لماذا تعتبر المدرجات الزراعية باليمن من أرقى إبداعات الإنسان؟

لماذا تعتبر المدرجات الزراعية باليمن من أرقى إبداعات الإنسان؟

التربة التي اعتبرت كنزا ثميناً لقرون من الزمان، تحول المنحدرات الشديدة الانحدار في اليمن إلى أرض خصبة ومنتجة، والقهوة المزروعة هناك تم تقديمها في المقهى الأول بلندن عام 1652.

دائمًا تدرك أنك على وشك رؤية شيء مثير للاهتمام عندما يخلع سائق سيارتك حذائه ويمسك بدواسات القدم بقوة بأصابع قدميه المتصلبة.

كنت جديدًا في اليمن ولم يكن لدي أي فكرة عما أتوقعه، كل ما رأيته هو أننا كنا على هضبة جبلية صخرية نندفع نحو حافة منحدر على متن سيارة تويوتا لم يتذكر أحد صيانتها وفحصها.

انحرفت آثار الإطارات المتوازية على قمة الجبل المتربة إلى اليسار بشكل حاد، واختفى الأفق في فراغ ضبابي مزرق اللون. لقد بدأ نزولنا للأسفل حيث نمر بسلسلة من الاهتزازات والاصطدامات المروعة.

المدرجات الزراعية

توقفنا لندور حول منعطف حاد، وقفزت من السيارة لأستمتع بالمنظر. ثم ألقيت نظرة أولى على أحد أعظم الإبداعات البشرية في العالم: المدرجات اليمنية. فهي تمتد من القمة إلى قاع الوادي، وتتعرج حول محيطها، وهي إنجاز مذهل من الجهد الجماعي الذي تم تكراره في سلسلة الجبال التي تمتد من الحدود السعودية إلى النقطة الجنوبية من شبه الجزيرة العربية عند عدن.

المدرجات الزراعية باليمن
المدرجات الزراعية البدعية في جبل صبر بمحافظة تعز جنوب غربي اليمن (ريف اليمن/ محمد التويجي)

إن كل جدار من جدران المدرجات لهو شهادة على فن البناء بالحجارة، حيث يبلغ ارتفاع بعضها ارتفاع المنزل للحفاظ على بضعة أمتار من التربة. وهذه التربة، التي تم جمعها بعناية والاعتناء بها على مدى قرون، تحول هذه المنحدرات الشديدة إلى أرض خصبة منتجة.

كان البن المزروع هنا يقدم في أول مقهى في لندن في عام 1652، على الرغم من أن الأصل الحقيقي في ذلك الوقت كان غامضًا لدرجة أنه كان يُعرف باسم ميناء “موكا” (المخا) في البحر الأحمر حيث كان التجار يشترونه.

في كل مكان ترى فيه الصنعة المعقدة والعناية التي تبذل للسيطرة على التربة والمياه والاحتفاظ بها. بعض الصهاريج الحجرية أكبر قليلاً من حوض الاستحمام، والبعض الآخر بحجم حمام السباحة الأولمبي مع أنظمة معقدة للوصول عبر السلالم والحواف.

في الربيع، على أحد الجبال، جبل صبر بالقرب من مدينة تعز الجنوبية، كنت أسير عبر بساتين مظللة من أشجار البن واللوز والقات، مستمعاً إلى المزارعين وهم يتحدثون مع أصدقائهم الذين قد يكونون على بعد 100 متر فقط على شرفة عبر الوادي، لكنهم يقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام.

وتستخدم الجدران المشرفة كمقبرة أيضاً. فعندما يموت الناس، تتحول القرية بأكملها إلى حملهم عند الفجر ووضع الجثث المغطاة خلف حجر. وآخر ما يفعله الجميع هو دفع الأقحوان وحبوب البن.

كانت العديد من المدرجات قديمة بالفعل عندما وصفها العالم العربي أبو الحسن الهمداني في القرن العاشر بأنها من عجائب الدنيا. والحقيقة أن المدرجات الزراعية هي نتاج أجيال من التفاني البشري، حتى يومنا هذا.

صحيح أن بعضها تردى في حالة سيئة، لكن بعضها الآخر لا يزال قائماً، وبفضل إدارتها للتربة والمياه، تظل رمزاً قوياً للاستدامة والعناية البيئية والحس السليم.

* نقلا عن صحيفة الغادريان للكاتب، كيفن راشبي

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: