قلعة القارة التاريخية: صمود منذ قرون

قلعة القارة التاريخية: صمود منذ قرون

تعتبر قلعة القارة من أشهر وأجمل القلاع الأثرية والتاريخية في اليمن وتقع في محافظة أبين جنوبي اليمن، وتمتاز بموقعها الاستراتيجي الحصين الذي يصعب الوصول إليها من جميع جوانبها، ويتم الدخول إليها فقط من البوابة الرئيسية التي تقع في الاتجاه الشمالي وتسمى “السدة”.

يعود تأريخها عهد أمارة حمير ذو ريدان، والتي نشأت قبل الميلاد وامتدت إلى نصف القرن الأول ميلادي (حوالي 110 ق.م حتى 525 م)، وتم ترميم القلعة في القرن السادس عشر الميلادي، وكانت تستخدم كمركز للحكم والسيطرة على المنطقة.

تتميز قلعة القارة بعمارتها الحجرية الفريدة، وتعد واحدة من أبرز النماذج العمرانية في جنوب شبة الجزيرة العربية، حيث تتربع منازلها فوق الجبال الشاهقة بشكل متناسق ومذهل، يحكي قصة تاريخ عريق، وتختزل القلعة رصيداً تاريخياً يمتد منذ قرون وما تزال القارة تحتفظ برونقها الجميل رغم الإهمال المستمر من قبل السلطات المتعاقبة منذ سنوات طويلة.


     مواضيع مقترحة 

الموقع الجغرافي

تقع قلعة القارة على جبل شاهق بارتفاع 2500 متر عن سطح البحر، وتحديدًا في مديرية رصد في محافظة أبين ويصل ارتفاع جبل القارة عن مركز المديرية إلى 700 متر تقريبًا، وهي من ضمن الآثار التأريخية التابعة لمناطق يافع المنتشرة في اليمن.

تشرف قلعة القارة على مركز مديرية “رصد” من الاتجاه الجنوبي، وتُطِلُّ على وادي خيرات وشِريان من الاتجاه الجنوبي الغربي، كما تُطِلُّ على أجزاء من قرى السعدي من الاتجاه الشمالي، بينما يُطِلُّ الاتجاه الشرقي على منطقة مربَان ووادي ذي عسيم، بالإضافة إلى مناطق بعيدة تدخل في إطار مديرية سَبَاح.

قلعة القارة
حشود من الناس في مهرجان يافع التراثي يونيو 2025 (يحيى المريسي)

قصور ومصاعد عريقة

تحتضن القارة فوق قلعتها ما يقارب 25 قصرًا، أغلبها يتكون من أربعة إلى ستة طوابق، من أبرز هذه القصور قصر غمزان، الذي تعود ملكيته إلى أولاد السلطان غالب أبوبكر العفيفي، وقصر السلطان محمد عيدروس، آخر سلاطين آل عفيف.

تتمتع القارة بموقع استراتيجي حيث يتوسط موقعها مكاتب يافع السفلى بني قاصد وهي عبارة عن خمسة مكاتب وكل مكتب عبارة عن مجموعة من القبائل كما أن لموقع القارة الحصين والمتوسط بين المكاتب الخمسة تم اتخذها مقراً للسلطنة من قبل آل عفيف، وكان لكل مكتب من مكاتب يافع السفلى طريق يصعد من خلاله إلى جبل القارة تبعاً للموقع الجغرافي للمكتب.

على سبيل المثال قبائل مكتب كلد كانت تصعد من طريق تسمى “المنامة” وتقع في الاتجاه الجنوبي الغربي للجبل، بينما قبائل مكتب يهر تصعد و تتوافد من طريق تسمى “الأبواب” وتقع في الاتجاه الشرقي لجبل القارة، و تتوافد قبائل مكتب السعدي من طريق تسمى “المحراس الأقواد” وتقع في الاتجاه الشمالي الغربي لجبل القارة.

أما قبائل مكتب ذي ناخب فكانت تصعد من طريق تسمى “ذي عسيم الأقواد” وتقع في الاتجاه الشمالي للجبل، كما تتوافد وتصعد قبائل مكتب اليزيدي من طريق تسمى “مكيل تُنْفي” وتقع في الاتجاه الشمالي الشرقي للجبل، وتصعد القبائل الأخرى التي توجد في الاتجاه الشرقي للجبل من طريق تقع بالاتجاه نفسه وتسمى طريق “الذراع”.

كما أن جميع المصاعد التي تتوافد منها القبائل مرصوفة بالحجارة ومدعمة بالجدران ليسهل مرور الجمال والبغال منها، وبعد صعود جبل القارة تتجمع القبائل من جميع المكاتب في الاتجاه الشرقي للقلعة (القارة) في مكان يسمى (حبيل الجراشة) ومن ثم يبدأ الصعود لسلم القارة الحجري والدخول من بوابتها الشهيرة باسم (سدة القارة).

