بعد مشوارٍ طويل من الاهتمام والرعاية، تفاجأ المزارع الشاب “مهيب أحمد” عندما كان يستعد لبيع محصول الجوافة، من مزرعة عائلته في الريف الغربي لمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن). بوجود آفات عائمة في جوف الثمرة، تكاد تُضلل رؤيتها وهي تكتسي بالبياض، سببها التغيرات المناخية.
“أفسدت الآفة معظم حبات الجوافة الناضجة، ولم نصادف مثلها خلال المواسم السابقة أن انتشرت في تلك الثمرة بهذا الشكل” يقول مهيب لمنصة ريف اليمن. ويرى خبراء أن ذلك ربما مرتبط بالمناخ والتغيرات التي تطرأ على المزارعين.
ويضيف” “كان محصول العام الماضي غير مرضيًا، وتم بيع كميات قليلة فقط، لأن الناس كانوا يتخوفون من أن تكون الثمرة فاسدة، رغم أنها سليمة تماما من الخارج، وقشرتها نظيفة، لكن الدود كانت تتواجد داخلها.
ونتيجةً لذلك، أصبح الشخص يخشى أن يتناول هذا النوع من الفواكه دون فتحها ويفتش داخلها بحرص وعناية، ليس فقط بالنسبة لمحصول مهيب. أيضًا في الكميات المعروضة في الأسوق والقادمة من محافظات أخرى خاصةً الشمالية التي تنتشر فيها أشجار الجوافة وزراعة مختلف الفواكه.
آفات بالمحاصيل الزراعية
لم تتوقف هذه الآفة في الاستيطان بثمار الجوافة الناضجة اللذيذة، بل لوحظ تواجدها في العديد من أصناف الفواكه والخضار أيضًا، مثل الشمام والطماطم والقرع والخيار البلدي، وأنواع لم يحصل أن أفسدتها الدودة من قبل.
تقول الأربعينية، فتحية محمد، إنها لاحظت انتشار هذه الآفات في محصول فاكهة القرع، أو مايعرف محليا بـ”الدُبا” وكذلك فاكهة ” كيوانو”، أو مايطلق عليه في الريف اليمني اسم “الحَمّك”، بفتح الحاء.
تعيش فتحية في ذات الريف، تحديدًا في مديرية جبل حبشي، واعتادت على زراعة تلك الأنواع من الفواكه الريفية، في الجداول الزراعية بجانب منزلها، لكنها تفاجأت هذا العام بفساد جزء كبير من ثمار المحصول بفعل الآفة، “لم يحدث أن وجدنا دودا في القرع، والحَمّك، وهذه أول مرة تحصل ولا ندري ما السبب”، تضيف لمنصة “ريف اليمن”.
وفقًا لحديث فتحية، فإن العديد من السكان في قرى المديرية يشكون من فساد أجزاء من محصولهم من الفواكه والثمار والخضار، بسبب انتشار الآفة فيها. وعن وصفها لطبيعة تواجدها في هذا النوع من الثمار، يتماثل مع ما ذكره مهيب سابقًا. “حبة القرع والحَمّك تكون سلمية من الخارج، وعند فتحها تجد الآفات”.
خبير الوقاية الزراعية والنباتات في مدينة تعز، المهندس خالد الصنوي قال لمنصة “ريف اليمن”، إن الدودة تلك هي في الأساس عبارة عن حشرة أو آفة زراعية، انتشرت بشكل كبير خلال العامين الأخيرين، في أنواع معنية من الفواكه والثمار الزراعية والخضار، سالفة الذكر، خاصةً القرعيات منها، مطلقًا عليها اسم “ذبابة الفواكه”.
خطوات المكافحة
ويُرجع الصنوي سبب تواجد الدود داخل الثمرة رغم سلامة خارجها إلى أن “حشرة ذبابة الفواكه تعمل على اختراق غلاف الثمرة وهي ناضجة سهلة الاختراق، وتضع بيضها تحت بشرة الثمرة مباشرةً، وفي غضون يومين تفقس البيض، مُنجبةً الدودة، التي تبدأ تتغذى وتنشط في جوف الثمرة، مشيرًا إلى أن أنثى الحشرة تنتج الكثير من البيض لذلك من الجيد مكافحتها سريعًا”.
ولمكافحة الحشرة، ينصح الصلوي المزارعين برش مبيدات حشرية آمنة على الثمار عند بداية نضوجها، مرتين أو ثلاث خلال أسبوع. تلك التي تحتوي على مادة “اللانكس Lanx” أو “الاندوكسيكرب Endoxycarb” أو اللفرست Lufenuron.
ومن الحلول التي يقترحها الصنوي وضع مصائد تحوي “فرمونات جنسية” لهذه الأنواع من الحشرات، يتم تعليقها في البساتين لجذب ذكور الحشرة والتخلص منها وبالتالي لن تحصل عملية التزاوج وإنتاج البيض عند الإناث الطائرة.
ويشدد الصنوي على ضرورة تخلص المزارعين من الثمار المصابة، سواءً المعلقة على أغصان الأشجار أو الساقطة أسفلها على الأرض، لأنها من الممكن أن تشكل بؤرة لعيش الدودة، موضحًا أنها عندما تسقط تتحلل الدودة مع الثمرة في التربة وتعيش إلى أن يكون المناخ ودرجة الحرارة مناسبة، ثم تُبعث من جديد.
التغير المناخي
وبالنظر إلى التغيرات المناخية المتطرفة التي يشهدها الكوكب اليوم، يرى الباحث البيئي والمناخي، اسماعيل قاسم، أن هناك ارتباطًا مباشرًا بين تغير المناخ وانتشار الآفات الحشرية في المحاصيل الزارعية، كما أثبتت دراسات علمية، إذ وفرت درجة الحرارة التي تجاوزت مستوى 45 درجة مئوية، وحالة الجفاف والفيضانات في البلاد، وضعًا مناسبًا لانتقال الآفات الحشرية. ويتفق الصلوي مع ذلك.
ويضيف اسماعيل في حديثه لمنصة “ريف اليمن”، أن التغيرات المناخية وسعت بالفعل، المدى العائلي والتوزيع الجغرافي لبعض الآفات الحشرية، وتتزايد مخاطرها مع هذا الوضع، مشيرًا إلى أن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات التي تتأثر سلبيًا بتداعيات تلك التغيرات، ويبدأ التأثير بخواص الأرض الطبيعية والحيوية والكيميائية مرورًا بانتشار الآفات والأمراض، ومع ذلك الوضع من المتوقع أن تتراجع إنتاجية الأرض الزراعية.
ووفقا للدراسات فإن التغيرات المناخية لها علاقة بالأمراض النباتية والآفات الحشرية، ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو“، وسعت بعض الآفات ومسببات الأمراض والأعشاب الضارة، بالفعل نطاق عائلها أو توزيعها، على الأقل جزئيًا بسبب التغيرات في المناخ.