على مدى سنوات طويلة كان وادي رسيان بريف محافظة تعز جنوب غرب اليمن، من أبرز الوجهات السياحية التي يقصدها الزوار من مختلف المحافظات اليمنية، غير أنه تراجع مؤخرا نتيجة للحرب التي تمرّ بها البلاد.
ويُعدّ وادي رسيان، من أكبر الوديان في المحافظة، وتبلغ مساحته 1750 كيلومترا مربعا، ويقطع مديريات شرعب ومقبنة، ويصب شمال المخا على البحر الأحمر.
يتميز الوادي بحمام ذي مياه كبريتية يُسمى “حمام رسيان”، وهو عينان من المياه البركانية إحداهما حارة والأخرى باردة، تتدفقان طوال العام، مما جعله وجهة سياحية ذات طبيعة خلابة تجذب الزوار من جميع مديريات تعز ومن محافظات يمنية أخرى.
وادي رسيان ترفيه ودواء
“عليك وعلى رسيان” من أبرز الأمثال الشعبية في حمام رسيان، ومن مقولات الأجداد الأوائل التي توارثها الأبناء من بعدهم، ويقصد به نصيحة المصابين بالأمراض وأن عليهم الاغتسال بمياه الحمام التي يُعتقد أن لها فوائد صحية عديدة.

يقول الأربعيني سعيد الشرعبي وهو أحد سكان المنطقة: “كان المئات من الزائرين من سكان محافظة تعز والمحافظات الأخرى يأتون إلى زيارة الحمام بغرض العلاج والاستشفاء”.
وأضاف الشرعبي لمنصة ريف اليمن: “مِن الأمراض التي يعالجها حمام رسيان: الروماتيزم، تفكيك الأعصاب، الأمراض الجلدية بشكل عام”، ويشير إلى أن المصابين بالجلطة أيضًا يُعدون من مرتادي الحمام بالإضافة إلى المصابين بالعقم.
وتابع: “مِن الأفضل أن تكون الزيارة في فصل الصيف، وذلك لقوة المياه وجمال الطبيعة وارتفاع درجة الحرارة التي تساعد في الشفاء”، ويشير إلى أنه في فصل الشتاء يكون هناك رياح شديدة لا تفيد زيارة الحمام ويصبح ضرره أكبر من نفعه.
من جانبه تحدّث مؤيد العبيدي (25 عاما) عن تجربته السياحية صيف العام المنصرم في وادي رسيان ومدى جماله ومناظره الخلابة، فيقول لمنصة ريف اليمن: “ما إن تقصد حمام رسيان وتمر بالوادي حتى تجذبك أشجار النخيل المتراصة على ضفتي الوادي والخضرة التي تكسو الحقول الزراعية، فترتاح النفس وتنزاح الهموم”.
يترك مؤيد دراجته النارية حال وصوله الوادي ليستمتع برحلته مشيا على الأقدام وسط المياه الجارية بعد أن يقطع مسافة ساعتين، من مكان إقامته في مديرية شرعب السلام، ويقول: “لتستمتع بجمال الطبيعة التي لا توصف والخضرة في رسيان، اترك سيارتك أو دراجتك، وامش على أقدامك تحت الأشجار التي تغطي الوادي، تناول من قصب السكر التي لا تقل حلاوتها عن المنطقة إلى أن تصل إلى الحمام”.

يتابع: “توجد غرف صغيرة بجوار الحمام مخصصة للعوائل تستأجرها بمبلغ أربعة آلاف ريال (الدولار يساوي 1800 ريال)، لكنها لا تليق بالمكان، نظرا لأنه لا يوجد مكان مخصص للعوائل للاغتسال نهارا، ما يضطرهم المبيت إلى المساء، لذلك كان يجب توفير الملاهي للأطفال وأماكن استراحة لجذب السائحين بشكل أكبر”.
تراجع نسبة السائحين
في السنوات الماضية، تأثر حمام رسيان السياحي والعلاجي بشكل كبير، فقد تراجع عدد الزائرين منذ بداية الحرب المندلعة في البلاد في خريف 2014 بشكل لافت، خصوصا عقب إغلاق كثير من الطرق الرئيسية التي توصل للوادي.
ويقول سعيد ناجي 33 عاما: “كان الزوار يتوافدون إليه من جميع مناطق تعز خصوصا المدينة، وجبل حبشي، وجبل صبر، ويأتون من محافظة إب، لكن في الوقت الحالي تراجعت نسبة الزائرين بشكل غير مسبوق”.
وعن نسبة التراجع قال ناجي لمنصة ريف اليمن: “إن نسبة الزائرين من الشباب لا يتجاوز نحو 50%، أما بالنسبة للعوائل فلا تتجاوز 10% مقارنة بالأعوام الماضية، هذا من المناطق القريبة للحمّام المفتوحة لهم الطريق هجدة والمناطق المجاورة، الأخلود، الرمادة، وشمير، وشرعب السلام، وشرعب الرونة”.
ويضيف: “توقف الزوار الذين كانوا يأتون من المدينة وبقية المناطق البعيدة إلا ما ندر، وذلك بسبب الحرب بالإضافة إلى إهمال الحمّام وعدم الإهتمام به من قبل الجهات المختصة”.
إهمال وتحديات
تواجه المناطق السياحية بمحافظة تعز مشكلات متعددة؛ إذ جرفت سيول الأمطار كثيرا من الأماكن من بينها حمام الطوير البركاني الذي تعرض مؤخراً للطمر بسبب السيول الجارفة المتدفقة من الحافورة ووادي شيبة، وبات حمام رسيان مهددا بالطمر إذا لم يتم الاهتمام به وحمايته من خطر السيول.

