تدوير الإطارات في اليمن: مبادرة صديقة للبيئة

تدوير الإطارات في اليمن: مبادرة صديقة للبيئة

فاطمة العنسي – تعز

تمكن سفيان نعمان( 45 عاماً)، من الاستفادة من الإطارات التالفة وتحويلها إلى أشياء قابلة للاستخدام في ورشته الصغيرة في صنعاء، مستغلاً تزايد كميات الإطارات التالفة التي باتت تشكل تحديًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا، و مصدرًا رئيسيًا للتلوث وإهدار للموارد الطبيعية في اليمن.

تعد مشكلة التخلص من الإطارات المستعملة في اليمن قضية مقلقة للغاية. خصوصاً في ظل غياب الدور الحكومي وتعقيدات عملية الحرق التي تمثل عبئًا بيئيًا كبيراً.

ومع تزايد حجم المشكلة تبرز الحاجة إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية، وهو ما دفع بعض المبادرات البيئية الآمنة إلى الظهور. إذ يؤكد خبراء البيئة بأن الأفكار الصديقة للبيئة تعتبر الحل الأمثل للتخلص من الإطارات التالفة.

مبادرة صديقة للبيئة

في عام 2018، وجد سفيان نفسه عاطلاً عن العمل، فاقدًا للشغف، محاطًا الإطارات المستعملة من كل جانب وحنيها خطرت له فكرة؛ وقام بإعادة تدوير إطار سيارة كان بحوزته، ثم حول ذلك الإطار التالف إلى تحفة فنية بعد تغليفه، واكتشف أنه قادر على تحويل شيء متهالك إلى شيء يمكن استخدامه ومن هنا، بدأ سفيان في نقل فكرته إلى مستوى آخر.

من ورشته الصغيرة في صنعاء، بدأ بتحويل مئات الإطارات المستعملة، بكل أحجامها وأشكالها، إلى قطع فنية واستطاع من خلال مشاريعه الخاصة لتدوير الإطارات المستعملة تدريب العديد من الشباب، ليصبحوا اليوم أصحاب مشاريع ناجحة.

يقول سفيان: “تخرج من ورشتي أكثر من سبعين عاملًا، منهم رجال ونساء وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع وجود ثلاثة عمال دائمين في الورشة، ويمكن طلب المزيد في حال كانت هناك طلبات كبيرة”.

وعن المخاطر البيئية، قال استشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي، الدكتور عبدالقادر الخراز بأن:” خطورة الإطارات تكمن في مكوناتها التي لا تتحلل بسهولة، و قابليتها للاشتعال.

وأوضح الخراز” أن تفاعلها مع المواد الحمضية يؤدي إلى إفراز مواد كيميائية يتم امتصاصها في الأرض، مما يتسبب في تلوث المياه الجوفية. كما أن أكوام الإطارات تشكل بيئة مناسبة لانتشار الحشرات والكائنات الضارة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للإنسان والبيئة.

طرق جديدة

يتحدث سفيان  كيف عمل مع فريقه على ابتكار طرق جديدة للتغليف باستخدام مواد مثل القطن، الخيش، القماش، وغيرها. وعندما يكتمل العمل، يتم عرض هذه المنتجات على الجهات المعنية مثل الهيئة العامة للبيئة، والشركات، والمدارس، حيث يتم شراء المنتجات المختلفة مثل الطاولات، الحواجز، الألعاب، والأحواض.

وأوضح “أن مشاريعهم تشمل العديد من الأعمال مثل الكراسي، ألعاب الأطفال، الطاولات، الحواجز، والمجسمات، مؤكداً شعوره بالفرح عندما يرى أعماله في الأماكن العامة،مشيراً أن اليمن وبيئتها بحاجة لهذه المبادرات التي تساهم في تقليل المخاطر البيئية”.

مبادرة تدوير الإطارات في اليمن
قدر تقرير اقتصادي صادر عام 2022، حجم سوق الإطارات في اليمن بنحو 300.84 مليون دولار

تقنيات إعادة التدوير

تتم عملية التدوير عبر عدة مراحل،  تبدأ بجمع الإطارات المستعملة من مصادر متعددة ثم بعد جمع الإطارات، تأتي مرحلة الفرز حيث يتم تصنيفها إلى نوعين: إطارات قابلة للتجديد أو الإصلاح، وأخرى غير قابلة للإصلاح. تلك الأخيرة يتم تحويلها إلى مواد يمكن إعادة تدويرها.

