إعداد: عبدالله علي – إب، رفيق محمد – ذمار
فقدَ الشاب صلاح إسماعيل حياته بعد تعرّضه للإصابة بوباء الكوليرا ؛ إذ ظلّ يعاني داخل منزله حتى أصيب جسمه بالجفاف، ولم تتمكن عائلته من إنقاذ حياته ونقله إلى أقرب مركز صحي بمدينة إب التي تبعُد عشرات الكيلومترات عن قريته الريفية النائية.
يسكن صلاح، البالغ من العمر (36 عاما)، مع أسرته المكونة من 6 أفراد في قرية مرعة، بريف السياني جنوب محافظة إب وسط اليمن، وبفعل الوباء عاشت عائلته نحو أسبوعين متواصلين من الجحيم والمعاناة، وذلك بعدما تعرض أفراد الأسرة جمعيهم للإصابة بوباء الكوليرا على غرار مئات الآلاف من المواطنين.
تفشي واسع
خلال الأشهر القليلة الماضية تعرض كثير من سكان المناطق الريفية في محافظتي إب وذمار، للإصابة بوباء الكوليرا وسط تفشي الوباء بشكل غير مسبوق، وغياب المرافق الصحية في الأرياف وعجز المستشفيات الحكومية عن استقبال المصابين، وذلك جراء تدهور القطاع الطبي بفعل الحرب.
وأكّد سكان محليون من محافظتي إب وذمار لمنصة ريف اليمن تزايد أعداد الحالات المرضية التي تعاني من إسهالات مائية شديدة في مديرية السبرة والسياني والعدين ومديرية عتمة، ووصاب بذمار، وهي مناطق جبلية وذات تضاريس وعرة، وهذا يخلق بدوره تحديات إضافة للسكان بتلك المناطق.
مواضيع مقترحة
-
مياه الصرف الصحي والنفايات.. قاتل يتفشى بالأرياف
-
الصرف الصحي في سامع: تلوث للمياه وأوبئة تهدد السكان
-
مستنقعات الصرف الصحي بريف “عَمران” كارثة بيئية بلا حل
بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا ، تصل عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا في اليمن إلى نحو ألف حالة يوميا، ومن المتوقع أن يرتفع العدد الإجمالي للإصابات في اليمن إلى 255 ألفا بحلول سبتمبر/أيلول الجاري.
يروي أنس شقيق صلاح تفاصيل حزينة عاشتها أسرته أثناء تعرضهم للإصابة بوباء الكوليرا قائلاً لمنصة ريف اليمن: “عشنا أصعب أيام حياتنا. أصيبت والدتي، ونُقلت إلى المستشفى، وبعد عودتها أصيب شقيقي الأكبر بالمرض، وهو يعاني من حالة نفسية منذ 24 عاما، فكان يرفض تناول الدواء حتى تعرض للجفاف”.
بحسرة يتذكر أنس وفاة شقيقه في ساعات متأخرة من الليل، وكان منشغلا بشقيقته التي كانت تعاني من ويلات المرض، وقال: “لم أتمكن من المشاركة في مراسيم دفنه، رجعتُ للبيت من أجل نقلها إلى المستشفى لإنقاذ حياتها، وكادت تفارق الحياة في طريق إسعافها إلى مركز الاسهالات المائية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في مدينة القاعدة”.
وتابع: “تماثلت شقيقتي للشفاء عقب نقلها للمركز، لكنها حتى اللحظة تعاني من تداعيات المرض؛ لأنها عانت كثيراً، وكادت تفقد تفارق الحياة قبل وصولها إلى المركز”.
أم محمد المنحدرة من عزلة الشرم السافل في وصاب بذمار أيضا فقدت طفلها البالغ من العمر 8 أعوام قبل وصوله إلى المركز الصحي، وذلك عقب تعرضه للإصابة بوباء الكوليرا. تقول أم محمد لمنصة ريف اليمن: “لم نتمكن من إسعافه بسرعة بسبب عدم توفر تكاليف المواصلات وتكاليف العلاج، بالإضافة إلى مشكلة عدم توفر مركز صحي في قريتنا”.
