يعد حصن المنار في مديرية بعدان، بمحافظة إب وسط اليمن، من أبرز الحصون التاريخية التي تقف شاهدة على عظمة الحضارة اليمنية القديمة، إذ يتربع هذا المعلم الشامخ على قمة جبل المنار، ثاني أعلى جبال اليمن، ليكون منارة حقيقية للتاريخ والعمارة القديمة.
أورد القاضي حسين السياغي في كتابه “معالم الآثار اليمنية” وصفًا لحصن المنار، مشيرًا إلى احتوائه على آثار عجيبة، وفي أعلاه توجد مخازن المياه العظيمة التي تدل على براعة الأجداد في التخطيط والتحصين.
ويتميز الحصن بوجود خندق عميق يفصل بينه وبين جسم الجبل من القمة إلى الأسفل، ويمتد هذا الخندق لمسافة تقدر بحوالي 200 ذراع، كما أن الطريق المؤدية إلى الحصن منحوتة بالكامل في الصخر الجبلي، مما يعكس الجهد الهندسي الكبيرة في تشييده.
مواضيع مقترحة
-
محافظة إب.. جنة اليمن الخضراء وسحر الطبيعة المتجددة
-
جبلة.. مدينة النهرين وشقيقة القمر
-
وادي عَنّه بريف إب.. وجهة للسياحة والعلاج
في المنطقة المحيطة، يوجد السد الحميري الشهير سد عتار، الذي يبلغ طوله حوالي 600 ذراع وعرضه 60 ذراعًا، وكان له دور حيوي في ري معظم أراضي وادي المنار.
أصل التسمية ودوره التاريخي
تتباين الروايات حول أصل تسمية الحصن بـ “المنار” حيث ذكرت نتائج المسح السياحي أن سبب التسمية يعود إلى استخدام قمة الحصن لإشعال النيران كوسيلة اتصال قديمة. كانت هذه النيران تُشعل لتكون إشارة واضحة تدعو ملوك اليمن إلى الاجتماع بالقبائل، وهي وسيلة استخدمت أيضًا في رؤوس الجبال الموازية للحصن.
وقيل أيضاً أن نسبة التسمية تعود إلى شخصية تاريخية حيث قيل إن التسمية تعود إلى “منار بن الأبجر الحميري” الذي سكن الحصن بعد أبيه، مما يربط المكان بجذور حميرية عريقة.

تؤكد الجذور التاريخية على أن اسم “المنار” لا يقل عمره عن 1,300 عام، حيث صرّح الشاعر أبو علكم المراني، من شعراء العهد العباسي (أواخر القرن الثاني الهجري)، باسم الحصن في قصيدة له في فضائل همدان، عادًّا إياه من قلاعهم المشيدة، ومقرونًا دائمًا بحصن “حُبّ”.
عزلة المنار
تقع عزلة جبل المنار في شمال مديرية بعدان، وتبعد حوالي 24 كيلومترًا عن مدينة إب. وتضم العزلة 37 قرية ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 15,000 نسمة، بمساحة تقدر بحوالي 12 كيلومترًا مربعًا. ومن أكبر قراها: الحمادي، والجبجب، والفراحي.
يعد جبل المنار ثاني أعلى جبل في اليمن بعد جبل النبي شعيب، حيث يصل ارتفاع قمته إلى نحو 3,350 مترًا فوق مستوى سطح البحر. تتميز قمته باتساع قاعدتها الأرضية ومساحتها الواسعة، ويشتهر بشموخه وعدم وجود جبال منافسة تحجب رؤيته.
العمق التاريخي
تؤكد الآثار القديمة المنتشرة في قرى عزلة المنار على عمقها التاريخي الممتد إلى ما قبل الإسلام. فالأشلاء الباقية من البنيان والأسماء الحميرية القديمة، مثل (ذي حصاحص، ذي هجّار، ذي حيفان، ذي الديلي، حيضان، ذي البرْح)، جميعها تحكي عن العهود الحميرية.

كما أن المنطقة تحمل ذكرى دينية، حيث ذكر القاضي محمد الحجري في كتابه “مجموع بلدان اليمن وقبائلها” أن عزلة المنار تضم، في قرية (نوادة)، قبر سام بن نوح عليه السلام، وقد نُقل هذا القول عن الفيروز آبادي في “القاموس المحيط” وعنه الزبيدي في “تاج العروس”. وتسمى العزلة المجاورة بـ “عزلة حيسان”، وقيل إن الاسم محرّف عن “حي سام”.
الموارد المائية وجريان السيول
من جوانب جبل المنار تنحدر السيول والغيول الدائمة، التي تشكل مورداً مائياً غنياً للمنطقة فمن الشرق يتجه سيل كبير يخوض “وادي الظوهر” ثم “وادي الشناسي” حتى يصل إلى خليج عدن.
كما من الغرب يجري سيل نحو الغرب مخترقًا طريق (صنعاء – تعز) وقاصدًا مديرية القفر حتى يصل إلى البحر الأحمر.
ومن الجنوب (وادي بنا): يجري سيل دائم لا ينقطع باتجاه الجنوب، يغذي قرى ووديان المنطقة على مدار السنة، ويُسقى منه وادي بنا المشهور.
منطقة سياحية
يوفر حصن المنار للزائرين إطلالة بانورامية مهيبة تظهر تصاغر العديد من الجبال والمعالم البارزة في محافظة إب والمناطق المجاورة:

فمن الجنوب يمكن مشاهدة “حصن حب” و “جبل ريمان”، وفي الأفق البعيد يظهر “حصن التعكر” و “قمة جبل صبر” ومن الغرب يمكن رؤية “مديرية حبيش” ومن خلفها تظهر رؤوس “قمم جبال العدين” و “قمم جبال تهامة”.
أما من الشرق فيتم مشاهدة “جبل الدقيق”، “حصن السريمة”، “جبل عز والصراط”، وجبال “العود الشامخة” و “نوبة الشعر” ومن الشمال يمتد البصر نحو قرى وبيوت تابعة لمحافظتي ذمار ويريم.
يبقى حصن المنار وجبل المنار بأكمله رمزًا للشموخ والتاريخ اليمني، يحتضن بين ثناياه كنوزًا من العمارة والقصص التي تستحق الاكتشاف والتأمل.

