التغيرات المناخية تُضاعف معاناة المشردين في شوارع اليمن

التغيرات المناخية تُضاعف معاناة المشردين في شوارع اليمن

علي سالم المعقبي – تعز

يواجه المئات من المشردين الذين يفترشون الارصفة والشوارع في المدن اليمنية ، تحديات وصعوبات كبيرة، فهم بالإضافة إلى الظروف القاسية التي يعيشونها قلبت التغيرات المناخية التي شهدتها البلاد حياتهم رأسا على عقب.

حسين ذو الستين عاماً واحداً منهم، إذ اجبرته قطرات المطر الشتوية إلى حمل كومة من قطع الكرتون والثياب القديمة ونقلها إلى الجهة الأخرى في شارع العواضي بمدينة تعز، كان مأواه هناك في تلك الكومة.

مطر الشتاء يُضاعف المعاناة 

حسين ومعه المئات من المشردين في شوارع مدينة تعز اعتادو في السابق على شتاء جاف، إذ لم تكن الأمطار تتساقط في الخريف أو الشتاء، لكن التغيرات المناخية غيرت كل شيء.

لا يملك حسين شيئًا سوى بقايا الطعام التي يجدها من خلال التجول في شوارع المدينة المكتظة بالسكان . وعندما يحل الليل، يلوذ بكومة من الكرتون وهي لا تكاد تدفئه من قسوة البرد القارس .

لم يعد فصل الخريف يحمل له أملًا. مع تساقط الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، يعاني هو وغيره من المشردين من تقلبات المناخ التي لا حيلة في مواجهتها.

تعتبر اليمن من أكثر البلدان تعرضًا لمخاطر التغير المناخي، وأقلها استعدادًا للتكيف، كما يوضح الدكتور أنور الشاذلي، الخبير البيئي في جامعة تعز، مضيفًا أن دور الدولة غائب تمامًا.

انهيار مؤسسات الدولة بسبب الحرب منذ عام 2014 ترك اليمن في أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث. وفقًا للأمم المتحدة، يعيش 60% من اليمنيين في فقر مدقع. لكن الأكثر تأثرًا هم الفئات الضعيفة؛ المهمشون والمشردون، الذين أصبحوا ضحايا السياسة والمناخ معًا.

ووفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “أوتشا” “لا يزال أكثر من 4.5 ملايين شخص في اليمن مشردين، نزح معظمهم عدة مرات على مدار عدة سنوات.

أكثر من 4.5 ملايين شخص في اليمن مشردين، نزح معظمهم عدة مرات خلال السنوات الماضية (أوتشا)

آفاق قاتمة 

منذ عام 1981 وحتى 2022، ظهرت أمام اليمن صورة قاتمة، كانت فيها المخاطر البيئية تتسارع بلا هوادة. حذّرت البيانات الدولية من انهيارات اقتصادية واجتماعية لا مفر منها.

في عام 2023، أصبحت الحياة بالنسبة لغالبية اليمنيين شبه مستحيلة. زاد الجوع بشكل مضاعف في بعض المناطق، وفقًا لتقرير البنك الدولي ، الذي لم يخفِ توقعاته السلبية بشأن المستقبل.

وفي عام 2025، كانت الآفاق أكثر قتامة، مما يعني المزيد من الفقراء والمشردين. ويعاني النصف الآخر من اليمن يعاني من آثار التغير المناخي، يعصف بهم الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة.

هذه التقلبات تضاعف من فقرهم وتزيد من انعدام الأمن الغذائي، كما جاء في تقرير البنك الدولي الأخير. الجميع في اليمن يعيشون على حافة الخطر.

في أوقات متفرقة، نجد في مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات ساخنة بين “أنصار الصيف” و”أنصار الشتاء”.

بعد أن أصبح الصيف أشبه بجحيم في مدن ساحلية مثل عدن، التي سجلت أعلى معدل عالمي لارتفاع درجات الحرارة، أصبح الناس في المدينة يتنقلون بين الشكاوى المتكررة من تردي الخدمات، وعلى رأسها انقطاع الكهرباء المتواصل.
في حين أن سكان المناطق الباردة مثل صنعاء وذمار، يعانون من شدة البرد الذي يضيف أعباءً جديدة على معاناتهم.

ووسط هذه الأجواء القاسية، يواجه أكثر من مليون موظف حكومي في مناطق سيطرة حكومة صنعاء انقطاعًا طويل الأمد في الرواتب.

لكن معاناة الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي لا تساوي شيئًا مقارنة بما يعيشه المشردون في شوارع المدن. خلال العقد الماضي، تضاعف عدد المشردين بشكل ملحوظ، حسب تقديرات غير رسمية. ومع تفشي وباء كورونا والكوليرا، كان المشردون أول ضحايا الفيروسات، كما أكدت مصادر طبية في صنعاء وعدن.

من ناحية، تدمر الحرب اليمن، ومن ناحية أخرى، يزيد التغير المناخي من معاناة سكانه. لكن الواقع هو أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع هم الأكثر تأثراً بهذا الواقع المزدوج.

شتاء بلا بطانيات

ضاعفت التحولات البيئية معاناة حسين ومعه المئات ممن لا يمتلكون مأوى يحميهم من برد الشتاء القارس إذ أن الحملات الخيرية التي كانت تعمل في توزيع البطانيات توقفت عن مساعدة المشردين بسبب شح التمويل خلال هذا العام.

على سبيل المثال حملة “دفا الشتاء”. التي كانت تنفذها “مؤسسة آفاق” خلت هذا العام من البطانيات بسبب نقص التبرعات، ما جعل المساعدات تقتصر على الملابس الشتوية فقط.

يقدر مؤسس “آفاق” الباروت عدد المشردين في تعز بحوالي 350 مشردًا، معظمهم يعانون من اضطرابات نفسية، بينهم نساء.

وينص الدستور اليمني على حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، لكن الواقع مختلف. “المشردون يعاملون كما لو كانوا حشرات”، هكذا يعبر الباروت عن الحال.

تعود علاقة الباروت بالمشردين إلى فترة عمله في شرطة السير. كان يشاهد جثث الضحايا من المشردين تبقى في الثلاجة لفترة طويلة.

حين أسس “مؤسسة آفاق”، كانت أول خطوة له هي التكفل بدفن جثث المشردين والمختلين عقليًا. اليوم، تقدم “آفاق” للمشردين معاطف شتوية وملابس داخلية، وتتكفل في عيدَي الفطر والأضحى بغسلهم وحلاقة شعورهم. يطمح الباروت مستقبلاً إلى بناء مشفى يأوي المشردين والمختلين عقليًا، لكن الأمل ضئيل، كما يبدو.

يذكر تقرير المناخ والتنمية  في اليمن أن المخاطر البيئية قد تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9% بحلول عام 2040. الدولة تكتفي بالتعاون مع المنظمات الدولية. أما المشردون، فلا أحد يهتم بهم سوى فاعلي الخير. 

إجمالاً فإن التغيرات المناخية تُضيف عبئًا جديدًا على معاناة اليمنيين الذين يعانون أصلاً من أزمات الحرب والفقر. في هذا الواقع القاسي، يظهر الفقر كعدو مشترك، والبيئة كحليف للجوع والمرض.

الكاتب

مواضيع مقترحة: