جبلة.. مدينة النهرين وشقيقة القمر

جبلة.. مدينة النهرين وشقيقة القمر

تُعد مدينة جبلة في محافظة إب وسط اليمن، من أقدم المدن التاريخية التي تختزل في جنباتها فن العمارة الأصيل الذي يمثل مراحل مزدهرة من تاريخ اليمن العريق الذي يمتد لآلاف السنين.

ومدينة جبلة هي المدينة التي يصفها محبوها بـ “شقيقة القمر” وتُعرف أيضًا بـ “مدينة النهرين” لوقوعها بين مجاري نهرين كانا ينبعان من جبلي التعكر ووراف.

حتى وقتنا الحاضر تحكي آثار وشواهد المدينة، سيرة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي حكمت اليمن في القرن الحادي عشر الميلادي لمدة ستة وخمسين عامًا. أصبحت فترة حكم الملكة أروى عنوانًا لمرحلة سياسية ودينية وحضارية هي الأهم والأكثر ازدهارًا في عهد الدولة الصليحية.


      مواضيع مقترحة

الموقع السكان

تقع مدينة جبلة في محافظة إب، على بُعد حوالي 6-7 كيلومترات جنوب مدينة إب، وتتبع إداريًا مديرية جبلة، وتتميز بموقعها في منطقة خصبة تشتهر بغزارة أمطارها ووفرة أوديتها وجبالها المكسوة بالخضرة، مما يمنحها مناخًا معتدلاً خصوصاً خلال فصل الصيف.

يحد جبلة من الشمال مديريتا المشنة والظهار بمدينة إب بالإضافة إلى مديرية إب نفسها، ومن الجنوب مديريتي ذي السفال والسياني، ومن الغرب مديريتي العدين وذي السفال، ومن الشرق مديريات إب ومدينة إب والسياني.

تُشكل الزراعة النشاط الرئيسي لسكان جبلة ومحافظة إب بشكل عام، نظرًا لخصوبة التربة ووفرة الأمطار، حيث تشمل المحاصيل المنتجة الحبوب والخضروات.

مدينة جبلة
مدينة جبلة التأريخية بمحافظة إب وسط اليمن (ريف اليمن)

كما يأتي الإنتاج الحيواني في المرتبة الثانية من حيث الأهمية الاقتصادية، ويشمل تربية الماعز والأبقار. كما تُعد تربية النحل من الأنشطة الاقتصادية الهامة. وتشتهر جبلة أيضًا بوجود حرفيين برعوا في الصناعات الحرفية القديمة.

تاريخ مدينة جبلة

تعتبر جبلة من أهم المدن التاريخية في اليمن؛ إذ كانت عاصمة الدولة الصليحية في الفترة ما بين عامي 458 هـ (1066م) و 532 هـ (1138م). ازدهرت جبلة بشكل كبير خلال هذه الفترة، وتميزت بعمارتها الفخمة، ونظامها الإداري المحكم، ونشاطها التجاري الواسع.

يُنسب تسمية جبلة إلى عبد الله بن علي الصليحي الذي بناها عام 458 هجرية ، ويُقال أيضًا إنها سُميت باسم يهودي كان يبيع الفخار في الموقع الذي بُنيت عليه المدينة. كانت تُعرف قديمًا باسم “مدينة النهرين” لوقوعها بين نهرين كبيرين (الآن نضبا جزئيًا).

كما تشير بعض المصادر إلى أن اسم جبلة يعود إلى رجل برع في الصناعات الحرفية القديمة التي كان يمارسها في تلك المدينة قبل أن تتحول إلى أشهر مدن اليمن منذ منتصف القرن الخامس الهجري، عندما اتخذها مؤسس الدولة الصليحية عبد الله بن محمد الصليحي عاصمة لدولته ابتداءً من العام 458 هجرية، والتي دامت لأكثر من تسعين عامًا.

أما الملكة أروى بنت أحمد الصليحي فقد لعبت دورًا محوريًا في تاريخ جبلة، حيث انتقلت إليها من صنعاء في عام 458 هـجرية وبقيت فيها حتى وفاتها في عام 532 ، ودُفنت في الجامع الكبير الذي أمرت ببنائه حيث شهدت المدينة في عهدها نهضة عمرانية، وعلمية، وثقافية كبيرة.

المعالم الأثرية والتاريخية

تضم مدينة جبلة العديد من المعالم والآثار التاريخية أبرزها:
1- الجامع الكبير (جامع الملكة أروى): يُعد من أهم المساجد التاريخية في اليمن، تم بناؤه في عهد الملكة أروى بنت أحمد الصليحي ويقع فوق تل مرتفع ويحتوي على مئذنتين.

2- قصر الملكة أروى: كان مقر إقامة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، ويضم آثارًا واسعة للقصر الذي يُقال إنه كان يتكون من 365 غرفة. يعتبر من الأماكن التاريخية المهمة التي تُظهر العمارة الإسلامية الجميلة.

3- جامع قبة الزوم ، المعروف أيضًا باسم “مسجد قبة الشيخ يعقوب الزوم” أو “مسجد قبة بيت الزوم”، أحد المعالم التاريخية البارزة في مدينة جبلة وشاهدًا على فن العمارة الإسلامية في اليمن، ويتميز بتصميمه الفريد وزخارفه الغنية.

أُنشئ جامع قبة الزوم في عام 921 هجرية (الموافق 1515 ميلاديًا). يُنسب بناء هذا المسجد إلى محمد بن إدريس الحبيشي. وهو أحد مسجدين يتميزان بتخطيطهما الذي يتبع طراز المساجد ذات القبة الكبيرة التي تغطي رواق القبلة.

4- متحف جبلة: يوجد في مدينة جبلة متحف صغير يعرض الموروث الحضاري والثقافي للمدينة، ويحتوي على قطع أثرية يعود معظمها إلى عهد الدولة الصليحية.

كما تضم مدينة جبلة الأسواق والحمامات الصليحية التي بدورها شكلت مركزًا تجاريًا هامًا. بالإضافة إلى شوارع المدينة القديمة إذ تتميز شوارع المدينة القديمة بالحصى، وبيوتها الشاهقة، ومآذنها المزخرفة.

جبلة.. "شقيقة القمر" تاريخ عريق يواجه الإهمال
جامع قبة الزوم في مدينة جبلة

لمحة عن الوضع الحالي

تعاني مدينة جبلة التاريخية من إهمال متعاقب مما يهدد معالمها الأثرية، حيث أصبحت المباني التاريخية مهددة بالسقوط والانهيار، لا سيما خلال فترة، هطول الأمطار الموسمية، خلال فصل الصيف .

وخلال السنوات القليلة الماضية تعرضت منازل تراثية بمدينة جبلة للسقوط جراء الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة حيث سقط منزلان تاريخيان خلال عام 2021 يعود لأكثر من 500 عام، في حين سقط الآخر عام 2022.

تجدر الإشارة إلى أن مدينة جبلة حتى اللحظة لم يتم ادرجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو لأن عملية الإدراج تتطلب استيفاء شروط ومعايير معينة، بالإضافة إلى إزالة أي استحداثات أو تشوهات قد تعرقل ذلك.

الكاتب

مواضيع مقترحة: