مع الأسابيع الأولى لتدشين موسم صيد الجمبري، في محافظة الحديدة (غرب اليمن)، شهدت الأسواق المحلية وفرة كبيرة، الأمر الذي أدى الى انخفاض أسعارة في السوق المحلية إلى الضعف مقارنة بما يباع طوال العام وهو ما إنعكس سلباً على الصياديين.
ويعتبر موسم اصطياد الجمبري من أبرز مواسم الصيد البحري في اليمن، ويشكل دعامة أساسية لمعيشة سكان المناطق الساحلية، ويوفر فرص عمل لآلاف الصيادين الريفيين في المحافظات الساحلية، وهم من الفئات الأشد فقراً في البلاد، كما يعزز الموسم من مستوى معيشة الأسر التي تعتمد على الصيد البحري كوسيلة رئيسية للدخل.
والجمبري يسمى أيضا “الروبيان”، ويوجد منه أشكال مختلفة في السواحل اليمنية، وفقا لدراسة حكومية قديمة، وهو من أجود أنواع القشريات في البلاد، وأشهرها عالمياً، ويتم طباخته بطرق مختلفة، أبرزها: قلي (زيت – بروست)، طباخة مع الأرز، المشكل، الشوي.
مواضيع مقترحة
الوَزِف.. السمك المجفف المُفضل بمائدة سكان تعز
إغلاق مصانع الأسماك.. إضرار بالصيادين أم حفاظ على الثروة؟
ومع انطلاق الموسم، وجهت الجهات المعنية، بمنع “الصيد ليلاً”، كما حددت فترة الصيد من “الساعة الخامسة صباحاً حتى الساعة الخامسة مساءً”، وحظرت “الصيد في المناطق الضحلة التي يقل عمقها عن 10 أمتار”، متوعدة المخالفين بالعقوبات، وقالت إن ذلك بهدف منع الصيد الجائر.
لماذا وفرة الجمبري؟
مثل هذا الموسم من العام الماضي (2023)، كانت هناك وفرة كبيرة من “الجمبري”، في أسواق السمك بصنعاء، ووصل سعر الكيلو لأول مرة الى 1000 ريال (بحدود 2 دولار)، حتى أن البعض وصل الى التشكيك بصحتها على الجسم، متحدثين عن روائح “كربونية” تفوح منها وأنها قد تكون “مخزنه، فاسدة”، وهو ما سارعت الى نفيه وزارة الثروة السمكية.
وقالت الوزارة في حينه إن كميات الجمبري التي كانت معروضة في الأسواق “طازجة وذات جودة عالية”، مرجعة سبب زايد الكميات وانخفاض السعر الى “حظر اصطياده خلال موسم تكاثره”.
وفي رده على تساؤل “ريف اليمن” بشأن ذلك قال داوود فتيني، وهو أحد تجار الأسماك، إن انخفاض أسعار الجمبري بشكل ملحوظ، خلال العام الحالي والماضي، يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تراجع التصدير إلى الخارج بسبب الوضع السياسي والأمني الذي يعاني منه اليمن، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين.
وأدى تخصيص فترة محددة للصيد، وزيارة الإقبال على مهنة الصيد نتيجة انعدام فرص الأعمال إلى زيادة الكميات المعروضة من الجمبري في الأسواق المحلية خلال فترة محددة، ما ساهم في تراجع الأسعار بشكل كبير.
فتيني أوضح أن “تقاسم النفوذ وصعوبة التنقل بين محافظات البلاد، أجبر الموردين من سواحل الحديدة، على رفد أسواق معينة ذات قدرة شرائية بسيطة”، مشيراً إلى أنه “لا يكون السوق متشبع الا عندما يتم الاستيراد من السواحل الغربية للبلاد”، منوها الى أن الاقبال يكون ضعيف مقارنة بالكثافة السكانية.
وعن كيفية توفير الجمبري في غير موسمه يشير فتيني الى أن هناك كميات تكون مجمدة وأخرى تدخل الى السوق المحلي بطريقة مهربة وفي ذلك مخاطرة، ولهذا يكون في غير موسمه أغلى ويصل الكيلو بعض الأحيان الى ستة آلاف ريال (نحو 10$)
فرصة محدودة
ويمثل موسم الجبري فرصة للصيادين في منطقة الحديدة لتعويض فترة حظر الصيد لهذا النوع، والتي قد تمتد أحيانا من 4 أشهر الى 8″، ويوضح الصياد محمد ربيع لـ”ريف اليمن” أن الجمبري يُعتبر من الأنواع البحرية التي تجلب دخلاً جيداً للصيادين لكثرتها، مشيراً الى أن البعض يكتفي بما يستفيد منه خلال هذا الموسم، خصوصاً في ظل قلة الفرص المتاحة في مجالات أعمال أخرى.
