المخا مدينة أقدم الموانئ العربية، في ساحل البحر الأحمر، ورد اسمها في النقوش اليمنية القديمة، ولعبت أدوارًا تاريخية هامة قبل الإسلام وبعده، وصولًا إلى تاريخ اليمن الحديث.
ارتبط اسم مدينة المخا بمنتج زراعي يمني شهير وهو البن، الذي كان من أهم السلع التي تُصدَّر إلى الخارج عبر مينائها القديم، الذي كان يعد ميناءً لتصدير العديد من المنتجات اليمنية الأخرى مثل الصبر، والبخور، وأعواد الأراك، والزبيب وغيرها من المنتجات اليمنية.
مواضيع ذات صلة
-
البحر الأحمر.. موقع إستراتيجي دولي غرب اليمن
-
جزيرة كمران.. طبيعة فريدة في البحر الأحمر
-
مدينة الخوخة: لؤلؤة الساحل الغربي في اليمن
الموقع والمساحة والسكان
تقع مدينة المخا على ساحل البحر الأحمر وتبعد نحو 75 كيلومترًا عن مضيق باب المندب، وتتبع إدارياً محافظة تعز. وتبلغ مساحتها 1,617 كيلومترًا مربعًا.وتضم المديرية أربع عزل ويبلغ عدد سكانها نحو 62,471 نسمة، بحسب التعداد السكاني لعام 2004.
تتميز مدينة المخا بكونها منطقة ساحلية وذات تضاريس منخفضة نسبياً، كما تضم المدينة شواطئ رملية جميلة مثل شاطئ الزهاري وشاطئ الملك، بالإضافة إلى مناطق طبيعية غنية بأشجار النخيل، كما تتميز بمناخ دافئ نسبياً في فصل الصيف، ومعتدل في فصل الشتاء وتسقط الأمطار بكميات قليلة.
نبذة تأريخية
تعد المخا من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية ولها تاريخ عريق فهي ذات أهمية تاريخية كبيرة إذ ورد اسم مدينة المخا في بعض الأساطير القديمة باسم “نخوان”، نسبة إلى أول أسرة حكمت المدينة في ذلك الحين.
استولى الأحباش مرحبا على مدينة المخا في عام 517 ميلادية وجعلوها مركزا انطلقوا منه للاستيلاء على كامل اليمن، لكن الملك ذو نواس الحميري استطاع إيقافهم، وطردهم من البلاد عام 518م، لكنهم عادوا إليها عام 525.
كما تعرضت المخا لعدة حملات عسكرية على مر تاريخها، أبرزها حملات البرتغاليين نهاية القرن الـ11 ميلادي، وكانت تهدف إلى السيطرة على السواحل اليمنية.
سيطر عليها العثمانيون عام 954 هجرية (ويوافق بالميلادي 1547 و1548)، وجعلوها موقعا عسكريا ينطلقون منه لشن غاراتهم على البرتغاليين. وجعلوا الإمام اليمني محمد المؤيد الأول عام 1636 واليا عليها.

ميناء المخا
يعتمد سكان مدينة المخا على الزراعة والرعي والصيد البحري، بالإضافة إلى عائدات الأنشطة الاقتصادية كأعمال الشحن والتفريغ في ميناء المخا، وأعمال النقل والتخزين، وعائدات التجارة والحرف اليدوية حيث تنتج المدينة محاصيل زراعية مثل الحبوب والفواكه والتمور والسمسم والتبغ والقطن.
يتميز ميناء المخا بتاريخ عريق وأهمية اقتصادية، حيث كان ميناء المخا في القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين الميناء الرئيسي لتصدير البن اليمني عالي الجودة إلى جميع أنحاء العالم، حتى أن اسم المدينة أصبح يطلق على نوع من القهوة (موكا).
يمتد الميناء في مساحة كبيرة تبلغ نحو خمسين ألف متر مربع، وساهم تاريخياً في ازدهار المدينة، حتى اعتبر أهم ميناء في الخليج ودول القرن الأفريقي، ويعد من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، بنته شركة هولندية عام 1978.
وينفرد الميناء بخصائص إستراتيجية فهو يربط بين أوروبا وشرق أفريقيا وجنوب غربي آسيا بالإضافة إلى الشرق الأوسط، كما أنه قريب من باب المندب ودول القرن الأفريقي وبحر العرب.
في أواخر القرن 19 بدأ ميناء المخا بفقدان أهميته مع ازدهار ميناء عدن وميناء الحديدة، بالإضافة إلى ما عانت منه مدينة المخا من تدمير لقلاعها وهدم لمنازلها وقصورها الفخمة ومتاجرها الكبيرة، وتحولت تجارة اليمن إلى مدينة عدن وميناء الحديدة غربي اليمن.

المعالم الأثرية والتاريخية
تشتهر مدينة المخا بالعديد من المعالم التاريخية والأثرية التي تعكس تاريخها العريق كمركز تجاري وديني. ومن أبرز المعالم: جامع الشيخ الشاذلي وهو من أهم المعالم الدينية في المدينة، وهو تحفة معمارية فريدة ويُعد مكاناً مهماً للزيارة من قبل السكان المحليين والزوار.
كما تضم مدينة المخا بقايا الميناء القديم الذي كان في يوم من الأيام أحد أنشط الموانئ في العالم، وهو ما يجسد فترة ازدهارها التجاري العالمي، إذ يمكن رؤية بقايا الأرصفة والمباني القديمة التي كانت شاهدة على تجارة البن الشهيرة.
المنارات القديمة: كانت المنارات في المخا تلعب دوراً حيوياً في إرشاد السفن التجارية القادمة من مختلف أنحاء العالم. على الرغم من أن بعضها قد تضرر بمرور الزمن، إلا أن بقايا هذه المنارات لا تزال موجودة، وتُعد شاهداً على الأهمية الملاحية للمدينة.
وتضم مدينة المخا بقايا بعض القصور والمنازل الأثرية التي تعود إلى فترات سابقة، والتي تتميز بطابعها المعماري الفريد الذي يجمع بين التأثيرات المحلية والأجنبية، خاصة مع وجود التجار من مختلف الجنسيات.
بن موكا إرث اليمن العريق
يعد اليمن من الدول الأولى التي زرعت البن وصدرته إلى العالم إذ عرف أن اليمنيين زراعة البن في القرن الخامس الميلادي، فيما كان أبو بكر الرازي من أوائل العلماء الذين ذكروا القهوة اليمنية في كتاباته في القرن التاسع الميلادي.
واتفق كثير من المؤرخين على أن الفقيه الصوفي عليا ابن عمر الشاذلي هو أول من جلب القهوة إلى المخا، وقيل إنه ذهب في رحلة إلى الحبشة وهناك عرف “البن” وأحضره معه إلى مدينته.
وكان البرتغاليون -الذين غزوا الساحل الغربي من البلاد- من أول الأوروبيين الذين جربوا وتذوقوا القهوة اليمنية عندما استضافهم شيخ المخا وقدم لهم “مشروبا أسود ينعش الجسم ويريح البال”.
وبعد ذلك انتقل مشروب القهوة إلى مكة والمدينة ومنهما إلى القاهرة ودمشق، ومنهما إلى إسطنبول، ومنها انتشرت القهوة في أوروبا ثم إلى العالم.
وكانت أول صفقة تجارية للبن اليمني في المخا مع الهولنديين عام 1628.
ارتباط اسم ميناء المخا الذي لايزال إلى يومنا مرفأ هاما على الساحل الغربي للبلاد بالبن خلال القرون الماضية وأصبح يمثل دلالة تاريخية على جودة وتميز مذاق البن القادم من الأراضي اليمنية، متفوقاً على أي قهوة أخرى في العالم.