يُعد فصل الشتاء في اليمن ضيفًا ثقيلًا وغير مرحب به بين أوساط المجتمع، لا سيما في المجتمعات الريفية التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة اليومية، إذ يتحول إلى كابوس يؤرق حياة الأهالي والسكان، حيث يواجهون تحديات وصعوبات جمة في الحصول على المياه والخدمات الأساسية الأخرى.
والشتاء هو أحد الفصول الأربعة للسنة، يأتي بعد الخريف ويبدأ فلكيًا من 21 ديسمبر وينتهي في 20 مارس. خلال هذه الفترة، تزداد برودة الجو وتتساقط الأمطار، وقد تتساقط الثلوج في بعض المناطق حسب الموقع الجغرافي.
مع دخول فصل الصيف على نصف الكرة الجنوبي، تشهد المناطق الواقعة في نصف الكرة الشمالي قصرًا في ساعات النهار وطولًا في ساعات الليل، بينما يزداد طول النهار وينقص الليل في نصف الكرة الجنوبي.
مواضيع ذات صلة
-
أمراض الشتاء.. كابوس يُنغص حياة سكان الريف
-
ريف إب: برد الشتاء يُضاعف معاناة عُمال اليومية
-
مأرب.. صقيع الشتاء يضاعف معاناة النازحين
وبالنسبة لليمن، فإن فصل الشتاء يحل عادةً في الفترة الممتدة من شهر ديسمبر وحتى شهر فبراير. تتميز هذه الفترة باعتدال درجات الحرارة في معظم المناطق، بينما قد تشهد المرتفعات الجبلية انخفاضًا ملحوظًا في درجات الحرارة، وقد تتساقط الأمطار أحيانًا.
تسميتة والعادات الإجتماعية
كلمة الشتاء في اللغة العربية مشتقة من الفعل شتا، الذي يعني “أصابته الأمطار” أو “صار ذا مطر”. أما جمعها فهو أشتية. ويُطلق على هذا الموسم شعبيًا اسم الشتوية.
اعتاد الأفراد في هذا الموسم، سواء كانوا أفراد العائلة أو الأقارب أو الجيران والأصدقاء، التحلق حول مائدة النار أو الكانون طلبًا للدفء، وهي عادة اجتماعية راسخة تعكس روح التجمع والتآزر خلال الأيام الباردة.
يستمر السهر والسمر حتى ينطفئ جمر النار أو يكاد. ففي تلك الليالي، اعتاد الآباء والأجداد الاستماع إلى قاصٍّ شهير في القرية، أو أحد الأقارب، يروي لهم قصصًا من التراث العربي الأصيل، مثل قصص عنترة بن شداد وعبلة بنت مالك، والزير سالم، وتغريبة بني هلال.
ولا تخلو هذه الجلسات من النكات والفوازير، التي كانت تُوجّه عادةً إلى الفتيان والفتيات، مضفيةً جوًا من المرح والتفاعل على هذه التجمعات العائلية.
بينما يتمنى الكهول الجالسون حول النار ازدياد الأمطار لزيادة المحصول في الموسم القادم، فإنهم لا يتوقفون عن ذكر ورواية أحداث جرت لهم في سنوات شبابهم بسبب الأمطار الغزيرة وفيضانات الأودية.
بالمقابل، يروون ذكريات عن سنين عجاف، عزَّ فيها المطر وجف الزرع وتراجع المحصول، مما يعكس عمق ارتباطهم بالطبيعة وتقلباتها.
الشتاء فصل قاسي في اليمن
يكون فصل الشتاء بارد وفيه تقع موجات الصقيع التي تدمر المحاصيل، وتهب الرياح الباردة، وتهاجر الطيور خلال هذا الفصل بحثًا عن مناطق أكثر دفئًا. ومن الجدير بالذكر أن الشتاء يستغرق 93 يومًا في نصف الكرة الشمالي، و89 يومًا في نصف الكرة الجنوبي.
الحاج حسين، ذو الستين عامًا، والمنحدر من ريف السياني جنوب محافظة إب وسط اليمن، يصف موسم الشتاء بأنه أقسى أيام السنة، خصوصًا خلال النصف الثاني من فصل الشتاء.
يقول حسين لمنصة “ريف اليمن” إن البرد القارس يضاعف حدة المعاناة، خاصةً في صفوف عمال اليومية الذين يسابقون شروق الشمس في الصباح الباكر طلبًا للرزق وتأمين متطلبات الحياة اليومية.
