مبادرات ريمة الإنسانية: تكافل مجتمعي ينقذ الأرواح

تحتاج المبادرات لتنظيم إداري يضمن إستمرارها والشفافية

مبادرات ريمة الإنسانية: تكافل مجتمعي ينقذ الأرواح

تحتاج المبادرات لتنظيم إداري يضمن إستمرارها والشفافية

بعد أن وجد الشاب الثلاثيني “اطراد العزي”، نفسه عاجزاً أمام المرض بلا حيلة، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، تمكنت مبادرة إنسانية مجتمعية في محافظة ريمة  من توفير تكاليف علاجه، وتسفيره إلى خارج اليمن لتلقي العلاج اللازم.

يقول العزي -الذي أصيب بسرطان الغدة النخاعية- لمنصة ريف اليمن: “عندما أخبرني الطبيب المتابع لحالتي في أحد المستشفيات السعودية عن إصابتي بسرطان الغدة، أصابني الهلع، وشعرت بأن أيامي في الحياة أصبحت معدودة”.

ويضيف: “حاولت التغلب على خوفي، وكان الأمل الوحيد هو السفر إلى الهند لإجراء عملية جراحية، لكن التكاليف الباهظة وقفت عائقا أمامي؛ إذ قدرت تكاليف العملية بنحو 40 ألف دولار أمريكي”، مشيراً إلى أنه “بفضل مبادرة أهل المنطقة تم جمع المبلغ، خلال 40 يوما، وتم إجراء العملية في الهند بنجاح”.

ريمة والتكافل المجتمعي

ليست المبادرة الأولى التي تشهدها ريمة، إذ برزت خلال السنوات الماضية، العديد من المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى مساعدة المرضى والمحتاجين، وإنقاذ أرواح الكثيرين ممن لم يتمكنوا من تحمل نفقات العلاج الباهظة ما يعكس قوة التكافل الاجتماعي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

“وضاح محسن” ( 35 عاماً) هو الآخر، أنقذت حياته مبادرة مجتمعية إثر تعرضه لحادث مروري أثناء قيادته للدراجة في مديرية يريم بمحافظة إب (وسط اليمن) عام 2024؛ إذ أصيب بكسور في جسمه، وتفتُّت عظام الساق الأيسر، وتمزُّق في الأوعية الدموية.


       مواضيع مقترحة


كان محسن يحتاج إلى إجراء 3 عمليات جراحية، بتكلفة مالية تصل إلى أكثر من مليوني ريال يمني، أي ما يعادل نحو 4 ألف دولار أمريكي، وهو غير قادر على توفيرها؛ فهو يعمل في بيع الآيسكريم، وبالكاد يتمكن من تأمين الغذاء لأفراد العائلة.

لكن سكان قريته بريف ريمة أطلقوا مبادرة لمساعدته، وتوفير المبالغ المالية منذ دخوله غرفة العمليات، وخلال أسبوع واحد كانت نتائج هذه الحملة مليوناً و800 ألف ريال يمني تمكن من خلالها دفع تكاليف العلاج حتى تماثل للشفاء.

وتكللت المبادرات المجتمعية في محافظة ريمة بالنجاح والقدرة على تلبية احتياجات الفئات المستهدفة، فقد تمكنت من جمع مبالغ طائلة وصلت في بعض الحالات إلى 10 ملايين ريال يمني. ويقول “نضال ناصر”، وهو أحد المسؤولين في المبادرات: “تختلف حملات التبرعات التي تقام بحسب الهدف والحاجة للحملة؛ إذ تنحصر بعض الحملات على مستوى الأسر، وبعضها على مستوى العزلة، وقليل منها ما تكون مفتوحة”.

طوق نجاة

وأضاف في حديثه لمنصة ريف اليمن: “تبدأ الحملة الانسانية عبر إنشاء مجموعة على تطبيق الواتساب، وإضافة الأشخاص بحسب هدف الحملة والمبلغ المطلوب، واسم الشخص المحتاج لهذه الحملة، ثم يعلن أغلب أعضاء المجموعة عن تبرعاتهم بحسب قدراتهم المالية؛ ليتولى لاحقًا أحد المسؤولين تحصيل التبرعات وتسليمها إلى الشخص المستهدف”.

وتُطلق هذه المبادرات بشكل عفوي على أيدي أشخاص عاديين، معظمهم من الشباب، وتعتمد هذه الجهود بشكل كبير على دعم المغتربين في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى التجار وأصحاب الخير، ومثلت طوق نجاة للكثير من المجتمعات الريفية في المحافظة، خصوصا في القرى الجبلية التي يعاني سكانها من شح الخدمات الأساسية مثل: وعورة الطريق، وغياب المرافق الصحية، والمدارس، وغيرها من الخدمات.

الصحفي المتخصص في الشؤون الإنسانية “فائز الضبيبي” قال إن هذه المبادرات انتشرت عقب اندلاع الحرب في اليمن عام 2014، عندما شهدت البلاد تدهورًا اقتصاديًا كبيرًا، وتوقفًا لرواتب موظفي الدولة.

وأضاف الضبيبي في حديث لمنصة ريف اليمن: “بسبب عزلة سكان ريمة عن العالم، وحرمانهم من أبسط الخدمات الأساسية، لم يجدوا أمامهم سوى التعاون والتراحم لمواجهة الأزمات الإنسانية التي أثقلت كاهلهم، وكسر العزلة والحرمان الذي ظلوا يعانون منه منذ قرون”.

تحديات وحلول

على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها المبادرات المجتمعية في ريمة؛ إلا أنها  تواجه تحديات عديدة، أبرزها ضعف التنظيم وغياب الشفافية، مما يؤثر على فعالية تحقيق الأهداف، مما ينعكس سلباً على تحقيق الأهداف.

ويقترح أستاذ الاقتصاد بجامعة عمران “عمار الشبلي” حلولاً لضمان استمرارية مثل هذه المبادرات، منها العمل على تحويلها إلى مؤسسات اجتماعية وإنسانية تعتمد على هيكلة إدارية واضحة، وتلتزم بمبادئ النزاهة والشفافية، بالإضافة الى تشجيع التدريب والتأهيل للقائمين عليها لضمان تحقيق الأثر المرجو منها.

وأضاف الشبلي لمنصة ريف اليمن: “تحتاج المبادرات إلى القوننة، من حيث من يحق التبرع لهم من خلال تحديد نوع المرض، ووضع المريض الاجتماعي والاقتصادي، ومدى قدرة أسرته على تغطية نفقات العلاج، عبر لجنة مكونة من 3 إلى 4 أشخاص تتولى دراسة استحقاق المساعدة”.

وتابع: “لتجنب رمي الاتهامات على مسؤولي الحملة وضمان نجاحها يُفضَّل عدم تسليم المبلغ مباشرة لصاحب الشأن، بل تتولى اللجنة التسديد بنفسها، بحيث لا يكون هناك علاقة للمبلغ المتبرع به بالمصاريف الشخصية بالمرافقين وأهل المريض، كما تتولى اللجنة قرار تحديد بدء الحملة وإغلاقها”.

ووفق إحصائيات مكتب الأشغال العامة والطرقات في المحافظة نهاية العام 2022، فقد بلغ عدد المبادرات المجتمعة حوالي 261 مبادرة في 6 مديريات، بتكلفة تزيد على 20 مليارًا و35 مليون ريال يمني، أغلب هذه المبادرات بجهود مجتمعية.

*صورة الغلاف: عبدالله حميد الأبارة- أسامة نبيل الأبارة

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: