بجسم أنهكه المرض، تخضع هند أمين (37 عاما) منذ عامين لعلاج سرطان الثدي، متجشمة عناء السفر والتنقل بين قريتها الجبلية في محافظة إب، وبين المركز الذي تتلقى فيه العلاج بمدينة تعز، وكلها أمل بانتهاء المعاناة، ونيلها الشفاء الذي طال انتظاره.
ومثل معظم مرضى الريف اليمني، تعاني هند آلامًا مُضاعفة قلبت حياتها رأسًا على عقب، وقد فاقمه غياب المراكز المتخصّصة في الأرياف واقتصارها على المدن، وتشرح تلك المعاناة قائلة: “السرطان للريفيين عدة سرطانات، لكني لن أستسلم للمرض، وسأمضي نحو الدواء حتى آخر لحظة في حياتي”.
مرضى السرطان في الريف
تظهر الإحصاءات تزايدًا مخيفًا في حالات الإصابة بالسرطانات في الأرياف اليمنية، ويعود سبب ذلك إلى انتشار المبيدات والأسمدة الزراعية الفتاكة في مجتمع الريف الزراعي مع غياب الرقابة الحكومية، والتغذية غير الصحية، وكثرة التعرض للأدخنة وانتشار القات، وكل ذلك يرفع من احتمالات الإصابة التي يعزز منها العامل الوراثي بشكل كبير.
“عُدتُ من حَلْق الموت، وعادني أشوفه يحوم حولي”، بهذه الكلمات البسيطة المختزلة وصفت أنيسة حمود (50 عامًا) تجربتها مع سرطان الدم “اللوكيميا”. تسكن أنيسة في قرية نائية بمحافظة صعدة، وهي أم لخمسة أطفال.
تقول أنيسة لمنصة ريف اليمن: “بعتُ ذهبي وكل ما أملك من أراض، من أجل تكاليف التنقل إلى مركز الأمل في صنعاء، وتكاليف العلاج في الخارج، حتى بلغتُ مع أسرتي الفقر المدقع بعد يُسر كنا فيه”.
يُشخّص معظم مرضى السرطان في وقت متأخر من المرض، إضافة إلى الفاقة التي تجعل الوصول والمتابعة والالتزام بمواعيد الجرعات أمرًا مضنيًا، فيتفاقم المرض وتحدث انتكاسة صحية، وفقًا لمدير المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في تعز مختار أحمد سعيد.
ويؤكد سعيد خلال حديثه لمنصة ريف اليمن “أن معظم الحالات التي يعالجها المركز قادمة من مناطق ريفية ومحافظات مجاورة، وبسبب كلفة التنقل المرتفعة، يتردد بعض المرضى في متابعة العلاج رغم مجانيته في المركز.
لطيفة يونس (29 عامًا) من زنجبار أبين أصيبت بالسرطان، وقد خافت أن يطلّقها زوجها المغترب، أما المحيطون بها فمثلها جاهلون بطبيعة المرض الذي أصابها، وبعد ثلاثة أشهر من كتمان أوجاعها من سرطان عنق الرحم، صارحَت زوجها، وقد حدث عكس ما توقعت، ساندها زوجها، وأسهم في وصولها إلى قسم علاج الأورام بمستشفى الصداقة بمحافظة عدن.
أرقام مضاعفة
يقول محمد فضل لريف اليمن: “بسبب محدودية الجرعات الكيميائية، حوّل المختصون زوجتي إلى المكلا بعد إجراء عملية جراحية في عدن”. تعترف لطيفة بأن مخاوفها العائلية كانت أوهاما وتقول: “ساندني أهلي رغم فقرهم، لكن نظرة المجتمع أنهكتني جدًا، لا سيما في جلسات العلاج الكيماوي التي تستغرق الواحدة منها أكثر من خمس ساعات، ثم تتعبني رحلة العودة للمنزل بما قد يكون أكثر من المرض نفسه”.
تنوّه المسؤولة الإعلامية في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بتعز، امتياز الزبير، إلى أن المؤسسة وفّرت لمرضى الريف سكنا خاصا بهم، وهو دار الحياة الذي يستقبل النساء والأطفال الذين لا يجدون مكانًا يمكثون فيه خلال فترة العلاج، إضافة للخدمات الطبية والعلاجية من تشخيص وأدوية، وإعطاء العلاج الكيماوي، والفحوصات المخبرية المطلوبة مجانًا.
وتضيف الزبير لمنصة ريف اليمن، أن عدد المرضى الجدد في 2023 بلغ 1211 حالة جديدة مسجلة في المركز، وفي عام 2024 حتى سبتمبر بلغ العدد 1158 حالة جديدة، وبلغ إجمالي عدد المرضى المسجلين أكثر من 11 ألفا، منهم 7200 حالة قادمة من مناطق نائية، وهذا يعني أنه بين 2008-2024 مثّل مرضى الريف ما يقارب 65% من إجمالي المصابين، هذا في ظل إمكانيات محدودة للمؤسسة لا تكفي لكل الوافدين، وفقًا للزبير.
وبحسب الصحة العالمية، يعاني ما يقرب من 35,000 شخص في اليمن حالياً من مرض السرطان، بينما يتم تشخيص 11,000 مريض كل عام. وفي 2016، تم إغلاق العديد من مراكز علاج مرض السرطان بسبب نقص في العاملين الصحيين والأدوية والمعدات، مما أدى إلى تمديد فترات الانتظار لتلقي العلاج.
نظرة طبية
السرطان مجموعة من الأمراض تنمو فيها الخلايا بشكل غير طبيعي، وتتكاثر بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ولديها القدرة على اختراق الأنسجة وتدمير أنسجة سليمة في الجسم. وتتنوع أسباب السرطان، فالطفرات الجينية نادرة ولا تزيد عن 10%، لكن العوامل البيئية هي الأكثر انتشارًا، مثل: التعرض للمواد الكيميائية الضارة، والتدخين، والإشعاع، وأشعة الشمس الزائدة، وتأتي العوامل الوراثية، وتقدم العمر في أسفل هرم المسببات للمرض.
وفي تأكيد طبي لاختصاصية علاج الأورام والعلاج بالإشعاع د. أماني صالح هادي، فإن أنماط الحياة في الريف تبرز سببا شبه رئيس إلى جوار ما سبق ذكره، ومن ذلك النظام الغذائي غير الصحي، وقلة النشاط البدني، والسمنة، والإجهاد الشديد.
وتشير هادي خلال حديثها لمنصة ريف اليمن، إلى أن ضعف الوعي والتوعية الصحية في الريف يؤخر الكشف المبكر، إضافة للوضع الاقتصادي، وبُعد المناطق الريفية عن مراكز الكشف المبكر والعلاج.
وتوضح أن أعراض السرطان تختلف حسب نوعه ومكان وجوده في الجسم، ولكن بعض الأعراض الشائعة تشمل تعبًا مستمرًا، وفقدانًا للوزن، وحمى، وتغيرا في الشهية، وتغيرات في الجلد، وألمًا مستمرًا، عدا سرطان الثدي الذي يشكل كتلة غير مقترنة بألم في معظم الأحوال.
وتشدد على ضرورة الكشف المبكر، في أقرب فرع يوفر الخدمة، مثل أقسام الكشف المبكر في بعض المستشفيات، وفروع المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، فالمرض لم يعد قاتلًا، وإمكانية العلاج تصبح أقوى كلما اكتشفناه مبكرًا.