غياب الخدمات الصحية
مع انتشار وباء الكوليرا وغياب الخدمات الصحية في القرى الريفية قال جملان زيد (29 سنة) الذي يسكن مع عائلته في قرية الأسلم بمنطقة عتمة بمحافظة ذمار: “كنتُ على وشك فقدان والدتي بسبب الكوليرا.
تأخرت في نقلها للمستشفى الذي يبعد مسافات طويلة، بسبب عدم توفر مركز صحي في المنطقة التي نعيش فيها”. وقال جملان: “بعدما تعرضت والدتي للمرض، بدأت بالبحث عن الأموال، وحين حصلت عليها كان عليّ الانتظار لحضور عدد كبير من الناس للمساعدة في نقل والدتي على النعش إلى الطريق الرئيسي”.
“الطرق وعرة، وهذا يضاعف من صعوبة نقل المرضى على النعش، وتحتاج العملية لمساندة من عدة أشخاص”، يضيف جملان. وتابع: “خلال تلك الفترة تدهورت حالة والدتي بشكل كبير، وعند وصولنا إلى المرفق الصحي في مركز المديرية رفض الأطباء استقبالنا، وطلبوا منا سرعة الانتقال إلى صنعاء؛ لأن حالتها خطيرة جدا والكلى شبه متوقفة، وتحتاج إلى عناية مركزة على وجه السرعة”.
أعباء مضاعفة
تُعد الطرق الوعرة عائقا إضافيا؛ إذ يضطر المرضى للسير لعدة أميال من أجل الوصول إلى المركز الصحي، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمريض، فيصبح المركز الصحي غير قادر على التعامل مع حالته لعدم توفر غرف عناية وكادر متكامل. يأتي ذلك في الوقت الذي يتعرض فيه المواطن الريفي لأزمة اقتصادية خانقة؛ إذ يصبح انتقاله إلى مدينة ذمار أو صنعاء لإدخال المريض العناية المركزة بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير.
يقول نايف سنان (30 سنة): “عندما تعرض طفلي للإصابة بوباء الكوليرا، تأخرت في نقله إلى المركز الصحي بسبب صعوبة توفير تكاليف النقل، وبعد أن وصلت إلى المركز، تفاجأت بتحويلي إلى مدينة ذمار بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع حالته التي تدهورت بشكل كبير”.
وأضاف سنان لمنصة ريف اليمن: “بصعوبة بالغة استطعت اقتراض مبلغ مالي ساعدني على الذهاب إلى مدينة ذمار، واستمر طفلي في المستشفى لعدة أيام بعد أن كاد يفارق الحياة”.
في ظل المخاوف من تفشي الوباء، أكّد مسؤول صحي بمحافظة ذمار لمنصة ريف اليمن بأنه لا يوجد حتى اللحظة أي خطط لمواجهة الوباء. وأضاف: “لا يوجد أي نشاطات توعية أو دعم مادي لمواجهة هذه الجائحة حتى الآن من قبل أي منظمة داعمة”، وشدّد على أهمية الاهتمام بالوقاية من الوباء، وحث السكان على ضرورة الالتزام بالنظافة.
في 13 مايو /أيار الماضي، أعرب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث عن قلقه العميق إزاء تفشي وباء الكوليرا الذي يتفاقم بسرعة في اليمن، مضيفا أنه يُبلّغ عن مئات الحالات الجديدة يوميا ليصل العدد الإجمالي إلى حوالي 40 ألفا، بما في ذلك 160 حالة وفاة منذ مطلع العام الجاري 2024. مذكَّرا بالتفشي الواسع للكوليرا الذي حدث بين 2016 و2021، وأودى بحياة نحو أربعة آلاف شخص معظمهم من الأطفال في اليمن.