يعتبر العسل اليمني من أشهر أنواع العسل في العالم، والأغلى ثمنا حيث ساهمت المراعي النحلية المنتشرة في البيئة اليمنية في إنتاج أنواع مختلفة من العسل في مختلف أنحاء البلاد.
وتنتشر مهنة تربية النحل في العديد من المحافظات اليمنية، ويشكل مصدر دخل لمئات الآلاف من السكان، وتحتل محافظة حضرموت المرتبة الأولى من حيث كمية إنتاج العسل، تليها شبوة وأبين والحديدة.
تعود تربية النحل في اليمن لآلاف السنين فهو من العادات القديمة التي مارسها اليمنيون منذ القرن العاشر قبل الميلاد، ثم توارثها الأجيال على مدى عقود طويلة حتى وقتنا الحاضر، وإنتاج العسل اليمني، يعتبر أحد التقاليد التي يفتخر بها الناس في اليمن، وله مكانة خاصة في قلوب اليمنيين بإعتباره “إرث عظيم”.
ولأن تاريخ العسل اليمني يعود لقرون طويلة تغنّى الشعراء والملحنين والمطربين اليمنيين به، كما في قصيدة “يا عسل دوعن” التي كتبها الشاعر حسين ابوبكر المحضار وغناها عملاق الفن المطرب أبو بكر سالم وغيرها من القصائد.
أنواع العسل اليمني
تمتلك اليمن الكثير من أنواع العسل من أبرزها “عسل السدر” والذي يعد من أجود أنواع العسل في العالم وأغلاها ثمنا، نسبة إلى نبتة السدر التي تنمو في الأراضي البرية والصحراوية في جنوب شرق اليمن.
- عسل السدر (العلب): المنتشرة بكثافة عالية بمحافظة حضرموت، ويعد من أجود الأنواع في العالم والأغلى ثمنا بسبب جودته وشهرته الواسعة، ويستخدم في علاج أمراض الكبد، والقرحة، والضعف وغيرها.
- عسل السُمر (الطلح): الذي يتم استخلاصه من أشجار شوكية تسمى السمر، وهي تنتشر بكثافة عالية في محافظة حضرموت والمناطق الجبلية من محافظة إب وذمار وصنعاء وتعز ويعد في المرتبة الثانية ويستخدم في علاج مرض السكري.
- عسل الصال (الأثل): المعروف بطعمه اللاذع الذي يترك حرقة في الحلق تدوم بعد تعاطيه لساعات، وهو من أفضل الأنواع العلاجية، إذ يستخدم في علاج الوهن البدني، والضعف الجنسي، وبعض الأمراض الموسمية.
- عسل السلام (السلم): الذي يستخرجه النحل من أزهار أشجار السلم في منطقة تهامة بمحافظة الحديدة، ومن جبال محافظة المحويت، ومن مناطق وصاب بمحافظة ذمار.
- العسل الجبلي: وتستخرجه النحل من زهور عدة شجيرات وحشائش جبلية، ويعرف بتجمده السريع.
- عسل المراعي: ويجنيه النحل من أشجار وأزهار متعددة، وهو عسل ذو جودة لا بأس بها ويتميز بأسعاره المناسبة ويتم إنتاجه طوال أيام السنة.
مواسم الإنتاج
يبدأ موسم إنتاج العسل في شهر سبتمبر/ أيلول سنوياً ببعض المحافظات اليمنية مثل: عمران وصنعاء ومناطق وصاب بمحافظة ذمار في حين يبدأ موسم عسل السدر في شهر نوفمبر.
ويُعد شهر نوفمبر من كل عام موسم الحصاد المتأخر الأول لعسل السِدر في حضرموت، الذي يبدأ باكِراً، في سبتمبر، في المحافظات اليمنية الأخرى.
مورد إقتصادي
يندرج العسل اليمني ضمن المحاصيل الاستراتيجية التي يهتم اليمنيون بتنميتها وتطويرها حيث يُعد تجارة مربحة لليمنيين، إذ صُنف العسل عام 2003 كأحد السلع الاستراتيجية الخمس التي أعلنت عنها الحكومة اليمنية لأهميتها في رفد اقتصاد البلاد.
وفي عام 2002، قدرت الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة اليمنية عدد النحالين اليمنيين بـ 81,734 نحال بمختلف مناطق البلاد لكن نسبة العاملين في تربية النحل تزايدت بشكل لافت خلال السنوات الماضية.
وتُعد مهنة النحالة اليوم واحدة من أهم مصادر الدخل التي تعيش عليها الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود في اليمن خصوصاً في المناطق الريفية، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة الصادرة عام2020، حوالي 100 ألف أسرة تعمل في قطاع إنتاج العسل في اليمن.
ويصل سعر الكيلو الصافي من العسل المُنتج من أشجار السدر إلى نحو 75 دولار أمريكي داخل اليمن، بينما يُباع الكيلو الواحد منه خارج اليمن بمبلغ قد يصل لـ 500 دولار أمريكي.
جودة عالمية
وفي 6 يوليو/ تموز 2024، فاز العسل اليمني بجائزة بلاتينية وذهبيتين في مسابقة لندن الدولية لجودة العسل 2024 London International Honey Awards، التي تُنظم سنويًا لاختيار العسل الأفضل جودة في العالم، وفاز عسل السدر الحضرمي بالجائزة البلاتينية، وهي أعلى جائزة تُمنح في المسابقة الدولية التي تتعلق بجودة العسل، إذ حقق درجة تتراوح بين 95.5 و100، في حين فاز كل من عسل السدر العصيمي وعسل السدر الجرداني بالجائزتين الذهبيتين.
وشارك في المسابقة نحّالون وممثلون لشركات إنتاج العسل من نحو 36 دولة، وبأكثر من 295 عينة من أنواع العسل المنتج في العالم، بينما شاركت من اليمن “شيبا بييز “Sheba Bees، وهي شركة جديدة تعمل في تسويق العسل اليمني وفق ضوابط تجارية ومعايير دولية محترفة.
وكان عسل السدر الحضرمي الذي فاز بالجائزة البلاتينية قد استُخلص بالطرق التقليدية من خلايا النحل الطينية والخشبية (الأجباح) من مناطق في مديرية يبعُث بمحافظة حضرموت، شرقي اليمن، بينما استُخلص عسل السدر العصيمي الذي فاز بالجائزة الذهبية من محافظة عمران، شمالي البلاد، وعسل السدر الجرداني الذي فاز بالذهبية الأخرى من محافظة شبوة، جنوبي شرق.
وكانت عيّنات العسل التي شاركت في المسابقة اختُبرت وحُللت معمليًا في لندن وأُثبت جودتها، قبل أن تخضع لاختبار التذوق من قِبل لجنة تحكيم مشكّلة من 12 خبيرًا من المملكة المتحدة وإيطاليا وتركيا وألمانيا وصربيا وسلوفينيا وكرواتيا وبيلاروسيا.
وتُصنف جودة العسل وفق خصائص مُعينة كَاللون والنقاء والرائحة والملمس والنكهة واستمتاع المتذوق، كما أن اختبار التذوق الأعمى يسير وفق القاعدة التي تشترط على الخبير تذوق العسل دون معرفة نوعه، ليسجل عقب ذلك رموزًا خاصة بالعينات، لضمان التنافس الشفاف.
تداعيات الحرب والمناخ
يواجه قطاع تربية النحل في اليمن تحديات متزايدة جراء الحرب المندلعة منذ أكثر من تسع سنوات إذ أدت الحرب إلى توقف تصدير العسل إلى الأسواق الخارجية، وتسببت بصعوبات في التنقل بطوائف النحل بين المراعي المختلفة نتيجة إغلاق الطرقات الرئيسية بين المدن وارتفاع أسعار المشتقات النفطية خاصةً أسعار الوقود المنزلي، التي بدورها أدت إلى الاحتطاب الجائر للكثير من الأشجار خصوصاً أشجار السدر.
وعقب اندلاع النزاع، توقفت شركات الشحن العالمية مثل DHL و FedEx وغيرها عن العمل في اليمن، مما حَرم منتجي العسل من إمكانية الوصول إلى الأسواق الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك أدت التغيرات المناخية إلى تأثر مواسم إزهار أشجار السدر التي تتأثر بطبيعة الأمطار غير الموسمية التي شهدتها البلاد، مما يشكل تحد على النحالين لتقدير أفضل موسم يسرح فيه النحل لجمع الرحيق.
وأدى هطول الأمطار الغزيرة في السنوات الأخيرة إلى تساقط أزهار السدر قبل تمكّن النحل من جمع رحيقها.
وللتخفيف من الانعكاسات السلبية على قطاع تربية النحل في اليمن يحث عاملين في تربية النحل إلى اتخاذ تدابير تضع حدّا للاحتطاب الجائر في المراعي النحلية وفرض عقوبات على استخدام الحطب في المطاعم والمخابز خاصةً مع توفر الغاز المنزلي.
كما يدعوا المختصين بمجال تربية النحل إلى تبني استراتيجيات طويلة الأجل تشمل خطة تشجير واضحة تهدف إلى استعادة المراعي النحلية التي دُمرت وفُقدت خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بأشجار السدر والسمر والسلام، وتخصيص موارد لهذا الغرض للمحافظة على إنتاج العسل.
المصدر: ريف اليمن