رداد الحميري (45 عاما) زار حمام رسيان في الأشهر الأولى من العام الجاري بغرض السياحة، لكنه تفاجأ بوضع الحمّام، وقال لمنصة ريف اليمن: “مخلفات السيول تهدد بقاء رسيان”، ويشير إلى أنه في مجرى السيول، وأنه بات مهددا بالطمر نتيجة السيول المتدفقة إلى الوادي، وذلك في غياب تام لدور السلطات المعنية في القيام بدورها في المحافظة على المناطق السياحية.
ويفتقر حمام رسيان إلى بعض المقومات البسيطة التي من شأنها المحافظة على جماله واستمرار بقائه، فهو بحاجة ماسة لبناء جدار ساند لحمايته من السيول، وغرف صغيرة خاصة بالرجال وخاصة بالنساء، استراحات، غرف ألعاب، بالإضافة إلى طريق رسمي لتسهيل حركة الزائرين.
وضمن حديثه لمنصة ريف اليمن، شدّد الحميري على ضرورة حماية الوادي من المخاطر التي قد تسببها مخلفات المصانع التي تُقام في المناطق الزراعية المطلة على الوادي، ولفت إلى أن هناك تساهلا من السلطات المعنية مع مالكي المصانع على حساب ممتلكات المزارعين وصحتهم والبيئة بشكل عام.
مدير الرقابة والتفتيش بمكتب السياحة بالمحافظة سلطان المقطري قال: “إن الحرب والسياحة لا يجتمعان، وذلك لأسباب عدّة، منها عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الذي يؤثر سلباً على القطاع السياحي، ويسبب ركودا وانخفاضا في الحركة السياحية، بالإضافة إلى أن عدد المنشآت السياحية التي تزاول عملها في المدينة قد انخفض مقارنة بعام 2014”.

ويرى المقطري في حديثه لمنصة ريف اليمن أن وضع القطاع السياحي في اليمن بشكل عام وتعز بشكل خاص هو المتأثر الأول بسبب الوضع العام، فقد تعرضت كثير من المنشآت السياحية للخراب والدمار، وأبرزها المتحف الوطني، وقلعة القاهرة، ومنتزه زايد، بالإضافة إلى كثير من المشاريع السياحية التي كانت تحت التنفيذ والتجهيزات.
وأشار المقطري إلى أن الحرب أصابت القطاع السياحي بمقتل وشلل تام، وأغلقت المنشآت السياحية من فنادق ووكالات وشركات سفر وسياحة ونقل ومنشآت الطعام وصالات الأفراح والمناسبات والحدائق والمتنفسات ومحلات الصناعات الحرفية والفضية بنسبة تجاوزت 95%.
ونوّه إلى أن العاملين في القطاع السياحي سُرّحوا ، ومنحوا إجازات بدون مرتبات لعدم قدرة أصحابها على تسديد الالتزامات وتكاليف العاملين، لافتا إلى توقف العمل في مشاريع سياحية معتمدة ضمن موازنة تعز العاصمة الثقافية، مثل منتزه حمام الدرابي (نموذج للسياحة العلاجية)، ومشروع إعادة تأهيل وتطوير منتزه شجرة الغريب، ومشروع الطريق الأثري الذي يربط قلعة القاهرة بالأشرفية (طريق مشاة)، ومشروع منتجع وادي الملك”.

وأشار إلى أنه لم تُسجّل أي تقارير إحصائية من بداية الربع الثاني لعام 2015 حتى نهاية عام 2017، فالمنشآت السياحية داخل المدينة مغلقة، وبقية المنشآت تقع خارج المدينة، في حين انتعشت بعض المدن الثانوية مثل مدينة التربة مديرية الشمايتين نتيجة النزوح من مناطق الاشتباكات والحرب.
وطالب مدير الرقابة والتفتيش بمكتب السياحة محافظة تعز بالاهتمام بالقطاع السياحي للتغلّب على كل المشاكل والمعوقات وإنعاش القطاع السياحي للإسهام في التنمية ضمن منظومة اقتصادية متكاملة مع بقية القطاعات المختلفة وفق خطط وبرامج وسياسات واستراتيجيات تهدف إلى التنمية المستدامة من خلال استهداف مشاريع سياحية.