الشظوة.. حشرة تؤكل في اليمن بموسم الأمطار

الفاو: الحشرات تفتح آفاقا جيدة للأمن الغذائي وسبل العيش

الشظوة.. حشرة تؤكل في اليمن بموسم الأمطار

الفاو: الحشرات تفتح آفاقا جيدة للأمن الغذائي وسبل العيش

مع بداية موسم الأمطار، يترقّب “فيصل محمد” مع أصدقائه خروج حشرة “الشظوة”، والتي تعرف علمياً بـ” النمل الأبيض”، بوديان قريته في ريف محافظة إب، والتي اعتادوا أن تخرج منها بشكل سنوي.

وتختلف تسمية هذه الحشرة باليمن، ففي أغلب المناطق تسمى “شظوة”، ويطلق عليها أيضا “شطوة”، أو “شظوية”، ولها كذلك تسميات أخرى، وهي حشرة تنتمي إلى فصيلة النمل الأبيض ولها أجنحة.

تخرج بعد هطول الأمطار في بداية موسم الزراعة بكميات كبيرة من تحت الأرض عبر فتحات صغيرة ، ويتجمع الناس لجمعها، ويستعملون أغصانا من شجرة الطلح أو السدر تكون مليئة بالأشواك، لاصطيادها فور خروجها.

ويُعد الاهتمام بالحشرات كغذاء من ضمن توصيات وكالات الأغذية في عدد من دول العالم، وتقترح منظمة الأمم المتحدة للأغذية، وتوصي بالاستعداد لتقبّل فكرة الحشرات الصالحة للأكل، وتقول: “إنها تفتح آفاقا جيدة للأمن الغذائي وسبل العيش”.

حكايات من الريف

ما إن يجمع الناس الشظوة في أكياس وعلب معدنية، يعودون إلى منازلهم، ثم تبدأ مرحلة طهيها، ويشرح فيصل لمنصة ريف اليمن طبخها فيقول: “تقوم أمي بطباختها في تنور الحطب، فتفوح رائحتها الزكية، وتزداد رغبتنا في تناولها”.

ويضيف: “عادةً ما نأكلها مع الخبز بعد الطبخ، وهناك أشخاص يأكلونها مع أجنحتها وهي لا تزال حية. ومع ذلك، فمن المشهور أن الشخص إذا تناول كمية كبيرة يتعرض للإسهال المعوي”.

أما “بندر” (يمني مغترب) يستعيد ذكرياته مع اصطياد “الشظوة”، ويقول: “هناك اعتقاد سائد في القرية أن من يستطيع الحصول على كمية أكبر من الشظوة أو يمتلك مهارة خاصة في صيدها، فإن رزقه سيكون وفيرا”، ويضيف لمنصة ريف اليمن: “كان شخص بقريتنا يجمعها ليلا، باستخدام ضوء قوي، رغم صعوبة ذلك”.

ورغم أن كثيرا من الناس يأكلونها في اليمن، هناك مَن يرفض مثل ذلك، تقول مها عادل (طالبة جامعية): “في الحقيقة لا أطيق أكلها أو حتى رؤيتها من بعيد، قد أكون مصابة بالفوبيا منها، لكن أيضاً لدى مبررات أرى أنها منطقية”.

وتضيف لمنصة ريف اليمن: “الحشرات هي غذاء كامل الدسم للطيور والزواحف والثديات، والذين يأكلونها لا يعرفون هل هي مفيدة أو مضرة لصحتهم، إنه شيء توارثوه عن آبائهم وأجدادهم”.

ويثير أكل الحشرات جدلا دينيا، وعندما بحثنا عن ذلك وجدنا أن هناك كثيرا من العلماء يحرمونها، ولكن هناك فتوى منشورة للشيخ يحيى الحَجوري يؤكد فيها على أنه لا دليل على تحريم أكل هذه الحشرة، والأصل في المطعومات الإباحة، وجاءت فتواه رداً على سؤال مواطن، وفق تسجيل صوتي بموقعه على الإنترنت.

الشظوة.. حشرة تؤكل في اليمن بموسم الأمطار
حشرة الشظوة فوق شجرة، في الضالع جنوبي اليمن (يوتيوب/ شايف العامري )

مملكة الشظوة

عندما يزداد عددها في جُحرها تحت الأرض، تخرج الشظوة للبحث عن أماكن جديدة للعيش، وتقدر فترة خروجها لساعات بعد الأمطار، وتستمر بالخروج ما بين 20 إلى 30 يوما.

تبدأ هذه الحشرات بالتزاوج، وتخلف عشرات الآلاف من البيض لتتحول إلى ثلاثة أنواع مختلفة، النوع الأول شغالات، وهي بحجم صغير، وتقوم بأعمال الرعاية للبيض وشق ممرات العبور والنظافة وتغذية الصغار، وتُسمى في اليمن “الأرضة”.

