حقُّ آلاف من نساء اليمن المشرع باستخراج جوازات السفر محاصرٌ بعرف مجتمعي تحول في يوم إلى تعميم شفهي يطبقه الموظفون متغافلين عن نص القانون، وحملة “اشتي_جواز” تعيد مطالبهن إلى الواجهة.
تقول أروى عبدالحميد، إنها سافرت مسافة 7 ساعات متواصلة، عبر طرق وعرة، من قرية ريفية عبر منطقة الحوبان شرقي تعز، حتى وصلت وسط المدينة، بغية استخراج جواز ، لكنها انصدمت بطلب غير قانوني من موظفي الجوازات عرقلها لعدة أيام.
وتضيف أروى لـ”منصة ريف اليمن”،”بعد أن تقدمت بأوراقي لاستخراج جواز، سألني الموظف” أين زوجك؟ وعندما أجبته أنه مغترب في السعودية، قال لن تستطيع استكمال معاملتك، جهزي وكالة رسمية وعدت”.
شكّل هذا الطلب لأورى مشكلة كبيرة، وبدأت فصل جديد من المعاناة، بهدف الحصول على الوكالة، ولحسن حظها يتواجد في المدينة أقرباء لها، ما ساعدها على ذلك ولكن بعد يومين من التعب.
وتشرح أورى المعاناة قائلة “ذهبنا إلى أحد القضاة لاستخراج وكالة، فطلب منا أن نأتي بشاهدين يعرفون زوجي، وعندما قمنا بإحضارهم اعتذر وقال نعود له في اليوم التالي بسبب انشغاله، وفي اليوم التالي حضرنا مع الشاهدين”.
وتضيف “أخذ القاضي هاتفي واتصل على رقم زوجي، وسأل الشهود إن كانوا يعرفون صوته أم لا، فأجابوا بنعم، وبعدها قام بتحرير الوكالة، وخسرت مبالغ مالية إضافية له، وللشهود، وعدت في اليوم الرابع لاستخراج الجواز”.
معاناة النساء
“أروى” هي واحدة من آلاف النساء اليمنيات اللواتي يتم عرقلة معاملاتهن ورفض استخراج جواز لهن إلا بوكالة رسمية من الزوج، وأحيانا يلجأن إلى طُرق غير قانونية كدفع مبالغ مالية لاستخراج الجواز بسبب تلك التعقيدات.
السلطات اليمنية لا تمنح النساء جواز السفر دون إذن الزوج أو وجوده شخصياً وفق تعاميم شفهية.
في شهر آذار المنصرم أطلقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً قالت فيه إن جميع أطراف النزاع في اليمن تنتهك بشكل ممنهج حق المرأة في حرية التنقل. وبين التقرير أن السلطات المختلفة تمنع النساء من السفر بين المحافظات، وإلى خارج البلاد في بعض الحالات، بدون إذن ولي الأمر أو مرافقة محرم (أحد الأقارب الذكور المباشرين).
وبحسب التقرير، كان أثر هذه القيود على حياة النساء هائلا، وقد أعاق قدرتهن على تلقي الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وحتى زيارة أسرهنّ وعائلتهنّ.
حتى من تأتي بالمحرم يتم عرقلة معاملتها لأشهر، كما حدث مع المواطنة الفية ناجي، التي كابدت مطلع يناير/ كانون الثاني، 2024، مشقة السفر إلى مدينة تعز جنوب غربي اليمن، لاستخراج جواز سفر، فهي تتطلع للسفر لأداء مناسك العمرة، وزيارة شقيقتها المقيمة هناك”.
تقول الفية (45)عاما، التي تنحدر من ريف محافظة إب وسط اليمن، لمنصة ريف اليمن “ذهبنا أنا وزوجي إلى مدينة تعز، وحرصت على تواجده معي حتى لا يتم عرقلة المعاملة وطلب وكالة، إن كان غير موجود، وبسبب وعورة الطرقات، كانت الرحلة من أصعب اللحظات التي قضيتها في حياتي مشقة وعناء، وإجراءات مشددة في النقاط الأمنية”.
