تحتضن محافظة الجوف (شمال البلاد) إرثاً أثرياً غنياً يمتد على طول طريق القوافل القديم، يشمل مدناً تاريخية ومعابد ونقوشاً تعكس حضارة معين وسبأ، ما يجعلها مركزاً للذاكرة والثقافة اليمنية القديمة.
وتضم المحافظة مدينة قرناو (هَجرن/قرنو) التي تقع على بعد 7 كيلومترات شمال الحزم، وتضم أسواراً وبوابات ونقوشاً مخفية تحت كثبان الرمال.
وقد زار الموقع المستشرق جوزيف هاليفي عام 1869، حيث نسخ النقوش ووصف الزخارف الراقية التي زينت جدرانه، بينما تبعد مدينة هَرَم نحو 1.5 كيلومتر جنوب غرب قرناو، وذُكرت في نقش النصر للمكرب كرب إيل وتار في القرن السابع قبل الميلاد، ويضم الموقع بقايا معبد كبير وزخارف تشبه معبد عثتر ذو رصفم.
وعلى بعد 9 كيلومترات غرب الحزم، أعلى وادي مِذاب، تقع مدينة كمنهو، وهي موقع محصّن على تلة تطل على المنطقة المحيطة.
وقد كشفت بعثة فرنسية عام 1981 أن المدينة مخططة على شكل مستطيل بطول نحو 490 متراً من الشمال إلى الجنوب، مع أسوار وأبراج مطمورة، والمعبد الرئيس يقع شرق السور وفق تقاليد حضارة معين.
ويبعد نحو كيلومتر واحد شرق كمنهو معبد النصيب، الذي يضم منشأتين متلاصقتين مع أروقة مكشوفة وأعتاب منقوشة، وقد كان مكرساً للإله “ذو”، الإله الرئيس في كمنهو، وهو ما يعكس البعد الديني والحضاري للمدينة.
وتمتد آثار مدينة نَشَن (خربة السوداء) على بعد 14 كيلومتر غرباً، لتشكل ثاني أكبر مدن معين، وتضم أنقاضاً يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، وتظهر فيها روابط تاريخية مع سبأ.
وفي شرق نشن يوجد معبد عثتر “ذو رصفم” بمساحة 15.5 × 14.1 متر، ويضم فناءً وأروقة ومنصة ومقصورة، مع زخارف شهيرة تصور فتيات يحملن جراراً وعصياً.
وقد خضع المعبد لعمليات ترميم بين عامي 1988 و1989 بالتعاون مع هيئة الآثار، فيما تقع مدينة نَشَق (خربة البيضاء) على بعد 20 كيلومتر غرباً، حيث تم بناء معبد للمقه إلى جانب معبد عثتر بعد إخضاع المدينة لسبأ.
ويرتفع جبل اللوذ (كورن قديماً) إلى نحو 1200 متر، ويوجد طريق مرصوف يمتد 7 كيلومترات إلى القمة، حيث كان موضع “ترح” لإشعال النار المقدسة تكريماً للإله عثتر ضمن شعائر ملكية قديمة.
وقد وثق الباحث كريستيان روبن عام 1982 نقوشاً تصور مواكب وتنصيبات دينية على الجبل، ويشتهر وادي الشظيف بكونه موطناً لقبيلة أمير، حيث تم في تسعينات القرن الماضي تسليم نقوش برونزية إلى المؤرخ بافقيه والمتحف الوطني، لتكون جزءاً من حفظ التراث اليمني القديم.
ويبقى تاريخ الجوف، بما يحويه من مدن ومعابد ونقوش أثرية، فصلاً غنياً من تاريخ اليمن القديم، وسط دعوات مستمرة للحفاظ على هذا الإرث التاريخي وحمايته من التدهور، ليبقى شاهداً حياً على حضارات المنطقة العريقة.