يحرص المزارعون في اليمن، خلال القيام بإصلاح الأراضي والمساحات الزراعية -سواءً في الوديان أو الحقول- على استخدام العديد من الطرق، أبرزها “المقلح” في إتمام عملية الري.
“أحمد سعد ( 64 عاماً)”، أحد المزارعين بريف السياني جنوبي محافظة إب (وسط اليمن) يستخدم المقلح في مزرعته، فهو يحرص قبل هطول الأمطار الموسمية صيفاً، على إنشاء المقالح؛ من أجل حفظ المياه في ري النباتات والأشجار.
ما هو المقلح الزراعية؟
والمقلح هو حُفرة صغيرة يقوم المزارع بحفرها، بهدف استيعاب كمية كبيرة من المياه في النباتات، حيث تختلف أحجامها بحسب الأشجار المزروعة؛ ففي الثمار والمحاصيل الكبيرة يكون حجمها أكبر، ولها مسميات مختلفة في مختلف المحافظات اليمنية.
يؤكد المزارع سعد لمنصة ريف اليمن بأنه يستخدم المقالح في جميع مراحل الأعمال الزراعية المتنوعة، والذي يطلق عليها المزارعون (السُلاق والثنية، وصولاً إلى مرحلة الحفرة)، والتي تعد آخر الأعمال في الموسم الزراعي عند زراعة حبوب الذرة الرفيعة والذرة الشامية، وغيرها من المحاصيل.
كما أن المقلح قد يكون ذا حجم أكبر، ويقوم بوظائف عديدة قد تتجاوز حصاد وحفظ كمية كبيرة من المياه ليستفيد منها المزارع في عملية سقي الثمار في المزرعة.
وأوضح “فؤاد الصيادي” الخبير في التعافي الاقتصادي وسبل العيش بأن “المقلح هو قناة عميقة، غالبًا ما تكون مصحوبة بجدار كبير في الطرف العلوي منها حتى لا تهدمها السيول، يساعد هذا الجدار في إيقاف أو إبطاء تدفق المياه وتراكم الرواسب خلفه”.
وأضاف -بمنشورعلى فيسبوك- “يتم دمج المقلح مع مكونات أخرى للنظام الهيدروليكي، مثل القنوات والسدود، والمقلح يتخللها في أكثر من موقع لضمان استراتيجية إدارة مياه متماسكة وفعالة”.

وظائف المقلح
للمقلح وظائف متعددة بناءً على أحجامه المختلفة؛ ففي المدرجات الزراعة بمحافظة إب وسط اليمن يحرص المزارعون على إصلاح المقالح يدويا لغالبية المزروعات، ومنها الذرة الرفيعة، وتتم بطرق مختلفة تتناسب مع مرحلة نمو المزروعات.
أولاً: جمع وإدارة مياه السيول:
يتم تصميم المقلح لجمع مياه الأمطار والجريان السطحي من الأمطار الموسمية، كما يساعد ذلك في إدارة الكميات الكبيرة من المياه التي تتدفق عبر الوادي خلال موسم الأمطار.
ومن خلال جمع وتعديل الجريان السطحي، يمنع المقلح قنوات الري من أن تغمر وتندفن بالرسوبيات؛ مما يضمن توزيعًا محكمًا للمياه.
ثانياً: منع انجراف وتآكل التربة:
- يساعد المقلح في منع تآكل التربة، فهو يقوم بكسر قوة السيل، وإبطاء تدفُّق المياه والسماح للرواسب بالاستقرار، ويحمي بذلك المدرجات والحقول الزراعية من الانجراف بفعل الأمطار الغزيرة والسيول.
- يعمل المقلح على حجز الرسوبيات، والتي يتم استخراجها لعمل حقول ومدرجات زراعية جديدة لتوسيع الرقعة الزراعية، وخلق مساحات خصبة قابلة للزراعة.
وتُعد التربة المصدر الأساسي لمعظم أنواع الغذاء، إذ لا يمكن زراعة المحاصيل دون وجود تربة خصبة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 95% من الغذاء العالمي مصدره التربة، مما يُبرز أهميتها الحيوية في تأمين احتياجات الإنسان، واستمرار الحياة.
اليمنيون الأوائل والمقلح
بحسب فؤاد الصيادي فقد قام أحد الخبراء في عام 1998 بدراسة للنظام الهيدروليكي لإدارة مياه الأمطار والسيول في ظفار، بمنطقة بيت الاشول في مديرية السدة بمحافظة إب.
وأوضح الصيادي بأن “هدف تلك الدراسة التعرف على نظام إدارة المياه بين الوفرة والندرة، ومعنى ذلك معرفة كيف استطاع اليمنيون الأوائل تصميم نظام يجنبهم كوارث السيول، وفي ذات الوقت يمكِّنهم من الاستفادة من المياه في ري الحقول الزراعية”.

ويضيف الصيادي: “مكونات النظام الهيدروليكي كان عدداً من السدود والقنوات والترتيبات لحواف الأرض الزراعية بما يضمن التهدئة والحجز والاستفادة، وكان من بين المكونات ما سموها بالمقلح”.
وحول سؤال: ما هو المقلح من وجهة نظر سكان المناطق التي قامت فيها حضارة دولة ظفار التاريخية؟، وما هو دوره في النظام الهيدروليكي؟، يجيب الصيادي بأن “المقلح هو عنصر أساسي في النظام الهيدروليكي لوادي بيت الأشول، وهو قناة يتم شقها بالاتجاه المعاكس لجريان المياه بحيث تقطعها، وتستوعب جزءاً منها، وليست كقناة الري التي تبنى بشكل متعامد مع جريان المياه لتمر من خلالها الى الحقول. ويخدم المقلح وظائف متعددة وضرورية للإدارة الفعالة للمياه والتربة في هذا النظام الزراعي”.
وبشأن دور المقلح في النظام الهيدروليكي للوادي، يؤكد الصيادي أنه “عندما صمم اليمنيون القدامى المقلح لم يعتبروه مجرد قناة بسيطة؛ بل مكوناً متطوراً يجمع بين المعرفة المحلية الواسعة، والخبرة التقنية لديهم”.
وأضاف: “يساهم المقلح بشكل كبير في فعالية النظام الهيدروليكي المتكامل، ويحمي بقية مكوناته من سدود وقنوات وأرض زراعية”.
ويشكل العاملون في المجال الزراعي الشريحة الأكبر في البلاد، إذ يحتل القطاع الزراعي المرتبة الأولى في استيعاب العمالة بنسبة 54 في المائة، كما أنه يعد أحد دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني؛ مع مساهمته بحوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات المركز الوطني للمعلومات.
المصدر: ريف اليمن