وتضيف: ” سُررت عندما أخبرني شقيقي المقيم في السعودية التكفل بدفع تكاليف استخراج جواز السفر، وتكاليف السفر لأداء العمرة، لكن مشقة السفر التي تكبدتها في الحصول على الجواز كانت قاسية، حتى تمنيت لو أني رفضت السفر “.
ورغم مرور أربعة أشهر حتى لحظة نشر التقرير، لاتزال الفية تنتظر متى ستحظى باستلام الجواز، وتقول” ماتت اللهفة للسفر، وتخشى أن يوافيها الأجل قبل زيارة بيت الله الحرام”، ولا تزال تنتظر على غرار مئات الآلاف من المواطنين اليمنيين.
في شهر كانون الأول/ديسمبر 2022، أفاد خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة أن “الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري” (هيئة النقل البري) في صنعاء، أصدرت توجيها شفهيا في أغسطس/آب 2022، يشترط أن تكون النساء برفقة محرم عند السفر إلى أي مكان داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو خارج البلاد.
إن وجود تعميم يُعمل به في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يؤكد العدد الكبير من النساء والفتيات المتضررات من القرار.
ما هو رأي القانون؟
تنص المادة رقم (6) من قانون الجوازات اليمني “تُصرف جوازات السفر العادية ووثائق السفر لكل من بلغ 16 عامًا، ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية، أما القُصَّر فيُضافون في جواز سفر أحد الأبوين، إن كان مسافرًا بصحبته، ويجوز صرف جواز للقاصر عند الضرورة، وبعد موافقة وليّ أمره”.
يليه “قانون الجوازات” رقم 7 لسنة 1990 الذي أعطى الحق لكل من يحمل الجنسية اليمنية أن يستخرج وثيقة سفر، عدا الأطفال دون سن 16 عامًا.
وهذا إضافة إلى المادة 3 من القرار الجمهوري رقم 2 لسنة 1994 بشأن لائحة الجوازات، وكلها لا تذكر اشتراط الوصاية في الجواز، لكن العرف المجتمعي والذي اعتمدته دوائر الهجرة فرض وجود توكيل رسمي لولي أمر المرأة بموافقته لها استخراج جواز السفر.
لا يعني إمكانية لجوء النساء والفتيات اليمنيات للسماسرة إلى حل المشكلة، حيث تصبح كل الانتهاكات الممارسة بحقهن غير قابلة للشكوى القانونية، وعلى رأسها التحرش والابتزاز.
المواجهة الأولى
حاولت منظمات نسوية الضغط على السلطات المحلية لمراجعة هذه الأعراف وإيصال أصواتهن إلى صنّاع القرار، والرأي العام والمنظمات المحلية والدولية.
وفي مطلع فبراير/ شباط 2022، أطلقت ناشطات يمنيات حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “جوازي بلا وصاية”، وطالبن فيها كلا من وزير الداخلية ورئيس مصلحة الجوازات بإعادة العمل بالقانون رقم 7 لسنة 1990 الخاص بالجوازات ولائحته التنفيذية، وذلك حتى تتمكن النساء من استخراج وثيقة سفر بلا وصاية من أحد، أي دون الحاجة إلى إذن من الأوصياء أو مرافقتهم.
ضغط الرأي العام النسوي، ولجوء المنظمات للقانون والمحاكم الإدارية، دفع الجهات المختصة إلى إصدار تعميم رسمي من قبل رئيس الحكومة السابق معين عبد الملك، يساند حق النساء بالجواز بلا وصاية.
وتسلم رئيس الحكومة السابق رسالة من الحملة، طالبته فيها بتوجيه المختصين بالعمل على إزالة العوائق التي تعترض المرأة في حصولها على جواز سفر بلا وصاية من أحد، والاقتداء بالقانون رقم 7 لسنة 1990 الخاص بالجوازات ولائحته التنفيذية.
