تواصل شجرة التين الأحمر اجتياح مناطق زراعية واسعة في محافظتي المحويت ورَيمة، واستيطان المراعي، وقضت على الأشجار والحشائش، وسبّبت إغلاق بعض الطرقات، وحاصرت الإنسان والحيوان، دون أي تدخل من الجهات المختصة لحماية آراضي المزراعين أو الإستفادة من الشجرة.
ويشكو المزارعون في المحافظتين من توسّع وانتشار أشجار التين الأحمر (يُطلق عليها السكان في المحويت تين القرود)؛ إذ أثرت على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وباتوا يتخوّفون من سيطرتها على مزارعهم في ظل عجزهم عن مكافحتها، وعدم قدرتهم على الإستفادة من ثمارها التي ينتشر الإهتمام فيها بالمغرب العربي.
خطر على الإنسان والحيوان
يقول حسن علي (60 عاما) وهو أحد سكان منطقة سارع بمديرية جبل المحويت: “التين الأحمر أصبح ضرره يهدّد الانسان والحيوان والزراعة؛ لأنه سريع الانتشار، وينبت في الجبال والوديان والطرقات وأماكن الرعي، حتى بيوتنا أصبحت محاصرة”.
ويضف عليّ لمنصة ريف اليمن أنّ أشجار التين انتشرت في السنوات الماضية بسرعة وسيطرت على الغابات، ويقول: “في السابق كنا نسوق الأغنام والإبل إلى مناطق الرعي كل صباح، فتعود إلينا في المساء وقد امتلأت بطونها، أما حاليا فتعود إلينا وهي خاوية من شدّة الجوع، وغالبية الأغنام مصابة بالعمى بسبب تعرضها لشوك شجرة التين”.
ماجد الريمي (52 عاما) قال: “إن شجرة التين الأحمر تهديد حقيقي للمناطق الزراعية والثروة الحيوانية التي تعتبر المصدر الرئيسي لدخل كثير من الأسر في القرى الريفية بمحافظة ريمة“.
وأضاف الريمي لمنصة ريف اليمن: “كانت الزراعة وتربية المواشي والأغنام في بلادنا سهلة، وكانت أشجار التين قليلة، وتنبت في أماكن محدودة، أما الآن فقد توسعت في جميع المناطق ولا يستطيع أحد مواجهتها منذ سنوات عدّة، ولم يقم أحد بمواجهتها، وإن حدث فهي محاولات فردية وسرعان ما تعود بالانتشار”.
تعطيل الأراضي الزراعية
أما المواطن علي الصغير (40 عاما)، فقال إنه يدافع جاهدا عما تبقى من أراضيه الزراعية بقيامه بإزالة أشجار التين الأحمر من أرضه الواقعة بمديرية بني سعد في المحويت؛ إذ يحرص الصغير على القيام بتنظيف الأراضي الزراعية سنويا من هذه الأشجار.
ويؤكد في حديثه لمنصة ريف اليمن أن “أشجار التين اجتاحت منطقتنا بشكل مخيف، وحاصرت المدرجات الزراعية”، ويلفت إلى أن السيول تجرف الأشجار وأشواكها إلى وسط المزارع وتدفنها في التربة، وعند حرث الأرض يتعرقل العمل، فيكادون لا يستطيعون وضع البذور، خاصةً إذا كان المطر كثيفا، فإنه يجلب الأشواك وقطع التين المتناثرة إلى وسط المزارع، وينبت في الأرض بسرعة حتى لو كانت قطعة صغيرة.
ويضيف: “هناك مناطق واسعة من جبال وأودية وسهول بمديرية بني سعد بالمحويت يغطيها التين الشوكي الأحمر، ولا تكاد تخلو أي منطقة منه مع تفاوت في كثافة انتشاره”.
وتهدد أشجار التين الأحمر أغصان الورد الكاذي ذات الرائحة الزكية التي يزرعها الأهالي في بني سعد في المحويت مع أنواع اخرى من الورود الصفراء، ونباتات دوّار الشمس وعدد من المشاقر في مشاتل صغيرة على جنبات الطريق.
