تمكنت المهندسة رحمة عبدالواسع (27 عامًا)، من إطلاق مشروعها بمحل لصيانة الهواتف الذكية، بريف محافظة تعز، بهدف توفير خصوصية للنساء وحمايتهن من الابتزاز، وتأمين مصدر دخل لعائلتها يوفر إحتياجتهم المعيشية.
خلال السنوات الماضية، ظهرت الكثير من المشاريع النسائية بدافع تأمين المعيشة، إذ تحملت المرأة الريفية العبء الأكبر بتوفير الغذاء لأفراد العائلة، من خلال فتح المشاريع الاستثمارية المتنوعة.
وتنوعت تلك المشاريع بين المحلات التجارية، أو العمل بمجالات أخرى تؤمن متطلبات الحياة اليومية كا الزراعة وتربية الثروة الحيوانية وغيرها من الأعمال التي تهدف لانتشال الأسر من واقع الفقر في بلد تعصف به الحرب.
تخرجت السيدة رحمة من كلية الهندسة بجامعة عدن جنوبي اليمن عام 2022، بعد أن عاشت تجربة قاسية خلال دراستها الجامعية، فهي كانت تواجه تحديات وصعوبات كبيرة نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية. وهذا حال معظم طلاب العلم في اليمن.
تقول رحمة لمنصة ريف اليمن “كانت فترة الدراسة الجامعية من أصعب الأيام التي مرت بحياتي، وصلت لمرحلة كنت لم أتوقع بأن أكمل الدراسة، لكنني كافحت حتى تخرجت من الجامعة بدرجة إمتياز، وحصدت المرتبة الثالثة”.
وتضيف: “عقب عودتي إلى قرية المشجب التابعة لعزلة الشراجة، بمديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، كانت عائلتي تعيش أوضاعاً معيشية قاسية، فكرت حينها بتخفيف معاناتهم اليومية والوقوف إلى جانبهم في تدبير شؤون حياتهم. بالإضافة لاستثمار تخصصي الجامعي من خلال تقديم الخدمة للنساء في القرية وحمايتهن من الابتزاز.
مع استمرار الحرب يعيش اليمنيون أوضاعاً معيشية قاسية. إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليوناً بحاجة إلى المساعدات.
وتقول المنظمات الإغاثية إنها تعاني من نقص في تمويل عملياتها الإنسانية، ما يؤثر سلباً على حياة الكثير من الفقراء في البلد خصوصاً سكان المناطق الريفية الذين يشكلون 70% من السكان في اليمن.
حماية النساء
بحسب رحمة، جاءت فكرة تأسيس المشروع وفتح محل لصيانة الهواتف الذكية حين وجدت أن نساء القرية تواجه صعوبات بإصلاح الهواتف. إذ لا يمكن لهن قطع مسافة كبيرة إلى المدينة. بالإضافة إلى الحفاظ على النساء من التعرض للابتزاز خاصة عقب انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني ووقوع الكثير من النساء ضحايا لهذه الجريمة”.
تجدر الإشارة إلى ظاهرة الابتزاز الإلكتروني من الظواهر الجديدة نسبيًا في اليمن فهي ظهرت مع توسع شبكة الإنترنت، ومع ظهور وسائل الاتصال والإنترنت تزايدت هذه الظاهرة وأصبحت تؤثر بشكل خطير على النساء في اليمن.
ورصد تحقيق صحافي، أكثر من 86 جريمة ابتزاز إلكتروني تعرضت يمنيات، ممن حظيت بالنشر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهي نتيجة غير شاملة لعدد الضحايا في اليمن وما خفي أعظم.
كما بلغت حالات الابتزاز الإلكتروني ضد فتيات (بالثانوية العامة) في ساحل حضرموت 46 حالة للعام 2023، بحسب احصائية نشرها، مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.
وتعلق ممثلة اللجان المجتمعية بمنطقة المشجب بريف تعز سمر السفياني، لمنصة ريف اليمن:” قبل أن تأتي رحمة وتقوم بفتح مشروعها الخاص في القرية، كانت الكثير من النساء إذا تعرض هاتفها لخلل تضطر لرميه في البيت خوفا من إصلاحه لأنه يحتوي على بعض الخصوصيات”.
بالنسبة لسمر ومعها المئات من النساء فإن مرحلة القلق والخوف من تعرض هواتفهم لحدوث أي خلل قد انتهى بعد تواجد المهندسة رحمة في القرية أصبح من الممكن اختصار الوقت والجهد والمال.
من جانبه قال أحمد فارع وهو أحد سكان قرية المشجب لمنصة ريف اليمن إن السكان كانوا يواجهون معاناة كبيرة عندما يتعرض الهاتف لخلل خصوصاً هاتف الزوجه أو البنت”.
ويضيف:”المشكلة كانت عندما يُعطى الهاتف لمهندس ويكون بداخله صور عائلية حينها يكون هناك خوف كبير، لكن الآن مع وجود المهندسة رحمة في القرية انزاح كل ذلك الخوف، لافتاً إلى أن الذهاب إلى المدينة لإصلاح الهاتف كان يكلف ماليا وجهد ووقت أكبر”.
مساندة وتمويل
حظي مشروع السيدة رحمة بتشجيع كبير من قبل السكان في المنطقة خاصةً من قبل النساء على الرغم من الصعوبات التي كانت تواجهها مثل نقص الأدوات الهندسية إلا أنها تجاوزتها عن طريق الحصول على التمويل والدعم المالي.
تقول رحمة لمنصة ريف اليمن “في سبتمبر /أيلول عام 2023 تمكنت من الحصول على تمويل من قبل مشروع الادخار والتمويل الريفي الذي ينفذه الصندوق الاجتماعي للتنمية بمحافظة تعز”.
بالإضافة إلى حصولها على التمويل المالي تمكنت رحمة من المشاركة في العديد من الدورات التدريبية في العمليات المحاسبية والريادة ودراسة الجدوى حينها تمكنت من إدارة مشروعها بطرق وخطوات ناجحة.
بحسب رحمة، فإن التمويل والدورات التدريبية ساهمت بشكل كبير بتحسن الدخل خصوصاً مع شرائها بعض أدوات الصيانة التي بدورها انعكست ايجابا على العمل فهي تعمل في صيانة هواتف نساء من قرى ريفية مختلفة بريف تعز.
بعد مرور عامين من نجاح مشروعها، تطمح السيدة رحمة أن يكون لها في المستقبل القريب محل لبيع الهواتف الذكية مجهز بجميع المستلزمات والإكسسوارات والأدوات والمعدات الخاصة بإصلاح الهواتف الذكية.
وتحث النساء اليمنيات مواصلة تعليمهم، والسير نحو ذلك بإصرار وصبر وعزيمة، وتحدي كافة المعوقات التي تواجههم خلال حياتهم حتى يتمكن من تحقيق أحلامهن.
ضمن حديثها لمنصة “ريف اليمن” قالت سمر السفياني: “يبقى نموذج رحمة باحتراف مجال هندسة الهواتف الذكية نموذجا لتحدي هشاشة الأوضاع الاقتصادية وحائط صد أمام ممارسي جرائم الابتزاز الالكتروني، ومركز ثقة العملاء على وجه الخصوص النساء اللواتي يتخوفن من بقاء هواتفهن في مراكز الصيانة لفترة طويلة” .
وتختم بالقول “أتمنى أن يتطور مشروع المهندس رحمة بشكل أفضل، نناشد جميع الجهات دعهما من أجل الاستمرار والبقاء في الريف”.