بعد ذلك، يتم تنظيف الإطارات بشكل دقيق،  وتقطيعها وفصل مكوناتها. يتم استخراج المطاط الذي يُستخدم في صناعات مختلفة، بينما تُستخرج الأسلاك المعدنية وتُعاد كخردة. الألياف النسيجية التي تحتوي عليها الإطارات يتم استخدامها في إنتاج منتجات متنوعة، مما يعزز عملية الاستفادة من كل جزء من الإطار.

المرحلة التالية هي استخدام مواد إضافية مثل القماش، الخيش، الألوان، والخيوط الحباكة لتصنيع منتج صديق للبيئة ومستدام، مما يعكس فلسفة المبادرة في إعادة الاستخدام والتقليل من الأثر البيئي.

وتواجه المبادرة تحديًا بسبب الأدوات والمعدات البدائية التي يستخدمونها. إذ يقول سفيان: “أدواتنا بسيطة، بدائية، ومع ذلك نسعى جاهدين للحصول على دعم مالي من أي جهة يمكن أن تساعدنا، لنتمكن من استيراد معدات حديثة وتحويل الورشة المتواضعة في حوش المنزل إلى مصنع كبير”.

تمكن سفيان نعمان( 45 عاماً)، من الاستفادة من الإطارات التالفة وتحويلها إلى أشياء قابلة للاستخدام في ورشته الصغيرة في صنعاء

مرحلة التطوير والشراكة

من خلال شراكة مع القطاع الخاص، وكونه أول “مشروع يمني يهتم بمكافحة تلوث الهواء وإعادة تدوير الإطارات”، سعى سفيان إلى استثمار طاقته وفكرته في إعادة تدوير أكثر من 8000 إطار مستعمل، أي ما يعادل حوالي طن من الغازات السامة التي كانت ستنتج عن حرق هذه الإطارات خلال السبع سنوات الماضية.

وقال سفيان “أن الحس الفني هو العامل الرئيسي الذي يضمن تصميم أفكار جديدة تلبي احتياجات العملاء. هذا العمل يحفز عقله للإبداع، حيث استطاع مع مرور الوقت تطوير أفكاره وإنتاج مستلزمات قابلة للاستخدام الشخصي والمنزلي بكفاءة عالية”.

تمتد لمسات المبادرة لتزين شوارع صنعاء وعدد من مدارسها ومنازلها، كما وصلت إلى محافظات أخرى مثل حديقة الحيوان في محافظة تعز جنوب غربي البلاد، بالإضافة إلى تعز، الحديدة، دمت، عدن، وذمار. وكان آخر أعماله حديقة غزة برعاية المفوضية السامية ومنظمة SDF. وأشار إلى أن مشروع الحديدة وحده استهلك 1800 إطار.

تكلفة عملية التدوير

تكلفة إنشاء مصنع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة تتطلب استثمارًا كبيرًا في عدة جوانب أساسية. أولاً، يجب شراء المعدات اللازمة للعملية، وهي عادة ما تكون باهظة الثمن، حيث يتم استيرادها من الخارج. ثانيًا، يحتاج المصنع إلى تجهيزات من حيث البناء، بما في ذلك توفير وسائل الأمن والسلامة لضمان بيئة عمل آمنة.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل التكاليف التخلص السليم من المخلفات، ودفع فواتير المياه والكهرباء، وتوفير المواد الخام اللازمة للعملية. كما يجب تحديد رواتب العمال وتنظيم عملية الإنتاج، بما في ذلك تصدير المنتجات الجاهزة.

أما بالنسبة لتكلفة حرق الإطارات والتخلص منها، يتطلب المشروع اختيار موقع مناسب، بحيث لا تقل المساحة عن 400 متر مربع. كما يحتاج إلى معدات خاصة مثل “منشار الشريط لتقطيع الإطارات الكبيرة، آلة طحن الكاوتشوك، ميزان ميكانيكي، عربة جرّيدوية، آلة تعبئة وتغليف، ماكينة تقطيع، وماكينة فرم”.

بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير المواد الخام للإطارات، وتأمين احتياجات أساسية مثل الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي والصرف الصحي. كما يجب تخصيص مساحة لتخزين المواد الخام والمنتجات النهائية، بالإضافة إلى توفير مكاتب للموظفين والإداريين.

التحديات والدور الحكومي 

يؤكد سفيان نعمان أن الدور الحكومي في مشاريع حماية البيئة لا يزال غائبًا، حيث لا تجد المبادرات مثل مبادرته أي دعم أو اهتمام من الجهات الرسمية. بالمقابل، لعبت المؤسسات والشركات الخاصة دورًا حيويًا في تقديم الدعم. يقول سفيان: “لقد قدمت لنا دورات تدريبية، مشاريع، معارض، بالإضافة إلى الرعاية و اللفتات الكريمة، والشهادات التقديرية في أغلب المناسبات البيئية”.

وأشار إلى أن المجتمع كان في البداية غير مدرك للمبادرة، وكان هناك عدم تقبل من قبل بعض الأفراد لفكرة إعادة تدوير الإطارات. كان الناس يرون أن الإطارات التالفة لا يمكن استخدامها مجددًا، مما أدى إلى صعوبة في نشر الفكرة خارج بشكل كبير.

في البداية، كان سفيان وفريقه يجمعون الإطارات المستعملة من أماكن تصليح الإطارات (البناشر) والورش والشوارع، وحتى من بعض الأصدقاء والمهتمين، وكانت هذه العملية تتم مجانًا. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه العملية تتطلب دفع مقابل، وهو ما شكل تحديًا إضافيًا بسبب غياب الدعم المالي.

ويأمل سفيان أن تلقى المبادرات البيئية اهتمامًا أكبر من الحكومة، وأن يتم فتح ورش أو شركات متخصصة للمضي قدمًا نحو بيئة ومناخ مستدامة، خاصةً في اليمن التي تُعاني من التلوث البيئي

الخراز: مساهمة سفيان في حل مشكلة الإطارات التالفة تحد من الأضرار البيئية الناجمة عن حرقها في الشوارع أو رميها في الطرقات، مما يؤثر سلبًا على البيئة بشكل عام.

يسعى سفيان إلى توسيع مشروعه وإنشاء ورشة مستقلة بدلاً من العمل في حوش منزله، ويأمل أن يوفر هذا المشروع فرص عمل للشباب العاطلين. وقد أُعلنت الأمم المتحدة مؤخرًا سفيان بطلًا من أبطال البيئة في العالم لعام 2024، تكريمًا لجهوده في مكافحة تلوث الهواء.

في الوقت الحالي يعمل سفيان على إعداد دراسة شاملة لمبادرته لتقديمها إلى جهات خاصة ومنظمات بيئية، على أمل الحصول على الدعم المالي الذي يمكّنهم من فتح ورشة أكبر. ويؤمن أن هذا سيساهم في استقبال المزيد من الشباب العاملين، وتوسيع دائرة الابتكار في إنتاج منتجات جديدة من الإطارات، ما يفتح أبواب التمويل والدعم الدولي.

وتعد إعادة تدوير الإطارات خطوة أساسية نحو الاستدامة، حيث تساهم في تقليل التلوث وحماية البيئة. بدلاً من التخلص منها بطريقة غير آمنة، يمكن إعادة استخدام الإطارات لتصنيع منتجات جديدة، مثل الأثاث والديكورات. هذه المبادرات تساهم في تقليل النفايات، توفير المواد الخام، وتقليل الانبعاثات الضارة، مما يعزز من صحة البيئة والمجتمعات المحيطة.

وقدر تقرير اقتصادي صادر عام 2022، حجم سوق الإطارات في اليمن بنحو 300.84 مليون دولار، حيث تساهم الظروف المناخية القاسية في زيادة الطلب على الإطارات، من حرارة الصحراء الحارقة إلى الرطوبة الساحلية.

وخصصت الأمم المتحدة يوم 5 يونيو/ حزيران من كل عام، منذ عام 1974، يوماً للبيئة، الذي يهدف إلى تحسين جودة الهواء في المدن والمناطق في جميع أنحاء العالم.

تدوير الإطارات
تعد إعادة تدوير الإطارات خطوة أساسية نحو الاستدامة، حيث تساهم في تقليل التلوث وحماية البيئة.
الكاتب

مواضيع مقترحة: