يعد قصر سيئون، في محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، أحد أبرز المعالم المعمارية والحضارية والتاريخية، ويتميز بكونه أحد أكبر المباني الطينية في العالم، وقد بُني من الطوب اللبن قبل أكثر من خمسة قرون.
استغرق بناء القصر 15 عامًا على مساحة تقدر بـ 5,460 مترًا مربعًا، ويتميز بتصميمه المعماري وهندسته الفريدة، مما جعله يظهر على العملة اليمنية فئة الألف ريال.
في أواخر يوليو/تموز 2025، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” 26 موقعًا طبيعيًا وتراثيًا في اليمن على القائمة التمهيدية، من بينها قصر سيئون التاريخي في حضرموت.
مواضيع مقترحة
-
حضرموت.. أكبر المحافظات مساحةً في اليمن
-
شبام حضرموت.. أقدم ناطحات سحاب
-
حضرموت: أسطورة الحضارة اليمنية بين الساحل والوادي
تاريخ قصر سيئون
تعددت الروايات التاريخية حول فترة تأسيس قصر سيئون، إذ يقول مؤرخون إنه تأسس كحصن لحماية مدينة سيئون في فترة تسبق ظهور الدولة الكثيرية. وقد استخدمت الدولة الكثيرية القصر لاحقًا مقرًا لسلطتها، وعملت على توسعته وتحديثه، لكن المصادر التاريخية لم تذكر من شيّده أو صمّمه.
يشير طراز البناء في قصر سيئون إلى أن عملية إنشائه قد تكون أقدم من ذلك بكثير، إذ يعود إلى القرون الهجرية الأولى، حيث صُمم ليكون حصنًا منيعًا خلال تلك الحقبة.
كان القصر يُعرف سابقًا باسم “حصن الدويل” قبل استقلال اليمن، وظل مقرًا لحكم الدولة الكثيرية منذ تأسيسها عام 1411. وفي عام 1516، اتخذ السلطان بدر بن عبد الله الكثيري، المعروف بـ “أبي طويرق”، مدينة سيئون عاصمة لدولته واتخذ الحصن مقرًا لإقامته وحكمه.
وتذكر بعض المراجع التاريخية أن اسم “حصن الدويل” استمر لمدة 540 عامًا، في عهد سلاطين الدولة الكثيرية الأولى والثانية والثالثة. وكان السلطان حسين بن علي بن منصور الكثيري آخر من سكنه قبل سقوط حكمه عام 1967.

عمارة فريدة من الطين
يتكون القصر من ستة طوابق مبنية من الطين واللبن “المدر”، بارتفاع يزيد على 25 مترًا. ويشمل القصر 96 غرفة، و32 حمامًا، و14 مستودعًا. وقد تم استخدام هذه الطوابق لأغراض مختلفة:
يضم الدور الأول: مستودعات ومخازن وسكن للخدم والعمال والدور الثاني مقر إدارة الدولة الكثيرية، ويضم الآن مكاتب فرع هيئة المتاحف والآثار في حين كان الدور الثالث مخصص لسكن العائلات.
أما الدور الرابع فكان مخصص لزوجات السلطان واستقبال الضيوف من النساء والدور الخامس والسادس: أسطح استخدمت للراحة والترفيه، وتوفر إطلالات بانورامية على المدينة.
مركز ثقافي حيوي
يُعدّ القصر أيضًا مركزًا ثقافيًا حيويًا، حيث يضم جزءًا منه مقرًا لفرع وزارة الثقافة، بالإضافة إلى مسرح مفتوح يتسع لأكثر من 5 آلاف شخص، بُني في عام 1982. وقد شهد القصر عمليتي ترميم رئيسيتين، الأولى في عام 1516 والثانية في عام 2001، وهو ما يؤكد أهمية الصيانة المستمرة للحفاظ على هذه التحفة المعمارية الفريدة.
أكثر من 50% من مساحة القصر تحول إلى متحف افتتح في عام 1983، ويعرض مجموعات أثرية وتراثية قيمة، منها: آثار قديمة تم جمعها من مواقع مختلفة في وادي حضرموت.
بالإضافة إلى آثار ونقوش تعود إلى عهد الممالك اليمنية القديمة والعصر الإسلامي، وموروث شعبي ووثائق قديمة خاصة بالدولة الكثيرية، تشمل جوازات سفر وعملات نقدية، وصور فوتوغرافية التقطها رحّالة أوروبيون للقصر والمنطقة.
قصر الثورة
عقب نجاح الثورة التي اندلعت في جنوب اليمن بطرد الاستعمار البريطاني وإسقاط الدولة الكثيرية عام 1967، أطلق على القصر اسم “قصر الثورة”، حيث اتخذته حكومة الثورة مقرا للشرطة والأجهزة الأمنية.
وبعد قيام الوحدة اليمنية التي دمج فيها شمال وجنوب اليمن في 1990، أطلق على القصر تسميته الحالية “قصر سيئون” أو”قصر الكثيري”، وأمرت سلطة الجمهورية حينها بتحويل القصور السلطانية إلى دور ثقافية مفتوحة للزيارة.
وفي عام 1984 صار مقرا للهيئة العامة للآثار والمتاحف ومقرا لمتحف سيئون، كما كانت تقام بداخله الكثير من الأنشطة والفعاليات.
يقع القصر على ربوة صخرية في قلب مدينة سيئون، في موقع استراتيجي مطل على مدينتي “شبام” غربا و”تريم” شرقا، كما يطل على مختلف اتجاهات مدينة سيئون ومركز نشاطها التجاري.
ونقل عن العلامة عمر بن عبد الرحمن البار (1099 – 1158 هـ)، أن “سيئون” اسم امرأة كان لها عريش في جانب سيئون الغربي المسمى اليوم بـ”السحيل”، ويمر عليها أبناء السبيل المنقطعون فسميت باسمها المنطقة.
كما تسمى سيئون بـ”الطويلة”؛ لأنها تمتد بشكل طولي ويحيط بها سور قديم يقدر طوله بـ5 أميال تقريبا، عليه 5 بوابات و25 قلعة صغيرة.
ولا يزال القصر على حاله حتى الآن، وصار أزيد من 50% تقريبا من مساحته متحفا افتتح 1983، وتشمل قاعاته مجموعات أثرية ذات قيمة تاريخية منها:
متحف للآثار القديمة
تزين جدران المتحف بالصور الفوتوغرافية التي التقطتها عدسات الرّحالة الأوربيين كالرّحالة الهولندي فان دير مولين والرّحالة الإنجليزية فريا ستارك.
كما يضم القصر بعض الآثار القديمة التي جمعت من مواقع متفرقة من وادي حضرموت والآثار التي استخرجت من حفريات موقع ريبون الأثري، وغيرها من المناطق في الوادي، وتمثل مراحل مختلفة من تاريخ المنطقة، وهي نتاج أعمال تنقيب بعثات روسية وفرنسية ويمنية ومسوحات بريطانية وبعثات مختلفة.
ويضم آثار نقوش تعود إلى عهد الممالك اليمنية القديمة وآثار تعود إلى العصر الإسلامي منها منابر مساجد خشبية يعود تاريخ أقدمها إلى عام 1274 م.
الموروث الشعبي الذي تزخر به مدينة حضرموت.
بالإضافة إلى الوثائق القديمة الخاصة بالدولة الكثيرية التي اتخذت في فترة من فتراتها المتأخرة سيئون عاصمة لها، وهي علم الدولة ووثائقها الرسمية كالجوازات والرخص المختلفة، وعملات نقدية، وأنواع من الأسلحة وغيرها.
ويقع قصر سئيون على ربوة صخرية في قلب مدينة سيئون، في موقع استراتيجي يطل على مختلف الاتجاهات، حيث تُعرف المدينة، التي يحيط بها سور قديم، بكونها مدينة علم وحضارة، وتضم العديد من القصور والمساجد الأثرية والتاريخية العريقة.