بالإضافة إلى الأضرار التي يتعرض لها الإنسان والحيوان والزراعة، يقول علي الصغير: “أشجار التين الأحمر تُسهم في جلب عدد من الآفات مثل القرود التي تتغذى على ثماره، ومنه تهاجم الأراضي الزراعية، كما أن هذه الأشجار تُعدّ أماكن مناسبة لمخابئ الحيوانات المفترسة مثل الضباع وغيرها”.
يعود دخول أشجار التين إلى المحويت إلى ما قبل 40 عاما تقريبا، وفق الحاج محمد صالح المنحدر من المحافظة، وقد أوضح أن انتشار هذه الشجرة بدأ بصورة قليلة في قمم الجبال والأماكن التي تبيت فيها القرود والطيور، ويعقّب: “لم نعرها اهتماما ولم ندرك أنها ستنتشر بهذه الصورة الكبيرة التي نشاهدها في الوقت الحالي”.
ويرى خبراء في المجال الزراعي أن استمرار انتشار أشجار التين الأحمر دون مكافحة يعد خطراً يهدد المزارعين والعاملين في تربية الثروة الحيوانية لما تتمتع به هذه الشجرة من قدرة على تحمل مختلف المتغيرات المناخية وسرعتها في النمو والانتشار على حساب الأشجار والنباتات الاخرى المفيدة.
ضرورة منع توسعها
المهندس الزراعي أحمد صغير اعتبر انتشار نبات التين الأحمر خطرا على الأرض والحيوان، لما له من أضرار كبيرة على الزراعة وتربية الثروة الحيوانية والتنوع النباتي في المناطق التي تنتشر فيها.
وقال صغير لمنصة ريف اليمن: “إن هذه الشجرة تتمتع بقدرة على تحمل الجفاف، وتنتشر بسرعة كبيرة في المناطق المهملة في الجبال والأودية ومحيط المدرجات الزراعية، وتساعد في سرعة انتشارها الطيور والقرود التي تتغذى على ثمارها، وتنقل بذورها للأراضي الزراعية”.
وبحسب صغير، يتمثل خطر هذه الأشجار في زحفها وحصارها للمدرجات الزراعية الجبلية وسيطرتها على مدرجات زراعية كثيرة نتيجة إهمال ملاكها أو بسبب عجزهم عن مكافحتها، ويشير إلى أنها قضت على التنوع النباتي وتسبّبت في انتهاء عدد من الأشجار والنباتات المفيدة لتربية الثروة الحيوانية، فهي تنتشر على حساب الأشجار والنباتات المفيدة.
وحذّر مِن استمرار إهمال المزارعين أو تهاونهم في مكافحتها؛ لأنها ستنتشر في مزارعهم، وسيأتي يوم لا يعرفون أين يذهبون لرعي أغنامهم وحيواناتهم الأخرى، ويلفت إلى أنه يمكن مكافحتها، ولكن بصعوبة كبيرة، وتحتاج إلى تعاون بين مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية ذات الصلة وبين الأهالي والمزارعين في مناطق وجودها بوضع خطط كبيرة على مراحل متعدّدة، بدءا من المناطق الأقل انتشاراً وانتهاء بالأكثر.
ويرى المهندس الزراعي أن تكون مكافحة هذه النباتات بحلول ديناميكية يُدعم فيها المواطنون بالنقد مقابل عملهم في إزالة واقتلاع هذه الأشجار، مع توفير وسائل للنقل ومتطلبات العمل وبالمكافحة البيولوجية الحيوية بالاستعانة بالمنظمات المختصة بالبيئة والدول التي استخدمت هذه الوسائل الحيوية في بلادها.
ونوّه إلى ظهور مرض على شكل حشرات صغيرة وعفن يصيب هذه النباتات بدأ بالانتشار في مناطق كثيرة، ويؤدي إلى انتهائها فيما يبدو أنه قادم من السعودية، فقد استخدمت حلولا حيوية للقضاء على هذه الشجرة هناك، على حد تعبيره.
تشير تقارير البنك الدولي بأن انعدام الأمن الغذائي يمثّل “التحدي الأكبر” الذي يواجه اليمن حاليا، في ظلّ استمرار الحرب وتصاعد معدلات التضخم والتغيرات المناخية. وقال البنك إن عدد اليمنيين الذين يعانون مِن الجوع كل يوم “زاد بمقدار 6.4 مليون شخص خلال التسع سنوات الأخيرة من الحرب، وتداعياتها الاقتصادية والإنسانية الكارثية”.