تُسبّب التغيرات المناخية الواسعة التي يشهدها اليمن ضغطًا هائلًا على المزارعين اليمنيين، وتؤدّي إلى تلف كثير من المحاصيل الزراعية، إلا أن فاكهة التين الشوكي (يُسمى محليا البَلَس)، لا تزال تقاوم تلك التغيرات، وتشهد تناميًا نسبيًا، وتوفر فرص عمل للآلاف.
وشهدت زراعة التين الشوكي توسعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ووفقا للإحصاء الزراعي، وتسهم في توفير ما يزيد عن 17 ألف فرصة عمل موسمية للعاملين في بيع وتسويق الثمار. وبلغت إنتاجية اليمن منها خلال العام 2017 م أربعة آلاف و875 طنا، من مساحة مزروعة بأشجار التين قدرها 485 هكتار خلال العام نفسه.
عبد الرحمن حسن، من أبناء وادي الجنات بمحافظة إب، يعمل في هذا المجال منذ عشر سنوات، ويقضي يومه متنقلًا بين الريف والمدينة لشراء وبيع التين الشوكي، على مدار أيام الموسم الذي يستمرّ نحو ثلاثة أشهر في المحافظة الواقعة وسط البلاد.
يذكر حسن لمنصة ريف اليمن أنه اضطر للعمل في هذا المجال بسبب انعدام فرص العمل في البلاد، لا سيما مع اندلاع الحرب، ويؤكّد أن مردودها المالي قليل، ولكنها توفر على الأقل الاحتياجات التي تضمن بقاءه وعائلته على قيد الحياة.
ويضيف: “كثرة العرض وقلة الطلب لهذه الفاكهة أسهم في خفض قيمتها، ولهذا يعاني المزارع والبائع من عدم القدرة على تحقيق أرباح توازي الجهد المبذول لجني هذه الثمرة”. ويؤكّد أنه يضطر أحيانا إلى توزيع نصف بضاعته مجانا، أو رميها في حال تلفها، بسبب تأخر بيعها.
مواضيع مقترحة
- التين الشوكي.. فُرص واعدة للاستثمار رغم غياب الاهتمام
- ماهي طرق تجفيف التين؟
- العنب الجُبري.. فاتحة الموسم من مزارع عَمران
تنتج منطقة عبد الرحمن في وادي الجنات، بالإضافة للتين الشوكي، أنواعا أخرى من التين أبرزها “الكاريكي” (يُسمى محليا بلس روم)، وهي فاكهة لا تظل لوقت طويل بعد الجني، وذلك بسبب عدم وجود حافظات مخصّصة لها، بالإضافة إلى صعوبة التنقل، وارتفاع درجات الحرارة.
ويعتمد المواطنون لتخزين هذه الفاكهة على صفائح حديدية بدائية، وهي في الأصل أوعية تجارية للسمن والأجبان، وهي غير مخصصة لمثل هذه المنتجات، الأمر الذي يعرضها للتلف بسرعة خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.
يقول فايز عبده الذي يعمل في بيع هذه المنتجات: “إن جزءًا كبيرًا منها يُتلف بسبب عدم وجود طرق مناسبة لتخزينه ولحفظ جودته لفترة أطول”، ويشدّد على ضرورة العودة إلى ما كان يعرف قديمًا بـ”السِّلال”، وهي أوعية تُصنع من النخيل، وقد اختفت مؤخرًا بسبب صعوبة صناعتها ورحيل ذوي الخبرة.
ويضيف فايز في حديثه لريف اليمن أن عدم وجود حافظات تبريد متنقلة، وصعوبة التنقل جراء وعورة الطريق، ونقل المحاصيل لمسافات طويل مع ازدحام المواطنين فوق المركبة، كلها أسباب تُسهم في تلف هذه المحاصيل قبل وصولها إلى الأسواق، الأمر الذي يضطرهم أحيانًا إلى رمي بعضها بسبب تلفها.
كما أشار إلى أن عدم حصول الشجرة على المياه الكافية طيلة العام، أسهم أيضًا في تراجع جودتها، وقلّص من مقاومتها لوقت أطول، داعيًا في الوقت ذاته إلى الاهتمام بهذا المنتج، أسوة بمحافظات ومزارع أخرى.
وتحتوي هذه الفاكهة على تركيبة فريدة من العناصر الغذائية، بما في ذلك المستويات العالية من “فيتامين C” وفيتامينات “عائلة B” والمغنيسيوم والبوتاسيوم والكالسيوم والنحاس والألياف الغذائية، ما يجعل فوائدها مذهلة للصحة والوقاية من أمراض عدة.
ويبذل العاملون في هذا المجال جهودا كبيرة، فيتجهون مع صبيحة كل يوم لجني محاصيلهم بأوعية بلاستيكية حتى الظهيرة، وذلك من أماكن متفرقة وبحذر؛ لأن المنطقة التي توجد فيها جبلية ووعرة، وبعدها ينقلون ما حصلوا عليه إلى المنازل، قبل أن ينقلوها إلى المركبات في مساء اليوم نفسه، بسبب بُعد المسافات المؤدية إلى الطرق الفرعية الرئيسية.
وتتواصل هذه العملية حتى فجر اليوم التالي، ثم تُنقل هذه المحاصيل على متن مركبات رباعية الدفع من القرى والأرياف إلى المدينة، وتُباع لأصحاب التجزئة، ويبدؤون دورة جديدة من التجوال في شوارع المدن والحارات لبيعها للمواطنين.
وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي يبذله الباعة، يظلّ العائد المادي لهذه المحاصيل لا يكاد يذكر؛ إذ يصل سعر الجالون من التين الروم أو مايعرف بـ”الكاريكي” عبوة 3 كيلو، إلى 1000 ريال (نحو دولارين)، ويصل سعر الجالون من التين الشوكي إلى 500 ريال (1 دولار) في الغالب، بحسب فائز عبده.
ويصف فايز هذه المنتجات بأنها صحية؛ لأنها لم تتعرض إلى أي مبيدات زراعية، ولكنه يُرجع ضعف الإقبال عليها إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان المحافظة نتيجة الحرب المستمرة منذ تسعة أعوام.
وأشار إلى أن الانقطاع الدائم للكهرباء الحكومية يمنع السكان مِن استخدام الثلاجات، مما يجعلهم يتجنّبون شراء كميات كبيرة من التين الذي يحتاج إلى التبريد للحفاظ عليه لفترة أطول.
ويطالب المزارعون الجهات المعنية بعقد دورات تدريبية في أفضل الممارسات الزراعية والتقنيات الحديثة في التخزين والتسويق، بالإضافة إلى إنشاء حافظات ومخازن مناسبة لحفظ المحاصيل الزراعية لفترات أطول، وإيجاد قنوات تسويق جديدة تساعد في تصريف المنتجات الزراعية بأسعار عادلة.