صنعاء القديمة.. حاضرة اليمن ورمزها الحضاري العريق

صنعاء القديمة.. حاضرة اليمن ورمزها الحضاري العريق

صنعاء القديمة، حاضرة اليمن ورمزها الحضاري العريق، المدينة التاريخية التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين، وتحكي قصة حضارة عربية وإسلامية أصيلة حتى وقتنا الحاضر، وهي مدينة مأهولة بالسكان منذ 2,500 سنة، وتتميز بفنها المعماري الفريد وأبراجها ذات الطوابق المتعددة المزخرفة ببراعة.

تمتد مدينة صنعاء القديمة من جبل نقم شرقًا إلى جبل عيبان غربًا حيث يُعتقد أن “قصر غمدان”، الواقع على سفح جبل نقم، كان النواة الأولى لنشأة هذه المدينة العريقة، وتضم المدينة أكثر من 6 آلاف منزل طيني، يصل ارتفاع بعضها إلى 6 طوابق.

أُدرجت مدينة صنعاء القديمة في عام 1986، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو تقديرًا لقيمتها التاريخية والمعمارية الفريدة. لكنها اليوم تواجه تهديداً مباشرًا، حيث تم إضافتها عام 2015، إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، وذلك عقب اندلاع الحرب في اليمن وما تبعها من أضرار جسيمة لحقت بمعالمها التاريخية.

صنعاء القديمة
جانب من مدينة صنعاء القديمة وعمرانها التأريخي البديع (flickr)

تاريخ صنعاء القديمة

يُعودّ تاريخ بناء صنعاء القديمة إلى أكثر من 2500 عام، حيث تُشير بعض الروايات إلى أن نواة المدينة ربما كانت حول قصر غمدان، الذي يُعتقد أن تأسيسه يعود إلى عصور قديمة ، حتى أن بعض المؤرخين، مثل الهمداني، ينسبون بناءه إلى سام بن نوح، ورغم ذلك يكتنف تاريخ مدينة صنعاء القديمة الكثير من الغموض والأساطير والروايات المختلفة، فيما يخص الأدلة على النشاط البشري في المدينة.

ذكرت صنعاء القديمة في نقوش مسندية قديمة تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، حيث ذُكرت باسم “صنعو” التي تعني “الحصن”، كما تُشير مصادر أخرى إلى أن بناء السور الطيني حول المدينة بأبوابه الأربعة الرئيسية (باب اليمن، باب شعوب، باب السبح، باب ستران) تم بين عامي 115 و80 قبل الميلاد.

كما ذكرت صنعاء في نقوش الملك السبئي “شعرم أوتر” حوالي عام 220 للميلاد، مما يؤكد وجودها وأهميتها في تلك الفترة، وورد فيها ذكر قصر غمدان.

أصبحت صنعاء لاحقًا عاصمة لمملكة سبأ بعد مأرب لفترة من الزمن، وشهدت ازدهارًا حضاريًا، وفي بداية القرن السادس الميلادي (حوالي 525ميلادي)، أضحت صنعاء عاصمة للدولة الحميرية تحت حكم الملك يوسف أسأر يثأر، ثم أصبحت عاصمة للأحباش بعد سيطرتهم عليها، وفي هذه الفترة بُنيت فيها كنيسة القليس (حوالي 523-525 ميلادي).

ومع بزوغ فجر الإسلام في عام 627 ميلادي، شهدت صنعاء تحولًا جذريًا، ففي السنة السادسة للهجرة (حوالي 627-628 ميلادي)، تم بناء الجامع الكبير، وهو أول مسجد يُبنى في اليمن، واستمرت المدينة في التوسع في مراحل تأريخية مختلفة وعصور الدول الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية، حيث شهدت أعمال بناء وترميم وتوسعة للأسوار والمباني المختلفة.


        مواضيع مقترحة

تخطيط المدينة ومعالمها المعمارية

يعتمد التخطيط العمراني لصنعاء القديمة على نظام الحارات، حيث تبدو المباني متلاصقة، لكنها تُخترق بأزقة منظمة. تتميز كل حارة بوجود مسجد و”مقشامة” (بستان) أمامه لتوفير الخضروات والفواكه للسكان. شوارع المدينة ضيقة وتصب في الأسواق، وتتميز المباني بنظام الطوابق المتعددة.

تُظهر العمارة في صنعاء، المتأثرة بالطراز الحميري، قدرة فريدة على دمج الفن والجمال مع تلبية الاحتياجات المادية والروحية للسكان.

سور صنعاء القديمة وأبوابه التاريخية

تُعد الأسوار جزءًا أساسيًا من البناء المعماري القديم في صنعاء، حيث كانت تؤدي وظيفة دفاعية وحماية من الكوارث الطبيعية والغزو. يعود تاريخ بناء السور إلى الملك السبئي شعرم أوتر في الربع الأخير من القرن الثاني الميلادي.