أما النوع الثاني فهي تشكيلات من المقاتلين ذوي الرؤوس الحمراء، ومهمتهم حماية المستعمرة وأفرادها من أي هجوم خارجي، والنوع الثالث الحوريات، وهي التي تنبت لها أجنحة وتطير، وهي الشظوة، وفق مصادر علمية.

وتحتوي الشظوة، كغيرها من الحشرات والديدان، على نسبة عالية من البروتينات والمعادن، وتُؤكل في دول عدّة، أهمها دول شرق آسيا مثل تايلند والصين، والمكسيك في أمريكا الجنوبية، ودول أفريقية، وتعتبرها بعض القبائل الأفريقية من الممتلكات الأساسية، ومصدر أساسي للغذاء.

تجارة معتمدة

اليمنيون ليسوا الوحيدين ممن يأكل هذا النوع من الحشرات وربما هم الأقل، فهي تجارة تدرّ ملايين الدولارات، وهناك شركات خاصة تعمل على تربيتها في مزارع خاصة وتعتني بها في معامل إنتاج، ثم توزّعها في أسواق دول شرق آسيا.

ويصل سعر الكيلو الواحد المجفف من “الشظوة” إلى 190 دولارا أمريكيا وفق أسعار البيع للمستوردين من التجار، وفق سعر شركة تايلندية، اطلع عليها محرّر “منصة ريف اليمن” أثناء البحث عن معلومات من المصادر المفتوحة.

وتكتب الشركة في وصف المنتج “هذه المنتجات يتم معالجتها في مصنعها المعتمد من إدارة الغذاء والدواء التايلندي (FDA)، حيث يتم تنظيفها وطهيها، وتعبئتها لتكون جاهزة للشحن في أكياس سهلة الاستخدام، ويتم اختبار جميع المنتجات عشوائياً للتأكد من أنها تلبي معايير الصحة والسلامة الدولية”.

ويتم استهلاك أكثر من 900 نوع من الحشرات الصالحة للأكل في جميع أنحاء العالم، وهي تشكل بالفعل مكونًا غنيًا بالمغذيات من مكونات كثير من الأنماط الغذائية الوطنية. بحسب منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”.

وفي أفريقيا، يعتبر أكل الحشرات تقليدا قديما وشائعا للغاية، وتهيمن على أكل الحشرات في القارة عدد من الدول، مثل دول جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والكاميرون، وأوغندا، وزامبيا، وزيمبابوي، ونيجيريا.

وهناك حشرات أكثر شيوعا في الأكل مثل: اليرقات والنمل الأبيض (الشظوة) والصراصير وسوسة النخيل. وقد اعتبرت قديما مصدرا غنيا بالبروتين، وهذا ما جعل السكان الأصليين يتناولونها باستمرار، وظلّ ذلك التقليد متبعا وطبقا رئيسيا في المطاعم حتى اليوم. ووفقا لموقع “ذا كونفيرزيشين”.

هل تكون الحشرات غذاءً معتمدا؟

ما تزال الحشرات غير معتادة كمصدر غذائي في الثقافات الغربية، لا سيما في أوروبا وأمريكا الشمالية، ومع ذلك، بدأت بعض الدراسات والأبحاث في الغرب تستكشف إمكانية استخدام الحشرات كمصدر غذائي مستدام وغني بالبروتينات والمعادن.

وفي يناير 2023، دخلت قوانين جديدة حيز التنفيذ في دول الاتحاد الأوروبي تسمح بإدخال الحشرات في الوجبات الأساسية، بشرط أن يُبيّن وجود الحشرات بوضوح على العبوات، وترك المجال للمستهلكين لتقرير ما إذا كانوا يرغبون في تناولها.

وتشير بعض الدراسات أن الحشرات الصالحة للأكل قد تمثل مصدرًا مستدامًا للغذاء في المستقبل، وفقًا لاستطلاع للرأي أجرته منظمة الأغذية والزراعة (FAO) في عام 2019، يعتقد نحو ثلث السكان في المملكة المتحدة أن الحشرات الصالحة للأكل ستصبح جزءًا من نظامهم الغذائي في المستقبل.

وتبرر المنظمة الدولية لإدخال الحشرات ضمن الغذاء بأن هناك أربعة أسباب لوجوب إدراجها على قائمة الطعام، “إنها مغذية، وتتسم بالاستدامة من الناحية البيئية، وتتيح فرصًا اقتصادية، وتشكل موردًا غير مستغل بما فيه الكفاية”.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مقالات مشابهة :