في ختام ذلك اللقاء أصدر رئيس مجلس الوزراء السابق توجيهاته إلى وزير الداخلية ووزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان بمراجعة الإجراءات والاشتراطات المعيقة لحصول المرأة على جواز سفر والاقتداء بالقانون.
وفي 7 مارس 2022، أعلنت الدكتورة والناشطة السياسية ألفت الدبعي، في صفحتها بفيسبوك، أنها حصلت على توجيهات من رئيس الوزراء في الشرعية معين عبد الملك تتضمن إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي تعيق حصولها على جواز سفرها كمواطن وفقا لنصوص القانون، ولكن.
انتكاسة حكومية
رغم صدور التعميم الوزاري، وبدء العمل به في مصلحة الهجرة والجوازات، عاد العرف المجتمعي للواجهة، دون وجود أي تعميم رسمي أو قرار إداري يلغي ما سبقه من قرارات حسب كل من توجهنا له بالسؤال.
منصة “ريف اليمن” رصدت عشرات الحالات النسائية اللاتي صرحن باشتراط المصلحة وكالات رسمية من أولياء أمورهن. تيسير محمد من عدن (اسم مستعار) أكدت اشتراط دائرة الهجرة إذن ولي أمرها، وحينما أخبرتهم بتوجيه رئيس الحكومة السابق معين عبد الملك، وتعذر موظف هناك لها، بأن التوجيه يعتبر ملغيًا.
بعد أن حققت حملة “جوازي بلا وصاية” في عام 2022، أهدافها بإلغاء الاشتراطات المعوقة لحصول النساء على جواز سفر، وتطبيق القانون لتسهيل استخراج جواز سفر للنساء، واجهت النساء والناشطات المؤسسات للحملة إلى الإساءة والتشهير.
هل من حل؟
تؤكد القاضية عائشة مانع (قاضية في محكمة مأرب) لمنصة ريف اليمن عدم وجود أي نص قانوني يمني يشترط وجود أو موافقة ولي أمر المرأة من أجل استخراج الجواز لأن ذلك من الحقوق العادية والضرورية لأي مواطن سواء كان امرأة أو رجلا على حد سواء.
وعن الإجراءات التي يمكن اتخاذها في حال ممانعة الدوائر الإدارية إتمام الأوراق الرسمية خارج إطار القانون، تقول القاضية: “أولاً تقديم شكوى إلى إدارة الجوازات، وفي حال استمرار الممانعة الإدارية، التقدم بشكوى أمام النيابة والقضاء”.
المطالب إلى الواجهة
اليوم أطلقت حملة جديدة بعنوان #اشتي_جواز، وتطالب بتطبيق القانون اليمني لتسهيل استصدار جوازات السفر للجميع دون قيد أو شرط.
أحمد البعداني منسق الحملة يقول لمنصة ريف اليمن: أطلق الحملة مجموعة من المواطنات المتضررات والمواطنين المتضررين من الحملة، وخصت النساء بنشاطها أيضاً نظراً لخصوصية الصعوبات التي تواجههن، ذلك أن معاناة النساء مضاعفة عن معاناة الرجال.
ويقول البعداني: “من الغريب أن تحتاج المرأة اليمنية ولو كانت في عمر الـ80 لوجود رجل ولو كان بعمر الـ18”.
وتؤكد الحملة معاناة النساء، وكيف أن النساء تضطر للسفر نحو 15 ساعة في طرق صعبة، إلى مدن تعز أو عدن أو مأرب، وكثيرات منهن حوامل أو مرضى.
تقول الأمم المتحدة إن قيود التنقل المفروضة على النساء اليمنيات أجبرت العديد منهن على ترك وظائفهن في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة لعدم وجود قريب لهن قادر على مرافقتهن في السفرات المتصلة بعملهن، ما أفقدهن الدخل الذي تشتد حاجة أسرهنّ إليه، وقطع المساعدات الإنسانية عن النساء والفتيات اليمنيات.
وأمام تراجع تطبيق القانون أمام الأعراف المجتمعية في مساندة النساء على تحصيل حقوقهن، ستكون مصلحة النساء اليمنيات غير محققة.