للسور الرئيسي أربعة أبواب رئيسية:

  1. باب اليمن: والذي يقع في الجهة الجنوبية، وهو أجمل الأبواب وأكثرها عرضًا وترتيبًا، والوحيد المتبقي سليمًا.
  2. باب شعوب: ويقع في الجهة الشمالية.
  3. باب ستران (باب القصر): يقع في الجهة الشرقية باتجاه جبل نقم.
  4. باب باب السبح: يقع في الجهة الغربية باتجاه حي بئر العزب.

وبالإضافة إلى الأبواب الرئيسية، توجد أبواب أخرى لأحياء أنشئت نتيجة التوسع خارج السور القديم، مثل حي بئر العزب وقاع اليهود (قاع العلفي حاليًا)، والتي توسعت في العهود الأيوبية والعثمانية.

صنعاء القديمة..حاضرة اليمن ورمزها الحضاري العريق
باب اليمن في صنعاء القديمة (علي السنيدار)

معالم تاريخية

تضم صنعاء القديمة العديد من المعالم التاريخية أبرزها الجامع الكبير: والذي يعد أقدم مسجد بني في اليمن، ويعود تاريخه إلى السنة السادسة للهجرة.

قصر غمدان: يُعد من أشهر قصور اليمن، ويختلف الرواة حول بانيه، لكن المؤرخ الهمداني ينسب تأسيسه إلى سام بن نوح.

كنيسة القليس: بناها إبرهة الحبشي بعد سيطرته على صنعاء حوالي 523-525 ميلادية، بهدف صرف حج العرب إليها بدلًا من الكعبة. تميزت بعمارة فخمة واستخدم في بنائها رخام وأحجار من قصر بلقيس، وزينت بالذهب والفضة والفسيفساء. هُدمت في منتصف القرن الثامن الميلادي.

أشهر الأسواق والسماسر

تضم صنعاء القديمة أسواق وسماسر من أبرز الأسواق سوق صنعاء (سوق الملح):
يقع في قلب المدينة شرق السايلة، ويُعد من أبرز الملامح التقليدية للمدينة. اشتهر السوق قبل الإسلام بسبب موقعه على طريق القوافل، وازدادت أهميته بعد الإسلام لكونه يقع على طريق الحجيج. ينقسم السوق إلى عدة أسواق متخصصة في حرف وبضائع معينة.

السماسر: وهي منشآت معمارية ظهرت لتلبية الاحتياجات التجارية، وكانت بمثابة محطات إيواء للمسافرين ومستودعات للبضائع، وهي الشكل البدائي للفنادق الحديثة. من أشهرها “سمسرة محمد بن حسن” التي كانت بمثابة بنك للتجار.

تحديات

واجهت صنعاء القديمة في العصر الحديث أضرارًا بالغة بسبب تأثيرات حركة السيارات وهدم الأسوار والمعالم القديمة. إدراكًا لأهميتها التاريخية والثقافية، صدرت قرارات عديدة لحمايتها، منها قرار عام 1984 بإنشاء لجنة للحفاظ عليها.

كما تَبنَّت اليونسكو حملة دولية لصيانة المدينة عام 1980. أسفرت هذه الجهود عن ترميم أجزاء من السور، وإعادة بناء باب اليمن، وتنفيذ عمليات للصرف الصحي، مما ساهم في الحفاظ على هذا التراث العالمي الفريد.

وبفعل الأمطار الموسمية الغزيرة تتعرض صنعاء القديمة لتهديد وجودي حيث تواجه مئات المنازل التاريخية مخاطر جسيمة سنوياً خلال موسم الأمطار، خلال السنوات الماضية تعرضت عشرات المنازل التراثية المدرجة في قائمة التراث العالمي لدى منظمة “اليونيسكو” للانهيار، في حين تضررت مئات المنازل.

صنعاء القديمة.. حاضرة اليمن ورمزها الحضاري العريق
انهيار مباني تاريخية في صنعاء القديمة

حذر الباحث اليمني خالد الصايدي من تحول الأمطار الموسمية إلى مصدر تهديد لسكان مدينة صنعاء القديمة، نتيجة هشاشة المباني التقليدية التي لم تعد قادرة على الصمود امام الأمطار الغزيرة، حيث أن البناء التقليدي المعتمد على الطين والجص يجعل المنازل عرضة للتآكل، خاصة في ظل غياب الصيانة.

وتواجه المدينة خطر الانهيارات المعمارية مع كل موسم أمطار، وتعرضت عشرات المباني تعرضت لأضرار جسيمة، بعضها انهار كلياً أو جزئياً، فيما ظهرت تشققات وتلف بنيوي في أخرى، ويأتي هذا في ظل ضعف البنية التحتية في اليمن، وتفاقم معاناة السكان جراء استمرار الصراع.

ورغم تنفيذ بعض أعمال الترميم، إلا أن جهود اليونسكو، اقتصرت على حلول مؤقتة، مثل تغطية الأسطح، دون مشاريع شاملة، في وقت تجاوز فيه عدد المباني المتضررة 500 منزل خلال عام 2024، وهناك غياب للخطط الرسمية لمواجهة الطوارئ.

الكاتب

مواضيع مقترحة: