يعد حصن شواحط أحد الحصون الأثرية البارزة، في محافظة إب وسط اليمن، وهو جزءًا لا يتجزأ من تاريخ اليمن العريق، حيث بُنيت الحصون في مواقع استراتيجية، غالبًا على قمم الجبال العالية.
اشتهر اليمن عبر تاريخه الطويل بامتلاك عدد كبير من الحصون والقلاع التاريخية الفريدة ذات البعد التاريخي، فكانت شهادة على تاريخ اليمن العسكري والسياسي والتنويري على مدى قرون طويلة .
يقع حصن شواحط في وادي الجنات، ويبعد حوالي 10 كيلومترات عن مدينة إب، ويطل الحصن على منطقة السحول، وتحدّه شمالًا وادي الملحمة وجنوبًا وادي الجنات، في محافظة إب (وسط اليمن).
مواضيع مقترحة
-
محافظة إب.. جنة اليمن الخضراء وسحر الطبيعة المتجددة
-
المدرجات الزراعية.. إرث يجسد براعة المزارع اليمني
-
حصن يفوز في “العُدين”: قلعة تأريخية تتوسط قرى خضراء
تاريخ حصن شواحط
ذكر المؤرخ اليمني محمد بن أحمد الحجري حصن شواحط في كتابه “مجموع بلدان اليمن وقبائلها”، وعلق عليه المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه “هجر العلم ومعاقله في اليمن” قائلًا: “هو حصن مشهور في السحول فوق وادي الجنات وتقع في سفحه الشمالي الشرقي قرية الملحمة”.
كما ذكر المؤلف اليمني محمد مرتضى الزبيدي في “تاج العروس ” أن “شواحط” هو حصن مُطل على السحول. ويُشير الاسم “شواحط” لغويًا إلى الجبل البعيد العالي المنيع.
في كتابيه “معجم البلدان” و”المشترك”، ذكر المؤلف ياقوت الحموي أن “شواحط” حصن باليمن يقع قرب حصن “حب” (بعدان)، وأورد قول الشاعر ساعدة بن جؤية في وصف صعوبة الوصول إليه وكثرة الأشجار الشوكية المحيطة به.
موقع استراتيجي
شهدت البلاد على مدى القرون الماضية صراعات متواصلة بين الدويلات والسلطنات والثارات القبلية، إضافة إلى الاستعمارات الأجنبية. لذلك، لم تخلُ العمارة اليمنية القديمة من وجود الحصون والأماكن الحربية والعسكرية، سواء عند مداخل المدن أو في المرتفعات والأسوار التي تحيط بها. تُعدّ الحصون في الأغراض الحربية رمزًا للقوة والشجاعة التي تمتع بها اليمنيون قديمًا.
ارتبطت منطقة إب بأحداث تاريخية مهمة بهذه الحصون، ومنها حصن شواحط الذي يشكل أهمية خاصة كونه يُطل على منطقة السحول، وهي البوابة الشمالية لمدينة إب، ويُشرف على طريق صنعاء-تعز الحيوي.
يُعدّ حصن “شواحط” من المعاقل الدفاعية التي تعاقبت على السيطرة عليها دول مثل دولة بني زريع، ثم الدولة الصليحية، والأيوبيون، وحكام بني رسول وغيرهم.
وعلى الرغم من ارتفاع الحصن الشاهق فوق قمة جبلية عالية وسحيقة، فقد صُممت سلالم (درج) الحصن بشكل هندسي فريد امتص إلى حد كبير صعوبة الوصول إليه، ووفر للحصن حماية من الاختراق وغزو الجيوش.
يقول المؤرخ الأكوع في كتابه “هجر العلم ومعاقله” إن الأمير عبدالله الوزير، عندما رأى “شواحط” وهو في منطقة السحول بطريقه من صنعاء إلى تعز عام 1366هـ لزيارة ولي العهد أحمد، قال:
كأن شواحطًا حصنٌ تسامى … على هام الشوامخ والرواسي
كجلاس الزبرجد قد علته … كؤوسٌ من يواقيت وماسِ
العلم والمعرفة
تُشير مصادر القرن السادس الهجري إلى أن الشيخ محمد بن أحمد المسكيني كان يملك حصن “شواحط” ومعظم السحول ونواحي بعدان. وقد خلفه أخوه أحمد بن أحمد المسكيني، ثم سعيد بن أحمد بن أحمد المسكيني، وهو عالم ومحقق في الفقه، الذي نُكب باعتقاله بأمر السلطان سيف الإسلام طغتكين بن أيوب (شقيق صلاح الدين الأيوبي) في 27 شعبان سنة 584 هجرية، وتوفي في ذي القعدة سنة 588 هجرية.
ذكر الأكوع أنه “بعد تعاقب الدول، لم يبقَ أي أثر لأسرة المسكيني وبقية علماء وفقهاء ذلك العصر، فتبدلت الأرض غير الأرض، وقد سُكن حصن شواحط بأقوام آخرين، وظل عامرًا بسكانه إلى عهد قريب، ولم يبقَ فيه غير بيت واحد مسكون برجل من آل الغرباني”.
بلغ العصر الذهبي للحصن في التنوير والعلم خلال عهد الدولة الصليحية والأيوبية والرسولية. فقد كان مقرًا للعديد من العلماء والفقهاء والأدباء، خاصةً من المذهبين الحنبلي والشافعي، وكانت تُجرى فيه المناظرات مع المعتزلة والأشاعرة.
تُشير مصادر تلك الحقبة إلى أن “شواحط” سكنه علماء من بني مضمون، وهم أول من أدخل الفقه الشافعي إلى اليمن (مناطق حبيش ومخلاف جعفر والجند وغيرها).
اشتهر “شواحط” بعد أن كان محطًا للفقهاء بإنتاج الحبر، ففي القرن السادس الهجري، خلال عهد الدولة الصليحية التي كانت تدين للمذهب الفاطمي، مُنع على فقهاء “شواحط” الشافعيين استخدام “العفص” وهي شجرة لها ثمر مكور إذا بُلّ بالماء تحللت منه مادة سوداء.
وكان الحبر يُستخرج من شجرة الكلبلابة التي لا تزال حتى يومنا هذا تغطي أسفل الجبل المحيط بحصن “شواحط”.
لمحة عن الوضع الحالي
لم يبقى من الحصن اليوم سوى مبانٍ ومسجد وبركة وتنتشر على أطرافه عدد من المواجل المحفورة في الصخر، وأخرى مبنية بالحجارة والقضاض.
ظل الحصن عامرًا حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما غادره آخر ساكنيه (عبدالملك الغرباني)، بعد أن تهدمت بقايا المنازل وانهارت أجزاء من السلالم (الدرج) التي جعلت من الصعود إلى الحصن أمرًا صعبًا، وذلك بسبب الإهمال وعوامل التعرية.
منذ حوالي 30 عامًا، أصبح الحصن مهجورًا بعد رحيل آخر سكانه. لكنه تحول إلى مزار للقرى والمناطق المجاورة في موسم “التين الشوكي” من كل عام، حيث ينتشر التين الشوكي ذو المذاق الحلو في أعلى الحصن.
كما أن حصن شواحط، يفتقر إلى الطرق المعبّدة التي من شأنها التمكين من الوصول إليه للبحث في أسراره الهندسية وتاريخية العريق، وهذا حال معظم الحصون والقلاع التاريخية في اليمن.