ويفضل ربيع هذا الموسم عن غيره من مواسم صيد الأسماك لكثرة العائد الذي يكفيه لتغطية احتياجاته، مشيراً الى تزايد أعداد الصيادين الذين يقدرهم بالآلاف خلال هذا الموسم بالتحديد، يتجهون الى موائل خصبة مليئة بهذه الأنواع من الروبيان.
تحديات ومناشدات
ورغم الفوائد الاقتصادية، فإن الصيادين يواجهون تحديات كبيرة أثناء موسم الصيد، منها التغيرات المناخية وتقلبات الطقس، التي أثرت على وفرة الأسماك في السنوات الأخيرة، مع نقص الأدوات والمعدات الحديثة للصيد، وارتفاع تكاليف الوقود والزيوت الخاصة بمراكب الصيد، فضلاً عن الحاجة إلى الامتثال للتعليمات من الجهات المعنية بين الحين والآخر، والتصعيد العسكري قبالة السواحل الغربية لليمن.
والى جانب ذلك تعاني المجتمعات الساحلية من ضعف في البنية التحتية، بما في ذلك الموانئ ومرافق التخزين، مما يجعل من الصعب الحفاظ على جودة المنتجات البحرية لفترات طويلة، حسب صيادين فيما تقول الجهات المعنية إن الاصطياد العشوائي هو أسوأ ما يمكن أن يعاني منه هذا القطاع الهام.
وفي أحاديث منفصلة ناشد الصيادون الجهات المعنية بتوفير زوارق صغيرة بأسعار مخفضة ومقسطة أو تقديم محركات حديثة تساعد في تقليل تكاليف الصيد، مع إقامة دورات تدريبية متواصلة لتعريف الصيادين بأفضل الأساليب للحفاظ على البيئة البحرية، وكيفية التعامل مع الأزمات أثناء عمليات الاصطياد البحري.
فيما طالب عاملون في قطاع الصيد بتسهيل إجراءات التصدير وتقديم الدعم الفني واللوجستي لفتح آفاق جديدة أمام المنتج اليمني من الجمبري في الأسواق الدولية والإقليمية كما كان عليه قبل الحرب التي اندلعت قبل عشر سنوات وأثرت على حياتهم، مشيرين الى أنهم إذا تمكنوا من تصدير الجمبري وغيره من الأسماك إلى الخارج، سيسهم ذلك في تحسين وضعهم الاقتصادي.
ودعا بعض الصيادين إلى دعم هذا القطاع الحيوي من قبل الجهات المعنية وتقديم التسهيلات، لوصول الجنبري الى خارج المدن الرئيسية، مثل التجمعات والأسواق الريفية، كما شددوا على التوصل الى اتفاق بشأن فتح كافة المنافذ بين الطرق لإنهاء معاناة التنقل بين محافظات البلاد وسرعة الوصول.
ويمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن، غني بالأسماك والثروة البحرية، وفق بيانات رسمية.
وعلى الرغم من هذه الحدود الساحلية الضخمة، إلا أن قطاع الأسماك في اليمن، لايزال يعاني من ندرة الاستثمارات الكبيرة، وشحة الاستغلال الأمثل، سواءً من قبل الجهات المختصة في البلاد أو من قبل رجال الأعمال في الداخل والخارج، او شراكات دولية.
الصيد البحري: معلومات وأرقام
ويعتبر قطاع الأسماك في اليمن مصدراً أساسياً لعوائد الصادرات وتوفير البروتين الغذائي محلياً، إضافة إلى مساهمته في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير دخل لشريحة واسعة من سكان القرى الساحلية، كما أنه يرفد خزينة الدولة بمبالغ كبيرة،حيث بلغت قيمة صادراته خلال عام 2009، حوالي 33 مليار ريال، ورغم أن المخزون السمكي يسمح باصطياد 350-400 ألف طن سنوياً دون التأثير عليه، إلا أن حجم الإنتاج يظل محدوداً بسبب عدم استخدام الوسائل الحديثة ووجود معوقات إضافية مثل استمرار الصراع وغيرها.
ويعمل قطاع الاصطياد الساحلي التقليدي من خلال 129 تعاونية وجمعية سمكية، بإجمالي 23,582 قارباً، و83,157 صياداً، حتى عام 2012. وبلغت مبيعات الأسماك المصطادة في العام ذاته 115.365 مليون ريال، في حين يُمارس الاصطياد الصناعي من قبل الشركات في خليج عدن والبحر العربي والبحر الأحمر، بقيمة مبيعات بلغت 1,037 مليون ريال عام 2012، حسب المركز الوطني للمعلومات.