بعد مرور نحو 3 آلاف سنة من تشييدها، لا تزال المدرجات الزراعية الممتدة في جبال اليمن، لا سيما في مدينة إب الخضراء، والمحويت وصنعاء، وحجة وريمة، شاهدًا على براعة الإنسان اليمني حتى وقتنا الحاضر.
ويتمسك اليمنيون بتراث الأجداد في التفنن في بناء المدرجات الزراعية أو ما تسمى بـ”الشِعاب أو المصاطب” من أجل الاستفادة من مياه الأمطار الموسمية في زراعة المحاصيل المتنوعة، على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الزراعي في اليمن؛ جراء تداعيات الحرب، والتغيرات المناخية.
وتساهم الزراعة في اليمن بتأمين الغذاء للكثير من الأسر، خصوصاً في المناطق الريفية، حيث إن 75%من اليمنيين يعيشون في الريف، ويمارسون الأنشطة الزراعية في المدرجات الزراعية المعلقة في قمم الجبال التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الغذائي.
تاريخ المدرجات الزراعية
المُدَرَّج الزراعي يسمى أيضاً مصطبة أو جرف أو جلّ هو قطاع مسوّى من الأرض في منطقة زراعية منحدرة لحفظ التربة من الانجراف، وللحد ما أمكن من الانسيال السطحي لمياه المطر والري.
وعرف اليمنيون القدماء المدرجات الزراعية منذ وقت مبكر، وارتبط ظهورها بدولة سبأ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن البدايات التاريخية الأولى لفكرة المدرجات الزراعية تعود إلى قرون ما قبل الميلاد.
وبحسب الموسوعة العربية، تعود البدايات التاريخية لفكرة المدرجات إلى القرون الأولى التي سبقت وتلت الميلاد – العهد الروماني – بعد أن تحول الإنسان من نمط الصيد إلى النمط الزراعي والتجاري، وذلك في عدة أقاليم من العالم في شمالي إفريقيا وشبه الجزيرة العربية (اليمن خصوصاً) وبلاد الشام والصين وغيرها.

كيف بناها اليمنيون؟
أخذت المدرجات الزراعية في اليمن شكلها الجمالي حتى وقتنا الحاضر، إذ لم يكن يوجد هناك جدران للمدرجات مبنية من الأحجار العادية في بداية الأمر؛ إذ إن عملية البناء بالأحجار تطورت مع اتساع حاجة الإنسان للتربة.
وأصبحت الجدران الحجرية المشيدة بإحكام حالياً أهم ما يميز المدرجات، والتي تحتل كل متر مربع توجد فيه تربة في سفوح الجبال، إذ يقول المهندس الزراعي “عبدالكريم ناصر” بأن “المنحدرات الصخرية التي توجد فيها سطور من التربة استخدمت كذلك لبناء المدرجات ناهيك عن المناطق الصخرية الأقل انحداراً”.
وأضاف لمنصة ريف اليمن: “عند إنشاء المدرجات يُحدد مسار المدرج من أعلى المنحدر (القمة) ثم المدرج الذي يليه وصولا إلى أسفل الجبل؛ حيث يتم بناء الجدران الحجرية بطريقة منظمة يختلف ارتفاعها بحسب مستوى انحدار سفح الجبل، وبتلك الطريقة المميزة في البناء أمكن الحفاظ على تلك المدرجات، وجعلتها قادرة على الاستمرار لعدة قرون”.
وتقدر مساحة الأراضي الزراعية بحوالي 661 ألفاً و504 هكتارات، ومساحة الاراضي الزراعية المزروعة بالمحاصيل قرابة 1,1 مليون هكتار وفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2014.
كما تحتل الجبال في اليمن قرابة 18٪ من المساحة الإجمالية للبلاد، ويعيش فيها حوالي 70٪ من السكان المعتمدين على الزراعة كمصدر للدخل بحسب التعداد السكاني لسنة 2004 وفقاً للمركز الوطني للمعلومات.
الزراعة وتأمين الغذاء
يعمل اليمنيون في زراعة المدرجات الزراعية بالحبوب المتنوعة، مثل: الذرة الرفيعة والذرة الشامية والبقوليات والخضروات والفواكه والبن وغيرها من المحاصيل.