ويضيف أن السكان يواجهون صعوبات في الحصول على المياه خلال فصل الشتاء، بسبب شح المياه الجوفية والعيون والينابيع المنتشرة في العديد من المناطق الريفية في اليمن، والتي يعتمد عليها السكان في تأمين مياه الشرب.
وفي حين يتذمر حسين من قسوة الشتاء يُعد الفصل المفضل للأغنياء؛ فهم يملكون ما يقيهم قسوته ويزيد، بينما يواجه الفقراء، الذين لا يملكون سوى أرواحهم، تحديات مضاعفة في هذا الفصل.
فترات الشتاء وتقسيماته المناخية
تُسمى الفترة الأولى من فصل الشتاء الأربعينية أو المربعانية، وتدوم أربعين يومًا. تمتد هذه الفترة من صباح يوم 23 ديسمبر وحتى مساء 31 يناير. يتميز طقس المربعانية ببرودته الشديدة وعواصفه المستمرة طوال فترة الأمطار.
تُسمى الفترة الثانية من فصل الشتاء الخمسينية، وتنقسم إلى أربع فترات متساوية، تحمل كل منها اسم “سعد”. وهي كالتالي:
- سعد الذابح: تمتد لمدة 12.5 يوم، وتبدأ صباح اليوم الأول من فبراير وتنتهي في منتصف اليوم الثالث عشر منه. سميت هذه الفترة بسعد الذابح نسبةً لكميات الأمطار الغزيرة التي تهطل فيها.
- سعد بلع: تمتد هذه الفترة 12.5 يومًا تلي سعد الذابح. تتميز بأن الأرض تبتلع الأمطار التي تهطل بغزارة خلالها، ويُقال حينها “الأرض وسيعة”؛ لتعكس قدرة الأرض على امتصاص كميات الأمطار الهاطلة.
- سعد السعود: يمتد حتى الأيام الأولى من شهر مارس، ما يعني أن شهري فبراير ومارس يشتركان فيه. يُقال في هذه الفترة: “في سعد السعود تدور المية في العود”، أي تبدأ العصارة بالتحرك في أغصان الأشجار، ويمكن ملاحظة ذلك عند كسر أي غصن صغير من الشجرة.
- سعد بلع: وهي 12.5 يوم التي تلي سعد الذابح وتمتاز هذه الفترة بأن الأرض تبتلع الأمطار التي تهطل طوال هذه الفترة ويقال حينها ان الأرض وسيعة لتعكس قدرة الأرض على ابتلاع كمات المطر التي تهطل .
أما سعد السعود: فهو يمتد إلى الأيام الأوائل من شهر مارس . بمعنى أن شهري فبراير ومارس يشتركان فيه. ويقال ” في سعد السعود تدور المية في العود”. أي تتحرك العصارة في أغصان الأشجار. وتلاحظ هذه العصارة عند كسر أي غصن صغير من شجرة.
سعد الخبايا: سمي بهذا الاسم لأن الأفاعي ومثيلاتها تخرج من جحورها بعد فترة السبات الشتوي الطويلة. يعود ذلك إلى أن الشمس بدأت ترسل أشعتها على الأرض، وازدادت حرارة الجو، واكتست الأرض بالأزهار ومختلف الأعشاب بفعل أشعة الشمس وحرارتها التي تبعث الحياة.
لا تقتصر هذه الظاهرة على الأفاعي فحسب، بل تشمل أيضًا العقارب، والسحالي، والضفادع، والحراذين، وغيرها من الزواحف التي تنشط صيفًا وتبيت شتاءً.
المحاصيل الشتوية في اليمن
تُزرع العديد من المحاصيل الشتوية الهامة في اليمن، منها:
- القمح: يُعد من المحاصيل الاستراتيجية، ويُزرع في النصف الأول من نوفمبر وحتى بداية ديسمبر.
- البطاطس: تُزرع بدايةً من أكتوبر، وتكون الزراعة الأساسية في منتصف ديسمبر.
- الشعير والبر والعدس والدِجرة: تُزرع هذه المحاصيل خلال موسم الصربي.
ويعتمد القطاع الزراعي اليمني بشكل كبير على الأمطار، مما يؤدي إلى تذبذب مستوى الإنتاج من سنة لأخرى.
كما يتميز الشتاء في اليمن بتنوعه المناخي؛ حيث يكون دافئًا نسبيًا في المناطق الساحلية وأكثر برودة في المرتفعات. ورغم قلة الأمطار بشكل عام، إلا أن لهذا الفصل تأثيرًا كبيرًا على حياة السكان، خاصةً الفئات الأكثر ضعفًا.