في المناطق الحضرية و33% في المناطق الريفية في صنعاء.
ترشيد المياه ليس رفاهية، بل ضرورة حتمية لمستقبل الزراعة والحياة في اليمن. التجارب المحلية، مثل تلك التي في حوض صنعاء وحضرموت وحجة، أظهرت أنه يمكننا توفير المياه وزيادة الإنتاج في نفس الوقت.
يحتاج الأمر إلى تقنية، تنظيم، ووعي من الجميع؛ من المزارع العادي إلى صانع القرار والعامل في الحقل والمرأة في البيت. لنحافظ معًا على كل قطرة من مائنا، لأن الحياة تبدأ من وجود الماء.
ماهي الحلول؟
- دعم المزارعين بتقنيات الري الحديثة؛ مثل التنقيط، والرش، والصوبات الزراعية.
- تشجيع المزارعين على إصلاح قنوات الري وتعبيدها لتقليل الهدر والتسرب.
- التشجيع على زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للماء بدلاً من القات، مثل البن اليمني الشهير.
- توعية المجتمع بالمشاكل الخطيرة التي ستواجه اليمن في حال تم استنزاف المياه الجوفية.
- وضع وتنفيذ قوانين صارمة تدعم ترشيد المياه، وتراقب عملية حفر الآبار وسحب الماء.
- العمل على حصاد مياه الأمطار سواء بدعم حكومي أو بالتعاون مع المنظمات الدولية.
وحصاد المياه هو عملية جمع وتخزين المياه في مواسم الأمطار أو السيول في خزانات أو برك سدود صغيرة أو تجميع المياه من أسطح المباني لاستخدامها لاحقًا سواء في الزراعة أو الشرب أو الاستخدامات المنزلية.