المزارع “ناجي حسن ( 60 عاماً)”، يعمل في الزراعة بريف محافظة إب وسط اليمن منذ طفولته، ويعتمد عليها في تأمين الغذاء لأفراد عائلته؛ إذ ورث مهنة الزراعة عن أجداده القدماء الذين شيدوا المدرجات الزراعية في سفوح الجبال.
يقول ناجي حسن لمنصة ريف اليمن: “عرفت المدرجات الزراعية منذ طفولتي الأولى، وكنت أذهب برفقة والدي خلال العمل في إصلاحها، خصوصاً عقب تعرضها للخراب بفعل هطول الأمطار الغزيرة والسيول. نتقاسم مع جيران المزرعة في بناء الجدران الحجرية”.
تساهم المدرجات الزراعية في تسهيل الزراعة في الجبال والتضاريس الجغرافية شديدة الوعورة؛ إذ تساهم المدرجات في صيانة التربة وحمايتها من الانجراف والتعرية، وحفظ مياه الأمطار، والحد من انسيابها السطحي وتسربها الداخلي.
كما تعمل على تغذية الينابيع والجداول باستمرارية تدفقها، ودعم الاحتياط المائي في الآبار السطحية، وتحسين خواص التربة الفيزيائية والكيميائية ورفع خصوبتها، فضلا عن أهميتها في الحفاظ على التنوع الحيوي والنباتي والحيواني ودعمه، وحماية الطرقات الجبلية من الانهيار، وتسهيل عملية الصرف والري وضبط جريان مياه الأمطار.

وقال الخبير الزراعي اليمني الدكتور “محمد الغشم” إن “إنشاء المدرجات الزراعية في الجبال الشاهقة كانت ضرورة ملحة للإنسان القديم، ولاتزال هذه الضرورة ملحة وقائمة إلى اليوم”.
وأضاف في حديث لمنصة ريف اليمن: “تكمن ضرورة وجود المدرجات في الاعتماد المتنامي لسكان المناطق الجبلية في اليمن، وخاصة في المناطق الوسطى والشمالية والذين يشكلون غالبية سكان البلاد على الزراعة في حياتهم اليومية”.
وفي ظل وعورة الطرق، بالإضافة الى انعدام الطرق في بعض المناطق الريفية، فإن إيصال مياه الري إلى أعالي الجبال ليس أمرا سهلاً، فكان لابد من المدرجات لتحقيق الاستفادة القصوى من الأمطار الموسمية.
وأشار المهندس الزراعي “عبدالكريم ناصر” لمنصة ريف اليمن إلى “استغلال المناطق الجبلية شديدة الوعورة وتطويعها كأراضٍ زراعية من خلال بناء هذه المدرجات، وتقديم نموذج مميز في هندسة البناء الزراعي الذي لايزال تراثا حيا ومتجددا في حياة اليمنيين” .
مواجهة تحديات المناخ
شهد القطاع الزراعي في اليمن، تدهوراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما في ظل تداعيات الحرب المندلعة في البلاد منذُ عام 2015، بالإضافة إلى التغيرات المناخية، حيث شهدت البلاد ظواهر مناخية وبيئية متعددة، من بينها الفيضانات وحدوث شدة مطرية أدت إلى جرف الكثير من الأراضي الزراعية، خصوصاً القريبة من ممرات السيول.
وتقدر حجم الأراضي المتدهورة بفعل تداعيات التغيرات المناخية والانجرافات المائية والانجراف الريحي والتدهور الكيميائي بنحو 5.6 ملايين هكتار، في حين أن 97% من أراضي اليمن تعاني من التصحر بدرجات متفاوتة.
ومن شأن التحديات المناخية أن تنعكس سلباً على حياة الكثيرين في اليمن خصوصاً وأن العاملين في المجال الزراعي يشكلون الشريحة الأكبر في البلاد؛ إذ يحتل القطاع الزراعي المرتبة الأولى في استيعاب العمالة بنسبة 54 في المائة، كما أنه يعد أحد دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني مع مساهمته بحوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي، وفق بيانات المركز الوطني للمعلومات.