بينما كان عياش علي (30 عاماً) يتنزه مع زوجته في إحدى حدائق العاصمة صنعاء، اعترضه أحد رجال الأمن وطلب منه تقديم وثائق عقد الزواج الرسمية. ما بدأ كنزهة هادئة سُرعان ما تحول إلى تجربة مريرة؛ إذ خضع الزوجان للتحقيق والمساءلة، مما أفسد رحلتهما.
يصف عياش الذي ينحدر من ريف محافظة إب (وسط اليمن)، تلك التجربة بـ”أسوأ لحظة مر بها في حياته”، لافتا إلى أن تقاعسه عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستخراج وثائقه الرسمية ناتج عن عدم تسهيل السلطات إجراءات استخراج تلك الوثائق وتعميدها.
ويقول لمنصة ريف اليمن:” سافرت بعد الزواج للتنزه في صنعاء، ولم نكن على علم بتلك الإجراءات، إذ كنا نفتقد وثيقة عقد الزواج، رغم أن زواجنا موثق في السجل الشرعي”. ويتابع: “تحولت رحلتنا إلى تحقيق مطول، تعرضنا خلاله للتفتيش والمساءلة وغيرها من الإجراءات، ووجدنا أنفسنا غرباء في حديقة عامة تعج بالزوار، ولم نتمكن من الفكاك إلا بضمانات”.
وتعد الإجراءات التي تفرضها السلطات على المواطنين في الحدائق مرفوضة وتنتهك خصوصية الأسر التي لا تكترث لحمل وثائق الزواج، في حين يمنع دخول زوجين إلى الفنادق دون وثائق رسمية موثقة لعقود الزواج، وهنا العائق الأكبر لسكان الريف في المدن الرئيسية.
مصاعب بسبب الوثائق الشخصية
ويفتقد الكثير من سكان المناطق الريفية في اليمن إلى الوثائق الرسمية، مثل: الهوية الشخصية، أو عقود الزواج؛ مما يؤثر بشكل سلبي على حياتهم؛ خاصةً أثناء سفرهم إلى المدن، أو إجراء المعاملات في المصالح التي تتطلب إثباتات قانونية.
ذات الأمر تكرر مع السيدة انتصار يحيى (32 عاما) وزوجها، إذ لم يتمكنا من الإقامة في أحد فنادق العاصمة صنعاء أثناء قدومهما للعلاج من ريف محافظة حجة (شمال غربي اليمن)؛ لأن وثيقة إثبات الزواج غير معمدة من قبل الجهات الرسمية رغم مرور عشر سنوات على زواجهما.
في القرية التي تنحدر منها انتصار في ريف محافظة حجة -كما في الكثير من القرى الريفية في اليمن- تنتهي طقوس الزواج بكتابة بيانات الزوجين في السجل لدى عدل المنطقة، ثم التوقيع عليها وقراءة الفاتحة، دون القيام ببقية الإجراءات الرسمية في المحاكم؛ مما ينعكس سلباً على النساء، خصوصاً أثناء السفر إلى المدن.
ويواجه العديد من المواطنين في المناطق الريفية اليمنية مشاكل أخرى؛ مثل صعوبة استخراج شهادات ميلاد لأطفالهم. ففي محافظة حضرموت -على سبيل المثال- عجز أبو أحمد عن استخراج شهادة ميلاد لابنه بسبب عدم امتلاكه عقد زواج موثقاً. ويقول لمنصة ريف اليمن: “كلما تقدمنا في المعاملات، كانت الإجابة الوحيدة هي بضرورة تقديم وثيقة زواج معتمدة”.
تؤكد السيدة انتصار أن “التوثيق الرسمي في المحاكم الحكومية يتطلب وقتًا طويلًا وتكلفة مالية تصل إلى 25 ألف ريال يمني”، أي ما يعادل نحو 47 دولاراً بسعر الصرف في صنعاء. ويشير أحمد قاسم (42 عاما) إلى أن الإجراءات الرسمية لتوثيق الزواج أصبحت مكلفة ومعقدة، وتتطلب الكثير من الوقت والمال، خاصة في المناطق النائية والبعيدة عن مراكز المدن.
تنتهي طقوس العقد بكتابة بيانات الزوجين في السجل لدى عدل المنطقة، ثم التوقيع عليها وقراءة الفاتحة، دون القيام ببقية الإجراءات الرسمية في المحاكم
يقول قاسم، من أبناء ريف محافظة حجة، لمنصة ريف اليمن: “تفاقمت المشكلة بعدما تم تحويل المعاملات إلى المحاكم في مراكز المديريات، ما ضاعف من معاناة الأزواج الذين يعيشون في أطراف المحافظة” ويضيف: “أنا متزوج منذ 20 عاما، ولم أتمكن من إتمام كافة الإجراءات. نواجه صعوبات خلال المعاملات المعقدة، ونقطع المسافات البعيدة، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي تتضاعف عاماً بعد آخر”.
توثيق عقود الزواج وغياب الوعي
وبالإضافة إلى الخوف من التكاليف الباهظة، تكمن مشكلة الجهل لدى أفراد المجتمع الريفي بإجراءات توثيق الزواج وعدم معرفتهم بأهمية ذلك؛ مما يؤدي إلى صعوبة في إثبات العلاقة أمام الجهات الرسمية في المدن.
تؤكد صفاء محمد، المنحدرة من ريف محافظة ذمار، بأنها تعرضت وزجها لموقف صعب في صنعاء، واضطرت إلى استئجار شقة بمبلغ كبير بعدما رفض موظف الفندق استقبالها وزوجها بسبب غياب الوثائق الرسمية.
بالنسبة للسيدة صفاء فإنها -وفق حديثها لمنصة ريف اليمن- لا تعلم شيئا عن أهمية تعميد وثيقة الزواج، إذ تقول: “بعد الاتفاق على تكاليف الإقامة طلب منا الموظف إثبات عقد الزواج، لا نعرف شيئا عن تلك الإجراءات، ورفض السماح لنا بالإقامة، رغم أن الزواج كان موثقًا في سجل الأمين الشرعي ولم نكن نعلم أن الوثيقة تحتاج إلى تعميد رسمي في المحاكم”.
تعد عملية التوعية بأهمية تعميد عقود الزواج ضرورة ملحّة لضمان الحقوق القانونية والاجتماعية، كما أنها أولوية لتجنب الإشكاليات وللحد من التعقيدات التي قد يواجهها المواطنون
وتضيف:” تعرضنا لمشكلة، وبحثنا عن شقة لفترة وجيزة، ورفض أيضا صاحب البيت، وطلب وثائق، وبعد أن أحضرنا تعريفاً وضمانة من معرض سيارات معروف لدينا، تم استئجار الشقة لأيام معدودة بمبلغ 500 ريال سعودي، لأننا كنا مضطرين لذلك”.
ضرورة ملحّة
ويؤكد يحيى الشاوش، وهو أمين شرعي في مديرية كعيدنة بمحافظة حجة على أهمية اتخاذ خطوات عاجلة من أجل تسهيل إجراءات توثيق الزواج في المناطق الريفية”. ويقول الشاوش لمنصة ريف اليمن: “يجب على الجهات المعنية زيادة التوعية حول أهمية توثيق الزواج، وتخفيف الرسوم المفروضة على الأزواج حديثي الزواج”.
من جانبه أكد عبد الحكيم السنباني، وهو أحد سكان ريف ذمار، بأن “هناك خطوات ملحوظة لتحسين الوضع، حيث أصبحت الإجراءات أسهل مقارنة من السابق، وتقلصت الأعباء المالية على الأزواج”. وقال السنباني لمنصة ريف اليمن: “قبل عامين، كان الزواج في قريتنا يتم بالطريقة البدائية، أما الآن فأصبح الزوج ملزمًا بتعميد وثائقه، وكذلك ولي الأمر أصبح مهتمًا بموضوع التعميد بسبب المشكلات التي واجهها المجتمع”.
في السياق ذاته عبر القاضي يحيى حسين، الذي يدرس في معهد القضاء العالي، عن استغرابه من تساهل الكثيرين هذا الشأن. وقال لمنصة ريف اليمن: “حقوق المرأة في اليمن باتت بعيدة عما منحها القانون، خاصة في المادة (14) التي تنص على ضرورة توثيق عقد الزواج لدى الجهة المختصة خلال اسبوع”.
وأضاف: “هذه الإشكالية ليست مقتصرة على الأرياف فقط، بل أصبحت منتشرة في المدن أيضًا بسبب التساهل في متابعة التوثيق”، لافتا إلى أن هناك مساعي جادة وخطوات ملموسة لتحسين الوضع، بما في ذلك تسهيل الإجراءات وتخفيض الرسوم، وتوعية المجتمع بأهمية ذلك الأمر.
ويعتبر التوثيق أمر قانوني يعاقب عليه من لم يلتزم بتطبيق، إذ تنص المادة 14 من قانون الاحوال الشخيصة على الآتي” يجب على من يتولى صيغة العقد وعلى الزوج وعلى ولي الزوجة ان يقيدوا ورقة عقد الزواج لدى الجهة المختصة في الدفتر المعد لذلك خلال اسبوع من تاريخ العقد والا عوقب كل منهم طبقا لما هو مقرر في القانون(…)”.
وتعد عملية التوعية بأهمية تعميد عقود الزواج ضرورة ملحّة لضمان الحقوق القانونية والاجتماعية، كما أنها أولوية لتجنب الإشكاليات وللحد من التعقيدات التي قد يواجهها المواطنون أثناء سفرهم، أو خلال إجراء معاملاتهم في المصالح الحكومية.