قلعة القارة
صورة عامة تظهر قلعة القارة التأريخية في إحدى مديريات يافع التابعة لمحافظة أبين

بوابة تاريخية

للقارة بوابة واحدة تسمى عند قبائل يافع (سدة القارة) تقع في الاتجاه الشمالي قبل الوصول إلى أعلاها 20 مترا تقريباً ومن بوابتها الشهيرة كان في الماضي يتم الدخول والخروج منها مروراً بطريق متدرجة مرصوفة بالحجارة تتسع لمرور جملين محملين في وقت واحد.

ولا وجود لأي منفذ آخر غير تلك السدة التي تمثل الممر الوحيد للقارة التي يصعب تسلقها لطبيعتها المحصنة من جميع الجهات ولا سبيل للوصول إليها إلا من خلال بوابتها الشهيرة التي ما تزال باقية حتى اليوم لتؤكد الأهمية العسكرية التي كانت تحتلها قلعة القارة التاريخية على مر التاريخ، ويعلو سدة القارة كهف كان يستخدم للجنود الذين يقومون بحراسة البوابة ويسمى “كهف النوبة” أي كهف المناوبة.

تمتلك القارة مجموعة كبيرة من المدافن أكبرها مدفن السلطنة الذي يطلق عليه مدفن “ألفي” لاتساعه لألف كيلة من الحبوب وجميع تلك المدافن تتمركز في الاتجاه الشمالي من القارة وبالتحديد في حبيل الجراشة، وجميع تلك المدافن في وضعية يرثى لها.

الدور التاريخي والسياسي

لا توجد مصادر دقيقة عن دورها في العصور القديمة، لكن موقعها الاستراتيجي يشير إلى أهميتها، لكن في القرن السابع عشر، استخدمها الأئمة القاسميون كمركز إداري وعسكري بعد ثورة الشيخ محمد بن معوضة بن عفيف عام 1655م.

بعد ثورة ثانية عام 1681م، أصبحت مقرًا لـ سلطنة آل عفيف، ومركزًا لتحالف القبائل الجنوبية ضد القاسميين، وأصبحت القارة منذ ذلك التاريخ مقرا لمؤسس السلطنة العفيفية معوضه بن محمد بن عفيف، وقبلة القبائل الجنوبية المتحالفة ضد الوجود القاسمي.

وتعاظمت أهمية القارة بعد ذلك لما مثلته من دور سياسي وعسكري واجتماعي تجاوز حدود السلطنة، لاسيما في عهد سلاطين آل عفيف الأوائل، الذين خاضوا حروبا عديدة خارج حدود يافع، والذين كانوا يخرجون بحملاتهم العسكرية من القارة مع أصوات طبل النحاس الشهير.

وبصورة عامة فقد تزايدت مع مرور الزمن مباني القارة وقصورها، وتكاثر سكانها، فإلى جانب أسرة آل عفيف التي كانت تتكاثر داخل القارة بصورة سريعة، استقر فيها العديد ممن ارتبطت مهنهم أو وظائفهم الإدارية أو العسكرية بمركز السلطنة.

في عام 1925م، أهدى البريطانيون السلطان عيدروس مدفعًا نُقل إلى القارة، وأصبح جزءًا من تقاليد المنطقة، زارها حاكم عدن البريطاني عام 1951م، مما يدل على أهميتها، رغم تراجع دورها في الخمسينيات لصالح المناطق الساحلية، استعادت أهميتها مؤقتًا خلال انتفاضة الأمير محمد بن عيدروس ضد البريطانيين عام 1957م.

بعد الاستقلال عام 1967م، أصبحت مركزًا إداريًا للجبهة القومية، لكن وعورة الطريق وصعوبة التموين أدت إلى نقل المركز إلى وادي رصد، هذا التغيير أدى إلى هجر القارة وتراجع أهميتها، لتتحول إلى رمز أثري يعكس عبقرية الجغرافيا وقسوة التاريخ.

لمحة عن الوضع الحالي

تواجه قلعة القارة إهمال مستمر من قبل السلطات المتعاقبة إذ تتعرض المباني التاريخية والمعمارية الفريدة للخراب والدمار خصوصاً خلال فترة هطول الأمطار الموسمية صيفاً، وتم استخدام أحجار قلعتها البيضاء المشهورة بأحجار “الياجور” من قبل السكان.

وفي أواخر يوليو/ تموز 2025، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” 26 موقعًا طبيعيًا وتراثيًا في اليمن على القائمة التمهيدية، من بينها مدينة القارة في يافع، ويُعدّ هذا الإنجاز خطوة تمهيدية لاعتماد قلعة القارة كموقع تراث عالمي رسمي، واعترافًا دوليًا بقيمتها الثقافية والمعمارية.

ومنذ نحو 6 سنوات تحتضن قلعة القارة التاريخية مهرجان التراث الثقافي والشعبي، والذي أصبح تقليداً سنوياً يُقام في رابع أيام عيد الأضحى المبارك، بحضورٍ جماهيري واسع من أبناء مديرية يافع وبقية المناطق حيث يعد محطة سنوية بارزة تساهم في ترسيخ وتعزيز الروابط الإجتماعية والثقافية.


المصدر: ريف اليمن + مواقع تأريخية

الكاتب

مواضيع مقترحة: